الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
الخاتمة
وبعد هذا الاستعراض لجوانب متعددة في موضوع الرؤى من خلال كتاب الله وسنة رسول ص وفهم السلف الصالح، ومع استعراض موجز لآراء المخالفين ومناقشتهم تبين النتائج التالية:
(1)
أنه قد جاء في كتاب الله الحكيم آيات كثيرة تبين حقيقة الرؤى، وأنها بالنسبة للأنبياء وحي، بل إن الله جعل معجزة نبيه يوسف عليه السلام تأويل الرؤيا.
(2)
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في شأن الرؤى سواء في رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل في المنام، أو بيان أن رؤيا الأنبياء وحي، وبيانه أن رؤيا المؤمن جزء من أجزاء النبوة، أو ذكره للآداب، وسؤال أصحابه عن الرؤيا كثيرًا وتفسيره لكثير من رؤى أصحابه، وكثرة الرؤى التي رآها صلى الله عليه وآله وسلم.
(3)
أن علماء الحديث اهتموا بتلك الأحاديث فصنفوا لها الكتب والأبواب، ووضعوا العناوين للأبواب التي تبين أحكام الرؤى وحقيقتها وعلاقتها بالنبوة.
(4)
أن الرؤى لها أهمية في حياة الناس، لكثرة وقوعها وانشغال بعضهم بها بين غلو وتفريط وإفراط، وكيف أن بعض المغرضين يستغلون اهتمام الناس بالرؤى فينشرون باطلهم من هذا الطريق.
(5)
أن الرؤى والأحلام في اللغة بمعنى واحد، وهو ما يراه الإنسان في منامه، أما في الشرع فإن الرؤيا تطلق غالبًا على الصادقة التي هي من الله، والأحلام على الكاذبة التي هي من الشيطان.
(6)
أن الرؤى عند أهل السنة والجماعة عبارة عن أمثال مضروبة للرائي، خلافًا لمن شذ من المعتزلة أو الفلاسفة، فالمعتزلة تجعل الرؤيا كلها خيالات باطلة، وقالت الفلاسفة إنها بسبب الأخلاط، وكلا القولين خلاف لما دلت عليه النصوص.
(7)
أن الرؤيا قد تطلق ويراد بها الرؤية وهي ما يراه الإنسان في اليقظة، وقد جاءت بعض الأدلة بهذا الإطلاق، لكن الغالب استعمال الرؤيا في المنام، والرؤية في اليقظة.
(8)
أن روح النائم قد تفارق جسده في النوم من وجه دون وجه، والله أعلم بكيفية هذه المفارقة، وقد تعرج روح النائم إلى السماء، وليس عروجها كعروج البدن، بل بكيفية الله أعلم بها، كما بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه المسألة.
(9)
أن هناك جمعًا كثيرًا من علماء أهل السنة قالوا بتلاقي أرواح الأحياء والأموات، وذكرت أدلتهم في ذلك.
(10)
أن النصوص الشرعية دلت على أن الرؤى تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1) الرؤيا من الله، وهي الصادقة.
2) الأحلام من الشيطان، وهي من تحزينه وتخويفه وتهويله.
3) حديث النفس، وهي ما يحدث به المرء نفسه في اليقظة ويراه في المنام.
وهذا التقسيم خلافًا لما تقوله الفلاسفة أو علماء النفس من إغفال بعض جوانب الرؤيا الصحيحة التي دلت عليها الأدلة الشرعية.
(11)
أنه لا ينكر الرؤيا الصادقة إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة.
(12)
أن الرؤيا الصالحة وصفت بصفات عدة منها:
(أ) كونها من الله.
(ب) كونها مما يحب المرء وتعجبه.
(ج) كونها من المبشرات.
(د) كونها صادقة.
(هـ) كونها صالحة
…
.
(و) كونها جزءا من أجزاء النبوة.
(ز) كونها حسنة.
(ح) كونها حقًا.
(13)
أن صلاح الرؤيا يرجع إلى صلاح ظاهرها، أو صلاح تعبيرها، وكذا الرؤيا المكروهة يرجع إلى ظاهرها، أو إلى تعبيرها.
(14)
أن مخالفة الرؤيا للشرع دليل على فسادها وبطلانها، وكونها من الشيطان.
(15)
أن القطع بكون الرؤيا صالحة لا سبيل إليه، وإنما ذلك على سبيل غلبة الظن.
(16)
أن هناك علامات تفيد غلبة الظن بكون الرؤيا صالحة ومن ذلك:
(أ) التواطؤ عليها.
(ب) كونها من المبشرات، ومن ذلك فسر قوله عز وجل:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64] فقد جاءت الأحاديث والآثار بأن البشرى في الحياة الدنيا هي الرؤيا الصالحة.
(ج) كونها من أهل الصدق والصلاح.
(17)
أن رؤيا المؤمن عن اقتراب الزمان لا تكاد تكذب.
(18)
من أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق، وأن يكون لله وليًا تقيًا، متحرزًا من الشيطان.
(19)
أن الشخص قد يكون من أولياء الله، وإن لم يحصل على شيء من ذلك، وعدم ذلك لا يضره ولا ينقص في مرتبته عند الله.
(20)
أن الشيطان حريص على تحزين وتخويف الإنسان حتى في المنام، ولذلك جاءت التوجيهات النبوية بالتحرز من الشيطان بكثرة ذكر الله وقراءة القرآن والمعوذات.
(21)
أن الناس في الرؤى ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
(أ) من رؤياهم كلها صدق وحق وهم الأنبياء.
(ب) من الغالب على رؤياهم الصدق وهم الصالحون.
(ج) من الغالب على رؤياهم الأضغاث وهم عدا الأنبياء والصالحين.
(22)
أن الرؤيا الصالحة لا يسوغ العمل بها، إلا إذا وافقت نصًا شرعيًا، وعند ذلك تكون العبرة بالنص لا بها، فإنما حاصلها الاستئناس والاستبشار كما وصفت بأنها مبشرات.
(23)
أن رؤيا الأنبياء وحي، بل هي أول مبدأ الوحي للأنبياء، لعصمتهم من الشيطان، ولذلك ما جاء من الرؤى عن الأنبياء فيجب الإيمان بما دلت عليه والعمل بذلك أمرًا ونهيًا.
(24)
أن الأحاديث جاءت متواترة في كون الرؤيا الصالحة جزءًا من أجزاء النبوة ومعنى كونها جزءًا من أجزاء النبوة تشبيه الرؤيا بالنبوة في صدقها، أو أنها علم من أعلام النبوة باق والنبوة غير باقية، كما يقال في الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد من أجزاء النبوة، وكما يقال في إماطة الأذى من شعب الإيمان.
(25)
أن اختلاف الروايات في عدد أجزاء النبوة التي نسبت إليها الرؤيا الصالحة أمر لا نعلم الحكمة منه، وقد ذكر العلماء عدة توجيهات أحسنها قول الطبري- عالم الكتاب والسنة- أن ذلك يرجع إلى حال الرائي من الصدق والصلاح.
(26)
أن الذي تنسب رؤياه إلى أجزاء النبوة هو المؤمن الصالح، أما الكافر والفاسق فلا تنسب رؤياهم إلى النبوة وإن صدقت.
(27)
أن الرؤيا الصالحة تدخل في معنى الوحي العالم كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: 51].
فذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا الوحي عام في اليقظة والمنام للأنبياء وغيرهم.
وتسمية الرؤيا وحيًا وإلهامًا لا يعني أنها معصومة من الخطأ، أو أنها مصدر تلقي وليس لأحد أن يطلق القول بأن ما يقع له أنه وحي لا في اليقظة، ولا في المنام، لأن الوسواس غالب على الناس.
(28)
أن هناك نظريات خاطئة قدمها علم النفس في تفسير الرؤى، وكلها تغفل جوانب من الرؤيا دلت الأدلة الشرعية على صحتها، كالرؤيا الصادقة، والرؤيا من الشيطان، وانحصرت دراساتهم في نوع واحد فقط، مع تخبط في هذا.
29 -
أن الصوفية تغالي في الرؤى حتى تجعلها مصدرًا يقينيًا يبنون عليها كثيرًا من عقائدهم الباطلة، ويستندون إليها في ترويج ضلالاتهم، ومعرفة الحلال والحرام، وتفسير آيات القرآن، وتصحيح وتضعيف الأحاديث، ونسج الفضائل والمناقب لشيوخهم وغير ذلك.
(30)
أن الرؤيا ليست مصدرًا للتلقي والتشريع لما يلي:
(أ) أن الله عز وجل قد أكمل لهذه الأمة دينها، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد بلغ دين الله.
(ب) أن الاعتماد على الرؤى في التلقي يلزم منه أن الله لم يكمل الدين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغه عن الله.
(ج) أن الحق الذي لا يشوبه باطل، هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أما المنامات وغيرها ففيها حق وباطل.
(د) ليس هناك دليل من الشرع يدل على أن الاحتجاج بالرؤى جائز.
(هـ) أن الرؤى منقسمة إلى رحماني ونفساني وشيطاني، والتمييز بينها مشكل.
(و) يلزم من القول بحجية الرؤى تجديد الوحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا باطل.
(ز) أن النائم ليس من أهل الضبط والتحمل للرواية.
(31)
أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام ثابتة.
(32)
أن المؤمن قد يرى ربه في المنام بحسب إيمانه، وليس في ذلك نقص ولا عيب؛ لأن الله ليس كمثله شيء، كما بسط هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
(33)
أن الأحاديث جاءت متواترة في جواز رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأن الشيطان لا يتمثل به.
(34)
أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، تكون حقًا وصدقًا إذا كانت على صورته المعروفة، أما إذا رؤي على غير صورته، أو رؤي وهو يأمر بباطل فهذا دليل على بطلانه، لأن الشيطان قد يتمثل بغير صورة النبي صلى الله عليه وسلم ويقول أنا النبي.
(35)
أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة» أن المراد بذلك أهل عصره، أو يراه في القيامة رؤيا خاصة، أو المراد بها تشبيه من رآه في المنام فكأنه رآه في اليقظة.
(36)
أن القول بإمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته يقظة في الحياة الدنيا باطل شرعًا وعقلاً.
(37)
أن رؤية الملائكة والأنبياء في المنام جائزة وممكنة.
(38)
أن الكذب في الرؤيا كبيرة من كبائر الذنوب، لأنه كذب على الله أنه أراه ولم يره، وقد جاء الوعيد المغلظ في ذلك بأنه:
1) أفرى الفرى.
2) أنه يكلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين.
3) أن من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فليتبوأ مقعده من النار.
4) أنه من أعتى الناس عند الله.
(39)
أن علم التعبير علم صحيح دلت النصوص الشرعية على صحته.
(40)
أن تأويل الرؤيا مبني على القياس والمشابهة بين الرؤيا وتأويلها، كما بسط ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والسعدي رحمهم الله.
(41)
أن الرؤيا إذا عبرت وقعت، وذلك مشروط بما إذا أصاب المعبر وجه التعبير، وقد قيل في ذلك أنه من باب التفاؤل.
(42)
قد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأويل الرؤيا، وأنه كان كثيرًا ما يسأل أصحابه عن رؤياهم.
(43)
جاءت الأحاديث الكثيرة في بيان الرؤيا وآداب من رأى رؤيا يحبها كما يلي:
(أ) أن يحمد الله عليها.
(ب) أن يستبشرها.
(ج) ألا يخبر بها إلا من يحب.
(44)
جاءت الأحاديث في بيان آداب من رأى رؤيا يكرهها وذلك كما يلي:
1) أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثًا.
2) أن يستعيذ بالله من شرها.
3) أن يتفل عن يساره ثلاثًا.
4) أن يقوم فيصلي.
5) أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه إلى الجنب الآخر.
6) ألا يخبر بها أحدًا فإنها لا تضره.
(45)
أن تعبير الرؤيا من باب الفتوى، ولذلك يشترط في المعبر للرؤيا العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخيرًا: هذه حقيقة الرؤى وأقسامها وعلاقتها بالنبوة، وأحكامها وآدابها، فينبغي للمسلم أن يكون وقافًا عند كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يجاوزه بإفراط، ولا يقصر عنه بتفريط فكلا الأمرين تضييع لشرع الله، وعدم تعظيم له.
والحمد لله أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه.
وغفر الله لكاتبه، وقارئه، وللناظرين فيه، ولجميع المسلمين، وجعله حجة لي لا حجة علي.
والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الفهارس
وتشمل:
(1)
فهرس المصادر والمراجع.
(2)
فهرس الموضوعات.