الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى هذا فوجهات نظر علماء التحليل النفسي بشأن الرؤى والأحلام، أن منهم من يعزو الأحلام إلى دوافع جنسية، وهذا رأي مؤسس النظرية، ومنهم من يعزوها إلى دوافع أخرى، وجميعهم ينكر الرؤيا الصادقة والرؤيا التي من الشيطان.
المسألة الثانية: مناقشة هذه النظرية
هذه النظرية باطلة من وجوه متعددة في أساس نظرتها للإنسان، وفي إغفالها لجوانب متعددة من الرؤى.
يقول الأستاذ محمد قطب: النقد الأول: الذي ينبغي أن يوجه إلى هذه النظرية، هو في أساس نظرتها إلى الإنسان على أنه كائن أرضي بحت، لا يرتفع بمشاعره، وعواطفه عن العالم الأرضي إلا في حالات الشذوذ (1).
وهذا أول ما يعاب عليه من تحقير الإنسان وتصويره على أنه مجموعة من الغرائز والشهوات، وسبب هذه النظرة المادية للإنسان هو ما أشار إليه الأستاذ محمد قطب من أن فرويد قد تأثر بدارون في نظرته الحيوانية المادية للإنسان (2).
يقول الأستاذ محمد قطب أيضًا: تبين لي بعد كتابة هذا الكتاب - يعني كتاب الإنسان بين المادية والإسلام - بسنوات أن المسألة لم تكن مجرد تأثر
(1) الإنسان بين المادية والإسلام (ص19) دار الشروق الطبعة الثامنة (1403هـ).
(2)
المرجع السابق (ص19 - 24) وانظر: كتاب دليل الحيران في تفسير الأحلام (ص3) تأليف محمد علي قطب.
علمي بدارون، وإنما كان استغلالا مقصودًا لنظريته، من أجل إفساد البشرية (1).
والنقد الثاني: الذي يوجه إلى هذه النظرية أنها تجعل الرؤى نوعًا واحدًا فقط، وهذا يعني أنها تغفل جوانب أخرى للرؤيا دلت الأدلة الشرعية على إثباتها، وهي الرؤيا الصادقة، والرؤيا التي تكون من تهاويل الشيطان.
وسبب هذه النظرية القاصرة هو عدم إيمانهم بالمغيبات وتأثير الشيطان في الإنسان، وعدم إيمانهم بالروح.
يقول الأستاذ محمد قطب مناقشًا هذه النظرية وزعيمها فرويد اليهودي: فهو يذهب إلى أبعد مدى في نظريته في تفسير الأحلام، فينكر كل حقيقة خارجة عن نطاق الأرض، بل عن نطاق الإنسان ذاته في حيز المحدود، فهو ينفي نفيًا تامًا ما نسميه الأحلام التنبئية، لأنها قائمة على أساس الروح، وعلى أساس صلة هذه الروح بالعالم الأكبر، وبالغيب المجهول.
ثم يواصل الأستاذ محمد قطب مناقشته لهذه النظرية قائلا:
فما من شك في أن الجمهرة الغالبة من أحلام الناس، هي تنفس عن أشياء مكبوته، أو تعبير عن رغبة منتهاه، كما يفسرها فرويد بحق، وتبقى بعد ذلك
(1) المرجع السابق (ص26) وانظر: كتاب التطور والثبات فصل اليهود الثلاثة للأستاذ محمد قطب.
وانظر: مناقشة فرويد بشيء من التفصيل في كتاب الإنسان بين المادية والإسلام، (ص19 - 46) وكتاب الفرد والمجتمع وكتاب الجريمة والعقاب، وكتاب المشكلة الجنسية، وكتاب القيم العليا، وكتاب جاهلية القرن العشرين (ص84، 85) كلها للأستاذ محمد قطب.
قلة ضئيلة من الأحلام لا يمكن أن تفسر على هذا الأساس، ولا يمكن بغير تمحل ولا التواء أن تفسر إلا على أساس الاعتراف بصلة ما خفية دقيقة بين هذا الكائن البشري والكون الكبير والغيب المجهول.
وهناك حقيقتان أساسيتان في هذا المجال:
الأولى: أن قلة عدد هذه الأحلام لا ينفي وجودها، ولا يبرر إسقاطها من الحساب، فلم يقل أشد الروحانيين روحانية، إن كل أحلام الناس تنبئية، بل قالوا: إنها القلة التي يراها الإنسان وهو صافي الروح، ولكن واحدًا منها يكفي لإثبات هذه الحقيقة النفسية الفذة، فكيف وهي ليست واحدة فقط، بل مئات وألوف يشهد بهذا الواقع الشخصي لكثير من الناس.
والحقيقة الثانية: هي أن عدم وصول العلم حتى اليوم إلى تفسير هذه الصلة الخفية الدقيقة التي تربط الإنسان بالكون الكبير والغيب المجهول، لا تعني حتمًا هذه الصلة غير موجودة، وكل ما تعنيه أن العلم لم يصل إليها بعد.
ليس إصرار فرويد إذن على نفي العامل الروحي من حياة البشرية مستندًا إلى واقع علمي ثابت، وإنما هو تفسير ناشئ من تأثرات خاصة لا شأن للعلم بها، وليس فرضًا علينا نحن المسلمين خاصة، أن نؤمن بها، ونتلقفها على أنها آيات من التنزيل (1).
(1) الإنسان بين المادية والإسلام (ص36) وانظر: نقد هذه النظرية أيضًا في كتاب علم النفس في التصور الإسلامي (ص17) للدكتور عبد الحميد الهاشمي، وفي ظلال القرآن لسيد قطب (4/ 1972).