الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم من يرى أن تلك الصور تقع في القلب من اللوح المحفوظ في حالة النوم كما تقع الصورة من مرآة أخرى إذا ارتفع الحجاب بينهما (1).
وذهب القائلون بوحدة الوجود من الصوفية إلى أن الرؤيا لا تهبط من خارج وإنما تصدر من باطن النفس، فالوجود حقيقة واحدة عندهم (2).
المسألة الثانية: مكانة الرؤى عند الصوفية
الرؤى والمنامات مصدر مهم عند الصوفية للمعرفة والتلقي بل هي مصدر يقيني لا يتطرق إليه الشك أو الغلط (3)، فهم يبنون عليها كثيرًا من عقائدهم الباطلة ويستندون عليها في ترويج ضلالاتهم ومعرفة الحلال والحرام عندهم وتفسير آيات القرآن الكريم وتصحيح وتضعيف الأحاديث، ونسج الفضائل والمناقب لشيوخهم وغير ذلك.
وأكثر ما يصرحون بالتلقي عنه منامًا الله سبحانه وتعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم أو من شيوخهم ومريديهم أو من الصحابة الكرام، أو غيرهم.
ومن قرأ كتبهم المعتمدة عندهم تبين له ما نسجوه من قصص وحكايات في شأن المنامات وأهميتها عندهم كمصدر مهم للمعرفة والتلقي.
(1) انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 537) وانظر علاقة هذا القول بقول الفلاسفة في التصوف الإسلامي بين الدين والفلسفة (ص46، 47) وتاريخ الفلسفة اليونانية (ص57).
(2)
انظر: فصوص الحكم لابن عربي (ص136 - 137) والفتوحات المكية له (2/ 494).
(3)
انظر: الفتوحات المكية (1/ 380).
ومن دلائل عنايتهم بالمنامات: أنهم عقدوا لها أبوابًا في مصنفاتهم، كالقشيري في رسالته (1) والكلاباذي (2) في كتابه التعرف لمذهب أهل التصوف (3)، والدباغ في كتابه الإبريز (4)، وغيرها، وساقوا تحتها جملة من الحكايات والمنامات.
ومما جاء من عباراتهم في العمل بالرؤى والمنامات، قول أحمد بن إدريس: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقد رآه حقًا وإن كان على غير صورته، وإذا أمره أو نهاه عن نهي، فإن كان في الصورة المنعوت بها صلى الله عليه وسلم فما أمره به في النوم كأمره في اليقظة، وأنه يتبع، وكذلك ما نهى عنه .. (5).
وقال ابن عربي: "المبشرات، وهي جزء من أجزاء النبوة فإما أن تكون من الله إليه، أو من الله على يدي بعض عباده إليه، وهي الرؤيا يراها الرجل المسلم، أو ترى له، فإن جاءته من الله في رؤيا على يدي رسوله صلى الله عليه وسلم فإن كان حكمًا تعبد نفسه به ولا بد، بشرط أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم على الصورة الجسدية التي كان عليها في الدنيا، كما نقل إليه من الوجه الذي صح عنده
…
إلى أن قال: لو رآه على صورته فيلزمه الأخذ به، ولا يلزم غيره ذلك .. (6).
(1) انظر: الرسالة القشيرية (ص175 - 180).
(2)
الكلاباذي: هو أبو بكر محمد بن إسحاق ويقال ابن إبراهيم البخاري الكلاباذي المتوفى (380) من أشهر كتبه: التعرف لمذهب أهل التصوف.
انظر ترجمته في معجم المؤلفين (8/ 222) والأعلام (6/ 184).
(3)
انظر: التعرف (ص181 - 184).
(4)
انظر: الإبريز (ص80 - 103).
(5)
سعادة الدارين (ص469).
(6)
الفتوحات المكية (4/ 27، 28).
وذكر الكلاباذي أن محمد بن علي الكتاني كانت عادته أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم منامًا ويسأله عن مسائل، فيجيبه فيها (1).
ومن الأدلة على اعتمادهم على الرؤى والمنامات أنهم وضعوا لها صيغًا وأدعية، وصلوات، نصوا على أنها من الأسباب الجالبة لتحصيل الرؤى المنامية، وغالبها تتعلق برؤية النبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكر النبهاني في كتابه سعادة الدارين أربعين فائدة ما بين صلوات وأدعية ومجربات لتحصيل الرؤى المنامية (2) غالبهًا تتعلق برؤية النبي ص فمن ذلك:
من أراد أن يرى الله منامًا، أو النبي ص منامًا، أو يرى منزلته في الجنة، فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ألف مرة بهذه الصيغة (اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي)(3).
كما أن هذه الصيغة تفيد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم منامًا والخضر عليه السلام وهي: «اللهم إني أسألك باسمك الأعظم، المكتوب من نور وجهك الأعلى!! المؤبد الدائم، الباقي المخلد في قلب نبيك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم» (4).
وقال أبو المواهب الشاذلي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: قل عند النوم «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم» خمسًا، ثم قل:«اللهم بحق محمد أرني محمدًا صلى الله عليه وسلم حالا ومالا فإذا قلتها عند النوم فإني آتيك ولا أتخلف عنك أصلا» (5).
(1) انظر: التعرف (ص181، 182).
(2)
انظر: سعادة الدارين (ص484، 493).
(3)
المرجع السابق (ص488).
(4)
المرجع السابق (ص491).
(5)
طبقات الشعراني (2/ 73).