المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيهل الرؤيا إذا عبرت وقعت - الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين

[سهل العتيبي]

فهرس الكتاب

- ‌أصل هذا الكتاب

- ‌إهداء

- ‌المقدمة

- ‌أهمية هذا الموضوع

- ‌ صلة هذا الموضوع بالعقيدة والمذاهب المعاصرة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج الدراسة:

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الرؤى في حياة الناس

- ‌الباب الأولحقيقة الرؤى وأقسامها وعلاماتهاوعلاقتها بالنبوة

- ‌الفصل الأولحقيقة الرؤى

- ‌المبحث الأولالرؤى لغة واصطلاحًا

- ‌المسألة الأولى: الرؤى في اللغة

- ‌المسألة الثانية: الرؤى اصطلاحًا

- ‌المبحث الثانيالفرق بين الرُّؤْيا والحُلُم والفرق بين الرُّؤيا والرُّؤْية

- ‌المسألة الأولى: الفرق بين الرؤيا والحلم

- ‌المسألة الثانية: الفرق بين الرؤيا والرؤية

- ‌المبحث الثالثدلالات الرؤيا

- ‌المبحث الرابعتعلُّق الرؤيا بالروح

- ‌المسألة الأولى: تعريف الروح وصفاتها وخصائصها

- ‌المسألة الثانية: هل روح النائم تفارق جسده في المنام

- ‌المسألة الثالثة: هل تتلاقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات في المنام

- ‌المطلب الأول: تلاقي أرواح الأحياء والأموات في المنام:

- ‌المطلب الثاني: تلاقي أرواح الأحياء في المنام:

- ‌الفصل الثانيأقسام الرؤى وعلاماتها

- ‌المبحث الأولأقسام الرؤى وعلاماتها

- ‌المبحث الثانيعلامات الرؤيا الصالحة وأقسامها

- ‌المسألة الأولى: صفات الرؤيا الصالحة

- ‌المسألة الثانية: أقسام الرؤيا الصالحة

- ‌المسألة الثالثة: علامات الرؤيا الصالحة

- ‌المسألة الرابعة: رؤيا المؤمن عند اقتراب الزمان

- ‌المسألة الخامسة: أسباب صدق الرؤيا الصالحة:

- ‌المسألة السادسة: هل يسوغ العمل وفق الرؤيا الصالحة

- ‌المبحث الثالثأقسام الناس في الرؤى

- ‌الفصل الثالثعلاقة الرؤى بالنبوة

- ‌المبحث الأولرؤيا الأنبياء وحي

- ‌المسألة الأولى: تعريف الوحي وأقسامه

- ‌المسألة الثانية: الرؤيا الصالحة أول مبدأ الوحي للأنبياء

- ‌المسألة الثالثة: رؤيا الأنبياء في المنام وحي وحق

- ‌المبحث الثانيكون الرؤيا الصالحة جزءًا من أجزاء النبوة

- ‌المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في كون الرؤيا الصالحة جزءًا من أجزاء النبوة

- ‌المسألة الثانية: معنى كون الرؤيا الصالحة جزءًا من أجزاء النبوة

- ‌المسألة الثالثة: مواقف العلماء من اختلاف الروايات في تحديد أجزاء النبوة

- ‌المسألة الرابعة: هل تنسب رؤيا الكافر الصادقة إلى أجزاء النبوة

- ‌الباب الثانيأقوال المخالفين في الرؤىومناقشتهم

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولنظريات علماء النفس في الرؤى ومناقشتهم

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف علم النفس

- ‌المسألة الثانية: نشأة علم النفس وأطواره

- ‌المسألة الثالثة: مصادر المعرفة عند علماء النفس

- ‌المبحث الأولنظرية التحليل النفسي، ومناقشتها

- ‌المسألة الأولى: نظرية التحليل النفسي

- ‌المسألة الثانية: مناقشة هذه النظرية

- ‌المبحث الثانينظرية التنبيهات الخارجية، ومناقشتها

- ‌المسألة الأولى: نظرية التنبيهات الخارجية

- ‌المسألة الثانية: مناقشة هذه النظرية

- ‌الفصل الثانيمذهب الصوفية في الرؤىوالرد عليهم

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: أصل التسمية

- ‌المسألة الثانية: التصوف اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: نشأة التصوف وأطواره

- ‌المسألة الرابعة: وسائل المعرفة عند الصوفية

- ‌المسألة الخامسة: كيفية اكتساب المعرفة الصوفية

- ‌المبحث الأولمذهب الصوفية في الرؤى

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصوفية للرؤيا

- ‌المسألة الثانية: مكانة الرؤى عند الصوفية

- ‌المسألة الثالثة: الأمور التي يستمدونها من الرؤى

- ‌المسألة الرابعة: شبهاتهم في جعل الرؤى مصدرًا للتلقي والمعرفة

- ‌المبحث الثانيالرَّدُّ على شبهاتهم

- ‌الباب الثالثأحكام الرؤى وآدابها

- ‌الفصل الأولأحكام الرؤى

- ‌المبحث الأول: رؤية الله في المنام

- ‌تمهيد: رؤية الله عيانًا

- ‌المسألة الأولى: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام

- ‌المسألة الثانية: هل يرى المؤمن ربه في المنام

- ‌المبحث الثانيرؤية الملائكة في المنام

- ‌المبحث الثالثرؤية الأنبياء في المنام

- ‌المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌المسألة الثانية: أقوال العلماء في رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌المسألة الثالثة: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة»

- ‌المبحث الرابعرؤية الأنبياء في المنام

- ‌المبحث الخامسالكذب في الرؤيا

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكذب

- ‌المسألة الثانية: تحريم الكذب عمومًا

- ‌المسألة الثالثة: تغليظ الكذب والافتراء على الله

- ‌المسألة الرابعة: الكذب في الرؤيا

- ‌الفصل الثانيأحكام تعبير الرؤى

- ‌تمهيدحقيقة علم التعبير

- ‌المسألة الأولى: تعريف التعبير لغة واصطلاحًا

- ‌المسألة الثانية: حقيقة علم التعبير

- ‌المسألة الثالثة: هل هذا العلم توقيفي أو لا

- ‌المسألة الرابعة: مكانة هذا العلم

- ‌المبحث الأولأقسام تأويل الرؤى وقواعده

- ‌المسألة الأولى: تعريف التأويل لغة واصطلاحًا

- ‌المسألة الثانية: الأصل في التعبير

- ‌المسألة الثالثة: أقسام تأويل الرؤيا

- ‌المسألة الرابعة: من كليات التعبير

- ‌المبحث الثانيهل الرؤيا إذا عبرت وقعت

- ‌المبحث الثالثأمثلة من تأويل الرؤى في السنة

- ‌الفصل الثالثآداب الرؤى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولإذا رأى ما يحب

- ‌المبحث الثانيإذا رأى ما يكره

- ‌المبحث الثالثشروط المعبر للرؤيا

- ‌المبحث الرابعآداب المعبر

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع والمصادر

- ‌من إصدارات الصندوق الخيريلنشر البحوث والرسائل العلمية

الفصل: ‌المبحث الثانيهل الرؤيا إذا عبرت وقعت

‌المبحث الثاني

هل الرؤيا إذا عبرت وقعت

؟

اختلف العلماء- رحمهم الله في الرؤيا هل لها حقيقة مستقرة بنفسها، أو هي تابعة للتعبير، كيفما عبرت؟

قال ابن العربي رحمه الله: "وهذا فصل تكلم الناس فيه، فما أنسوا به لتوحشه"(1).

وحاصل هذه الأقوال يرجع إلى ثلاثة أقوال على جهة التفصيل (2).

القول الأول: أن الرؤيا إذا عبرت وقعت؛ بمعنى أنها تقع كما عبرها العابر وتلزم، واستدل أصحاب هذا القول بالأحاديث التالية.

(1)

ما أخرجه الحاكم في مستدركه، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله، فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالمًا» (3).

وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه في مرسل أبي قلابة (4).

(1) عارضة الأحوذي (9/ 133).

(2)

انظر هذه الأقوال في فيض الباري شرح صحيح البخاري (4/ 490).

(3)

المستدرك (4/ 391) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وصححه الألباني بشواهده، في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (121)(1/ 186).

(4)

انظر: المصنف رقم (20354)(11/ 213).

ص: 405

(2)

وأخرج ابن أبي شيبة، وابن ماجة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثًا فيه: «والرؤيا لأول عابر» (1).

(3)

وأخرج الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه، والحاكم في مستدركه من حديث أبي رزين العقلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الرؤيا المسلم جزء من أربعين جزءًا من النبوة، وهي على رجل طائر ما لم يحدث، فإذا حدث وقعت، ولا تحدثوا بها إلا عالمًا أو ناصحًا أو لبيبًا» (2).

وفي لفظ لأحمد وأبي داود وابن ماجة والترمذي وابن أبي شيبة «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر (3) عليه فإذا عبرت وقعت» قال وأحسبه قال: قال: «لا يقصها إلا على وادٍّ، أو ذي رأي» (4).

(1) مصنف ابن أبي شيبة (6/ 179) وسنن ابن ماجة (2/ 1288) وهو حديث ضعيف لأن فيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف، لكن له شاهد من الحديث الذي بعده، كما قاله الحافظ في الفتح (12/ 432).

(2)

مسند الإمام أحمد (4/ 10، 12، 13) وجامع الترمذي، كتاب الرؤيا، باب ما جاء في تعبير الرؤيا، رقم الحديث (2278)(4/ 536) والحاكم في مستدركه (4/ 390) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12/ 432).

(3)

(ما لم تُعبَّر) بالبناء على المجهول، وتشديد الباء في أكثر الروايات أي ما لم تفسر وفي لفظ لابن ماجة (2/ 1288) ما لم تُعبَر.

(4)

مسند الإمام أحمد (4/ 10) وسنن أبي داود كتاب الأدب، باب ما جاء في الرؤيا، الحديث رقم (5020)(2/ 723) وسنن ابن ماجة، في كتاب تعبير الرؤيا، باب الرؤيا إذا عبرت وقعت فلا يقصها إلا على واد، رقم (3914) (2/ 1288) وجامع الترمذي (2273) وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 406

وفي لفظ لأحمد قال: «على رجل طائر ما لم يخبر بها، فإذا أخبر بها وقعت» (1).

(4)

وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن عطاء: كان يقال الرؤيا على ما أولت (2).

(5)

أخرج الدارمي في سننه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف، فكانت ترى رؤيا كلما غاب عنها زوجها، وقلما يغيب إلا تركها حاملا فتأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: إن زوجها خرج تاجرًا فتركني حاملا، فرأيت فيما يرى النائم أن سارية بيتي انكسرت وأني ولدت غلامًا أعور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خير، يرجع زوجك، إن شاء الله تعالى، صالحًا، وتلدين غلامًا برًا» فكانت تراها مرتين أو ثلاثًا كل ذلك تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ذلك لها، فيرجع زوجها

وتلد غلامًا فجاءت يومًا كما كانت تأتيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب، وقد رأت تلك الرؤيا، فقلت لها: عم تسألين رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أمة الله؟ فقالت:

رؤيا كنت أراها فآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها، فيقول: خيرًا فيكون كما قال: فقلت: فأخبريني ما هي؟ قال: حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرضها عليه كما كنت أعرض، فوالله ما تركتها حتى أخبرتني، فقلت: والله لئن

صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلامًا فاجرًا فقعدت تبكي، فقال لها: ما لها يا عائشة؟ فأخبره الخبر وما أولت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مه يا

(1) مسند الإمام أحمد (4/ 11).

(2)

فتح الباري (12/ 432) وصحح إسناده الحافظ ابن حجر.

ص: 407

عائشة إذا عبرتم المسلم الرؤيا، فاعبروها على الخير، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها، فمات والله زوجها، ولا أراها إلا ولدت غلامًا فاجرًا» (1).

قالوا: هذه الأحاديث صريحة في أن الرؤيا تقع على مثل ما تفسر به، وعليه أن يقال أن الله إذا قدر أن تقع الرؤيا فإنه سبحانه يقدر للعابر أن يفسرها على وفق ما ستقع، ومن ثم أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم ألا نقص الرؤيا إلا على عالم، أو ناصح.

وقد أشار ابن كثير رحمه الله إلى هذا القول، في تفسيره لقوله تعالى:{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41] حيث قال: "أعلمهما – يعني أن يوسف أعلم الفتيين- أن هذا قد فرغ منه، وهو واقع لا محالة؛ لأن الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت"(2).

قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي رزين: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت» فمعناه كما قال الخطابي رحمه الله: "هذا مثل معناه لا تستقر قرارها ما لم تعبر"(3).

وقال ابن الأثير في النهاية: أي أنها على رجل قدر جار، وقضاء ماض من خير أو شر، وأن ذلك هو الذي قسمه الله لصاحبها، من قولهم: اقتسموا دارًا فطار سهم فلان في ناحيتها، أي وقع سهمه وخرج، وكل حركة من كلمة أو

(1) سنن الدارمي كتاب الرؤيا رقم الحديث (2163)(2/ 174) وحسنه الحافظ في الفتح (12/ 432).

(2)

تفسير القرآن العظيم (2/ 479).

(3)

معالم السنة (4/ 140).

ص: 408

شيء يجري لك فهو طائر، والمراد أن الرؤيا هي التي يعبرها المعبر الأول، فكأنها كانت على رجل طائر فسقطت ووقعت حيث عبرت، كما يسقط الذي يكون على رجل الطائر بأدنى حركة (1).

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما لم يحدث» أي ما لم يتكلم المؤمن أو الرائي لها.

وقوله: «بها» أي بتلك الرؤيا أو تعبيرها.

وقوله: «فإذا حدث بها وقعت» أي تلك الرؤيا على الرائي يعني يلحق الرائي أو المرئي له حكمها.

وقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: «فإذا عبرت وقعت» فهذه الرواية تدل على أن المراد بقوله «ما لم يحدث» أي ما لم يتكلم بتعبيرها (2).

قال الطيبي: "التركيب من باب التشبيه التمثيلي، شبه الرؤيا بالطائر السريع طيرانه، وقد علق على رجله شيء يسقط بأدنى حركة فينبغي أن يتوهم للمشبه حالات متعددة مناسبة لهذه الحالات، وهي أن الرؤيا مستقرة على ما يسوقه التقدير إليه من التعبير، فإذا كانت في حكم الواقع قدر من يتكلم بتأويلها على ما قدر فيقع سريعًا، وإن لم يكن في حكمه، لم يقدر لها من يعبرها"(3).

القول الثاني: قالوا إن للرؤيا حقيقة ثابتة مستقرة بنفسها وليست تابعة للتعبير.

واستدلوا بقوله تعالى في قصة الملك: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} [يوسف: 44].

(1) النهاية في غريب الحديث (2/ 204) وانظر: جامع الأصول (2/ 523).

(2)

انظر: تحفة الأحوذي (6/ 559).

(3)

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 549).

ص: 409

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: "في الآية دليل على بطلان قول من يقول إن الرؤيا على أول ما تعبر؛ لأن القوم قالوا: أضغاث أحلام، ولم تقع كذلك، فإن يوسف فسرها على سني الجدب والخصب، فكان كما عبر، وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على رجل طائر، فإذا عبرت وقعت"(1).

واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر عندما فسر الرؤيا: «أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا» (2).

ووجه الدلالة: أن الرؤيا حقيقة لم يدرك بعضها أبو بكر، وأخطأ فيها، ثم بتعبيره لها لم تتغير حقيقتها (3).

(1) الجامع لأحكام القرآن (9/ 201).

(2)

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التعبير 47 - باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب، رقم الحديث (7046)(4/ 309) ومسلم في صحيحه في كتاب الرؤيا 3 - باب في تأويل الرؤيا، رقم الحديث (2269) (4/ 1777) من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام أن ظلة تنظف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل له فعلا فقال أبو بكر: يا رسول الله، بأبي أنت، والله لتدعني أعبرها فقال له صلى الله عليه وسلم:«اعبرها» .

قال: أما الظلة، فالإسلام وأما الذي ينظف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنظف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به، فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت وأمي أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا» قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي اخطأت قال: «لا تقسم» .

(3)

انظر: فتح الباري (4/ 494).

ص: 410

قال الحافظ ابن حجر: "وفي الحديث أن الرؤيا ليست لأول عابر كما تقدم تقريره، لكن قال إبراهيم بن عبد الله الكرماني: المعبر لا يغير الرؤيا عن وجهها عبارة عابر ولا غيره، وكيف يستطيع مخلوق أن يغير ما كانت نسخته من أم الكتاب؟ غير أنه يستحب لمن يتدرب في علم التأويل ألَاّ يتعرض لما سبق إليه ممن لا يشك في أمانته ودينه".

قال الحافظ تعليقًا على قول الكرماني: "وهذا مبني على تسليم أن المرائي تنسخ من أم الكتاب على وفق ما يعبرها العارف، وما المانع أنها تنسخ على وفق ما يعبرها أول عابر"(1).

وأجابوا عن حديث «إذا عبرت وقعت» بأن وقوعها بعد التعبير عبارة عن زوال التردد للرائي، فإنه لا تزال نفسه تتردد في تعبيره، فإذا عبر وقع تعبيره عنده، وليس فيه أن الواقع أيضًا يتبع تعبيره، وإنما المضرة في تعبير الرؤيا المشوهة هو التحزين لا غير (2).

القول الثالث: قال جمهور العلماء في هذه المسألة تفصيل:

فجمعوا بين أدلة أصحاب القولين السابقين، وقالوا بينها عموم وخصوص فقوله صلى الله عليه وسلم:«الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت» فهذا الوقوع مخصوص بما إذا أصاب حقيقة الرؤيا، ودل على هذا الخصوص قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:«أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا» .

ولهذا المعنى أشار البخاري رحمه الله حيث قال في كتاب التعبير باب: من لم ير الرؤيا لأول عابر، إذا لم يصب (3)، ثم ساق حديث ابن عباس السابق في قصة تعبير أبي بكر للرؤيا، بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

(1) فتح الباري (12/ 437).

(2)

انظر: فتح الباري (4/ 494) ولسان العرب (4/ 530).

(3)

صحيح البخاري (4/ 309).

ص: 411

قال الكرماني: "قوله –يعني البخاري- العابر الأول، قيل ذلك إذا كان مصيبًا في وجه العبارة، أما إذا لم يصب فلا، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب، فمعنى الترجمة، باب من لم يعتقد أن تفسير الرؤيا هو للعابر الأول إذا كان مخطئًا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للصديق «أخطأت بعضًا» "(1).

وقال الحافظ ابن حجر: "أشار البخاري إلى تخصيص ذلك بما إذا كان المعبر مصيبًا في تعبيره، وأخذه من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في حديث الباب «أصب بعضًا وأخطأت بعضًا» فإنه يؤخذ منه أن الذي أخطأ فيه لو بينه له لكان الذي بينه له هو التعبير الصحيح، ولا عبرة بالتعبير الأول"(2).

وقال ابن الأثير رحمه الله: "وهي لأول عابر يحسن عبارتها"(3).

وقال الطيبي في قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن الرؤيا على رجل طائر» معناه أنها إذا كانت محتملة وجهين ففسرت بأحدهما وقعت على وفق تلك الصفة (4).

وقال أبو عبيد (5): "معنى قوله: «الرؤيا لأول عابر» إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر فأصاب وجه التعبير وإلا فهي لمن أصاب بعده، إذ ليس المدار إلا

(1) شرح صحيح البخاري للكرماني (24/ 136).

(2)

فتح الباري (12/ 432).

(3)

جامع الأصول (2/ 523).

(4)

المرجع السابق (2/ 522).

(5)

أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي (157 - 224هـ) كان أبوه سلامًا مملوكًا روميًا لرجل هروي، وأبو عبيد من شيوخ الإمام أحمد، وأحد أئمة الاجتهاد، ومن أحسن تصانيفه كتاب غريب الحديث، قال الإمام عبد الله بن الإمام أحمد:"عرضت كتاب غريب الحديث لأبي عبيد علي أبي، فاستحسنه، وقال: جزاه الله خيرًا".

انظر: ترجمته في سير أعلام النبلاء (10/ 490 - 509) والبداية والنهاية (10/ 304) والعقد الثمين (7/ 23 - 25) وتاريخ بغداد (12/ 407).

ص: 412

على إصابة الصواب في تعبير المنام، ليتوصل بذلك إلى مراد الله فيما ضربه من المثل، فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره، وإذا لم يصب فليسأل الثاني، وعليه أن يخبره بما عنده، ويبين ما جهل الأول" (1).

ويقول الطحاوي (2)، رحمه الله في كتابه مشكل الآثار.

باب بيان مشكل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت، ثم ساق الحديث ثم قال: فسأل سائل: عن معنى قوله: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر» ما هو؟

فكان جوابنا له في ذلك: أنه قد يحتمل أن يكون الرؤيا قبل أن تعبر معلقة في الهواء غير ساقطة وغير عاملة شيئًا حتى تعبر، فإذا عبرت عملت وحينئذ ذكرها بأنها على رجل طائر أي أنها غير مستقرة.

فقال هذا القائل: فقد عبر أبو بكر حديث الظلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا» فكان معقولا أن ما كان من ذلك خطأ غير عامل فيما عبر من تلك الرؤيا ما عبره منها عليه.

والجواب في ذلك أن العبارة إنما يكون عملها في الرؤيا إذا عبرت بها إنما يكون تعمل إذا كانت العبارة صوابًا، أو كانت الرؤيا تحمل وجهين اثنين، واحد منهما أولى بها من الآخر، فتكون معلقة على العبارة التي

(1) فتح الباري (12/ 432).

(2)

هو أبو جعفر، أحمد بن محمد سلامة بن سلمة بن عبد الملك الأزدي الطحاوي نسبة إلى طحا قرية من قرى الصعيد بمصر (239 - 321 هـ) عاصر الأئمة من الحفاظ من أصحاب الكتب الستة.

انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (15/ 27 - 33) والبداية والنهاية (11/ 186).

ص: 413

يرد إلى أحدهما حتى يعبر عليه ويرد إليه فيسقط بذلك، وتكون تلك العبارة هي عبارتها، وينتفي عنها الوجه الذي قد كان محتملا لها، والله نسأل التوفيق (1).

ويقول ابن قتيبة (2) في تأويل مختلف الحديث:

قالوا: رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت» .

قالوا: كيف تكون الرؤيا على رجل طائر؟ وكيف تتأخر عما تبشر به أو تنذر معه بتأخر العبارة لها؟ وتقع إذا عبرت؟ وهذا يدل على أنها إن لم تعبر، لم تقع.

قال أبو محمد: ونحن نقول إن هذا الكلام خرج مخرج كلام العرب، وهم يقولون للشيء إذا لم يستقر: هو على رجل طائر، وبين مخاليب طائر، وعلى قرن ظبي يريدون أنه لا يطمئن ولا يقف.

قال رجل في الحجاج بن يوسف:

(1) مشكل الآثار (11/ 295).

(2)

هو أبو محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحوي اللغوي (213 - 276 هـ) تولى قضاء الدينور مدة فنسب إليها، حدث عن إسحاق بن راهوية، وأبي حاتم السختياني وطائفة.

من مؤلفاته: الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة، وكتاب تأويل مختلف الحديث.

انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (13/ 296 - 302) والبداية والنهاية (11/ 48 - 57) ووفيات الأعيان (3/ 32، 43).

ص: 414

كأن فؤادي بين أظفار طائر

من الخوف في جو السماء محلق

حذار امرئ قد كنت أعلم أنه

متى ما يُعِدُّ من نفسه الشر يصدق

وكذلك الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، يراد أنها تحول في الهواء حتى تعبر، فإذا عبرت وقعت، ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت كما عبر، وإنما أراد بذلك العالم بها المصيب الموفق، وكيف يكون الجاهل المخطئ في عبارتها لها عابرًا وهو لم يصب ولم يقارب؟ وإنما يكون عابرًا لها، إذا أصاب.

يقول عز وجل: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] يريد إن كنتم تعلمون عبارتها ولا أراد أن كل رؤيا تعبر وتؤول؛ لأن أكثرها أضغاث أحلام.

فمنها ما يكون عن حديث النفس، ومنها ما يكون من الشيطان، وإنما تكون صحيحة التي يأتي بها الملك، ملك الرؤيا عن نسخة أم الكتاب في الحين بعد الحين، وهذه الرؤيا الصحيحة هي التي تحول حتى يعبرها العالم بالقياس الحافظ للأصول الموفق للصواب فإذا عبرها وقعت كما عبر (1).

وممن رجح هذا القول الشيخ الألباني رحمه الله حيث قال في قوله صلى الله عليه وسلم: «على رجل طائر» أي أنها لا تستقر ما لم تعبر، كما قال الطحاوي والخطابي وغيرهما، والحديث صريح بأن الرؤيا تقع على مثل ما تعبر، ولذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ألا نقصها إلا على ناصح أو عالم؛ لأن المفروض فيهما أن يختار أحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك، لكن مما لا ريب فيه أن

(1) تأويل مختلف الحديث ص (415، 416).

ص: 415

ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا ولو على وجه، وليس خطأ محضًا، وإلا فلا تأثير له حينئذ، والله أعلم (1).

(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 188).

ويظهر –والله أعلم- أن القول في هذه المسألة شبيه بما يقال في الفأل الحسن وتفصيل ذلك يطول فليراجع ذلك بالتفصيل في: صحيح البخاري، كتاب الطب، باب الفأل، مع شرحه فتح الباري (10/ 214، 215) وصحيح مسلم كتاب السلام، باب الطيرة والفأل، وما يكون فيهما من الشؤم، مع شرحه النووي (14/ 218) ومفتاح دار السعادة لابن القيم (2/ 244 - 273) وكتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص (434 - 437) وفتح المجيد ص (434 - 437).

ص: 416