الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
إذا رأى ما يحب
إذا رأى المسلم الرؤيا يحبها وتسره وتعجبه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الآداب التي ينبغي أن يفعلها الرائي، وذلك كما دلت عليها الأحاديث التالية:
(1)
ما أخرجه الإمام البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره» (1).
(2)
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شر الشيطان، وليتفل ثلاثًا، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره» (2).
وفي رواية لمسلم «فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر، ولا يخبر إلا من يحب» .
(3)
أخرج الإمام في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا ثلاثة: فبشرى من الله، وحديث النفس، وتخوف من
(1) مسند الإمام أحمد (3/ 8) وصحيح البخاري كتاب التعبير 3 - باب الرؤيا من الله رقم الحديث (6985)(3/ 296) 46 - باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها رقم الحديث (7045)(4/ 309).
(2)
صحيح البخاري كتاب التعبير 46 - باب إذا رأى ما يكره رقم الحديث (7044)(4/ 309) وصحيح مسلم كتاب الرؤيا رقم الحديث (2261)(4/ 1772).
الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء، وإذا رأى شيئًا يكرهه، فلا يقصه على أحد وليقم فليصل» (1).
(4)
أخرج الإمام أحمد والطبري من حديث عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن هي جزء من تسعة وأربعين جزءًا من النبوة، فمن رأى ذلك فليخبر بها، ومن رأى سوى ذلك فإنما هي من الشيطان ليحزنه، فلينفث عن يساره ثلاثًا وليسكت ولا يخبر بها أحدًا (2).
(5)
أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة، فمن رأى خيرًا فليحمد الله عليه، وليذكره، ومن رأى غير ذلك فليستعذ بالله من شر رؤياه، ولا يذكرها، فإنها لا تضره» (3).
(6)
أخرج الإمام ابن عبد البر في التمهيد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدكم الرؤى تعجبه فليذكرها، وليفسرها وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوؤه، فلا يذكرها، ولا يفسرها» (4).
(1) مسند الإمام أحمد (2/ 395) وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (17/ 147) رقم (9118) والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 329) رقم (1341) وقد سبق تخريج بعض طرق هذا الحديث.
(2)
إسناده صحيح وقد سبق تخريجه.
(3)
مسند الإمام أحمد (2/ 137) وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (9/ 86) رقم (6215) وقد مضى بعض طرق هذا الحديث.
(4)
التمهيد (1/ 287 - 288) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 328) رقم (1340) وصحيح الجامع (1/ 209) رقم (562).
فدلت هذه الأحاديث على الآداب التي يلتزم بها المسلم إذا رأى ما يحب، وهذه الآداب كما يلي:
الأول: أن يحمد الله عليها.
الثاني: أن يستبشر بها.
الثالث: أن يتحدث بها ويخبر بها من يحب دون من يكره.
وإليك تفصيل هذه الآداب.
الأول: أن يحمد الله عليها:
لما جاء في حديث أبي سعيد «فليحمد الله» والحمد هو الثناء على الله، سبحانه بالقلب واللسان (1).
الثاني: أن يستبشر بها:
لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة «فإن رأى رؤيا حسنة فليُبْشِر» .
قال النووي رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم: «فليبشر» هكذا هو في معظم الأصول فليبشر بضم الياء وبعدها باء ساكنة من الإبشار والبشرى، وفي بعضها بفتح الياء، وبالنون من النشر وهو الإشاعة، قال القاضي عياض في المشارق والشرح وهو تصحيف (2)، وفي بعضها «فليستر» بسين مهملة من الستر والله أعلم (3).
وقال الحافظ ابن حجر: "وقوله: «فليبشر» بفتح التحتانية وسكون الموحدة وضم المعجمة من البشرى وقيل بنون بدل الموحدة أي يحدث بها، وزعم عياض أنها تصحيف، ووقع في بعض النسخ عن مسلم «فليستر» بمهملة ومثناة من الستر"(4).
(1) انظر: ما يتعلق بتفسير الحمد والشكر في تفسير الطبري (1/ 46) وتفسير ابن كثير (1/ 22).
(2)
انظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 102).
(3)
شرح صحيح مسلم للنووي (15/ 19).
(4)
فتح الباري (12/ 369) وانظر: لسان العرب (4/ 60).
ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة من المبشرات، وقد سبق تفصيل كون الرؤيا الصالحة من المبشرات، وذكر الآيات والأحاديث والآثار الواردة في ذلك.
ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: "الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره"(1).
الثالث: أن يحدث بها ويخبر بها من يحب دون من يكره.
والتحدث بالرؤيا والإخبار بها جاء مطلقًا ومقيدًا، ففي حديث أبي سعيد الخدري مطلقًا دون تقييد «وليحدث بها» ، وكذا في حديث أبي هريرة عند أحمد «فليقصها إن شاء» وعند ابن عبد البر «فليذكرها، وليفسرها» وفي حديث عبد الله بن عمرو «فليخبرها بها» وفي حديث ابن عمر «وليذكره» .
بينما جاء هذا الإخبار والتحديث مقيدًا بمن يحب كما في حديث أبي قتادة «فلا يحدث بها إلا من يحب» وفي رواية «ولا يخبر إلا من يحب» .
وعلى هذا التحديث بالرؤيا الصالحة مستحب، وقد يقال مباح لأنه في بعض الروايات قال:«إن شاء» والأول أقرب، ولا شك أن تقييدها بالأحباب أولى وهم أخص الناس بذكرها لهم.
وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح» (2).
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح (3/ 461).
(2)
أخرجه الترمذي (2/ 45) والدارمي (2/ 126) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الألباني: إسناده على شرط الشيخين، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 186) رقم (119).
وجاء سبب هذا النهي في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك مثل رَجل رفع رِجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحًا أو عالمًا» (1).
وفي حديث أبي رزين قال: «ولا يقصها إلا على وادٍّ أو ذي رأي» .
وفي رواية قال: «ولا تحدثوا بها إلا عالمًا أو ناصحًا أو لبيبًا» (2).
قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: "فإن كانت بشرى أو شككت فلا تحدث بها إلا عالمًا أو ناصحًا.
العالم يعبرها له على الخير إذا أمكنه.
والناصح يرشده إلى ما ينفعه، ويعينه عليه.
أما الحبيب فإذا عرف قال: وإن جهل سكت.
وأما اللبيب وهو العاقل العارف بتأويلها فإنه ينبئك بما تعول عليه فيها، وإن ساءته سكت عنك وتركها" (3).
وقال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا المحبوبة الحسنة «لا تخبر بها إلا من تحب» فسببه أنه إذا أخبر بها من لا يحب ربما حمله البغض والحسد على تفسيرها بمكروه، فقد يقع على تلك الصفة، وإلا فيحصل له في الحال حزن ونكد من سوء تفسيرها والله أعلم"(4).
وكذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (5).
(1) سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
عارضة الأحوذي (9/ 129).
(4)
شرح صحيح مسلم للنووي (15/ 18).
(5)
انظر: فتح الباري (12/ 431).
ولهذا نصح نبي الله يعقوب عليه السلام ابنه يوسف عليه السلام ألا يقص الرؤيا على إخوته قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5].
قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله: "وهذه الآية أصل في ألا تقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها"(1) ثم استشهد بحديث أبي رزين السابق.
وقال أيضًا: "إن يعقوب عليه السلام كان أحسَّ من بنيه حسد يوسف وبغضه، فنهاه عن قص الرؤيا عليهم خوف أن تغل بذلك صدورهم، فيعملوا الحيلة في هلاكه"(2).
وقال ابن كثير رحمه الله: "خشي يعقوب عليه السلام أن يحدث بهذا المنام أحدًا من إخوته فيحسدونه على ذلك، فيبغون له الغوائل حسدًا منهم له، ولهذا قال له: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} أي يحتالون لك حيلة يردونك فيها"(3).
ثم استشهد بالأحاديث السابقة، ثم قال:"ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد، وتظهر كما ورد في الحديث «استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود» "(4).
(1) الجامع لأحكام القرآن (9/ 126).
(2)
المرجع السابق (9/ 127).
(3)
تفسير القرآن العظيم (2/ 469).
(4)
الحديث أخرجه ابن حبان في روضة العقلاء، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 436) رقم (1453) وصحيح الجامع رقم (956).
وقال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث معاذ في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه: "وفي حديث معاذ (1) دليل على أنه من رأى رؤيا تسره فإنه يقصها على أصحابه وإخوانه المحبين له، ولا سيما إن تضمنت رؤياه بشارة لهم، وتعظيمًا لما ينفعهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح يقول لأصحابه «من رأى منكم الليلة رؤيا» "(2).
(1) سبق تخريجه.
(2)
اختيار الأولى ص (39) والحديث سبق تخريجه.