الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
أقسام الرؤى وعلاماتها
في مبحث الفرق بين الرؤيا والحلم، اتضح أن الرؤيا والحلم في الأصل بمعنى واحد في اللغة، فتطلق الرؤيا ويراد بها كل ما يراه الإنسان في منامه من الخير والشر، والحسن والقبيح، وبناء على هذا التعريف نستطيع أن نقسم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.
فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قسم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام كما في حديثي أبي هريرة وعوف بن مالك رضي الله عنهما.
وسوف أورد إن شاء الله طرق الحديثين، لكي نستطيع حصر أوصاف الرؤيا الصالحة كما يلي.
أولا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
وقد روي عنه من طرق عدة وبألفاظ متقاربة منها:
(أ) أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا، والرؤيا ثلاث، الرؤيا الحسنة بشرى من الله، والرؤيا يحدث بها الرجل عن نفسه، والرؤيا تحزين من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدث بها أحدًا وليقم وليصلِّ» .
ورواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم من طريق عبد الرزاق.
وساق الإمام مسلم إسناده من طريق عبد الرزاق (1).
(1) مصنف عبد الرزاق (11/ 211) ومسند الإمام أحمد (2/ 269) وجامع الترمذي، كتاب الرؤيا، الحديث (2291)(4/ 541) تحقيق الشيخ إبراهيم عطوة عوض، وصحيح مسلم، كتاب الرؤيا، الحديث (2263) (4/ 1773) ومستدرك الحاكم (4/ 390) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(ب) أخرج الإمام أحمد في مسنده عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان، عن محمد ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» قال: وقال: «الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، عز وجل، والرؤيا تحزين من الشيطان، والرؤيا من الشيء يحدث به الإنسان نفسه، فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدثه أحدًا وليقم فليصلِّ» (1).
وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه (2).
(ج) وأخرجه الترمذي والنسائي في السنن الكبرى، من طريق قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا ثلاث، فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان، فمن رأى ما يكره فليقم فليصل» (3).
(د) أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه، والإمام أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه وابن ماجة في سننه من طريق عوف الأعرابي قال: حدثنا محمد بن سرين أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اقترب الزمان
(1) مسند الإمام أحمد (2/ 507).
(2)
صحيح مسلم (4/ 1773) وسنن أبي داود (2/ 723) وجامع الترمذي (4/ 542) وسنن الدارمي (2/ 168).
(3)
سبق تخريجه (42).
لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وما كان من النبوة فإنه لا يكذب» قال محمد: وأنا أقول هذه قال: وكان يقال: «الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله، فمن رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل» (1).
ثانيًا: حديث عوف بن مالك رضي الله عنه:
أخرج ابن أبي شيبة، وابن ماجة، وابن حبان، في صحيحه من حديث عوف ابن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» .
زاد ابن ماجة من حديث أبي عبيد الله مسلم بن مشكم قال: قلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
يقول الإمام البغوي (3) رحمه الله:
(1) مصنف ابن أبي شيبة (6/ 181) تحقيق الحوت، ومسند الإمام أحمد (2/ 395) والبخاري في صحيحه (4/ 303) كتاب التعبير (26) باب القيد في المنام، وسنن ابن ماجة (2/ 1285) وقد رفعه بعض الرواة ووقفه بعضهم وصحح الألباني الرواية المرفوعة في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 329).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
البغوي: هو الإمام العلامة الحافظ، محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن الفراء المفسر (436 - 516هـ) انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (19/ 439) والبداية والنهاية لابن كثير (12/ 206) دار الكتب العلمية.
وقوله: «الرؤيا ثلاثة» فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا، ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل، يأتيك به ملك الرؤيا (1) من نسخة أم الكتاب، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها.
وهي على أنواع قد يكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان، أو يريه ما يحزنه، وله مكايد يحزن بها بني آدم، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه:{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10].
ومن لعب الشيطان به الاحتلام (2) الذي يوجب الغسل، فلا يكون له تأويل.
وقد يكون ذلك من حديث النفس، كمن يكون في أمر، أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر، والعاشق يرى معشوقه ونحو ذلك، فلا تأويل لشيء منها (3).
وفي بيان هذه الأقسام يقول ابن العربي المالكي رحمه الله تقسيمه الرؤيا على ثلاثة أقسام، هي قسمة صحيحة مستوفية للمعاني، وهي عند الفلاسفة على أربعة أقسام بحسب الطبائع الأربع.
وإنما الصحيح ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وهي الرؤيا البشرى إما بمحبوب وإما بمكروه، وإما تحزين من الشيطان يضرب له الأمثال المكروهة الكاذبة
(1) سوف يأتي إن شاء الله، التفصيل في مسألة ملك الرؤيا، عند الحديث عن أقسام الرؤيا الصالحة.
(2)
قال في (لسان العرب)(12/ 145) الاحتلام: الجماع ونحوه في النوم.
(3)
شرح السنة (12/ 211).
ليحزنه ومن هذا الحديث الصحيح أن رجلا قال له إني رأيت رأسي قطع فأنا أتبعه، فقال:«لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام» (1).
وأما خطرات الوساوس، وحديث النفس فيجري على غير قصد ولا عهد في المنام جريانها في اليقظة، وفي رواية:«فالرؤيا من الله، والحلم من الشيطان» (2) يريد ما لا يتحصل مما يحزن (3).
ويصف ابن القيم رحمه الله هذه الأقسام الثلاثة بقوله: والرؤيا فيها رحماني، وفيها نفساني، وفيها شيطاني (4).
فالحاصل أن ما يراه الإنسان في منامه لا يخلو من هذه الأقسام الثلاثة:
القسم الأول: رؤيا الحق الصالحة:
ولأهمية هذه الرؤيا سوف أفرد لها مبحثًا خاصًا إن شاء الله أبين فيه صفاتها، وأقسامها وعلاماتها وما يتعلق بها من مسائل مهمة.
القسم الثاني: حديث النفس:
وهي كما وصفت في الحديث «مما يحدث به المرء نفسه» وفي لفظ: «ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه» وهي: ما يراه الإنسان في منامه مما يقع له في مجريات حياته، من الخواطر التي تجري من غير قصد، وهذا كثير في مرائي الناس، كمن يرى أنه يأكل ويشرب ونحو ذلك مما تحدث به نفسه في اليقظة.
(1) سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
عارضة الأحوذي (9/ 128).
(4)
مدارج السالكين (1/ 62).
وعلامة هذا القسم أنه من الأمور المباحة، فلا يسُرُّ كحال الرؤية الصالحة ولا يحزن كالتي من الشيطان، ومثلها الهم والخواطر في اليقظة.
وهذا القسم لا حكم له، ولا دلالة له.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: حديث النفس لا خير ولا شر ولا بأس بأن يحدث به، ولذلك جاء الخبر في بعض الأحاديث بتقسيم الرؤيا قسمين: من الله، ومن الشيطان كحديث أبي قتادة، وذلك لأن أحاديث النفس لا حكم لها (1).
القسم الثالث: الحلم.
وهو إفزاع من الشيطان، فإن الشيطان يصور للإنسان في منامه ما يفزعه وجاء وصفه في الحديث:«والرؤيا السوء من الشيطان» .
وأخرج البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره» (2).
وفي حديث أبي هريرة السابق في وصف الحلم بأنه: «تحزين من الشيطان» وفي لفظ: «تخويف من الشيطان» وفي حديث عوف بن مالك «منها أهاويل من الشيطان يحزن بها ابن آدم» .
(1) سماعًا من دروس الشيخ في الجامع الكبير بالرياض.
(2)
صحيح البخاري، كتاب التعبير 3 باب الرؤيا من الله، (6985). (4/ 296).
وفي حديث جابر السابق، قال الرجل: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له:«لا تحدث بتلعب الشيطان بك في منامك» .
وقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد، يخطب فقال: لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان في منامه (1).
قال السفاريني - رحمه الله تعالى - في شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد: اللعب ضد الجد والمراد هنا بتلعب الشيطان، أنه يريه في منامه ما يحزنه ويدخل عليه الهم والغيظ ويخلط عليه في رؤياه فهو يتلاعب به (2).
ومن علامات هذا القسم وكونه من الشيطان، مخالفته للشرع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد علم الصحابة أن ما خالف الشرع والدين فإنه يكون من النفس والشيطان، وإن كان بقدر الله، وإن كان يعفى عنه صاحبه كما يعفى عن النسيان والخطأ.
ولذلك الاحتلام في المنام من الشيطان، فالنائم يرى في منامه ما يكون من الشيطان (3).
وقال ابن القيم رحمه الله: إن خالفت الشرع ردت مهما كان حال الرائي، ويحكم على تلك الرؤيا بأنها من الشيطان، وأنها كاذبة وأضغاث أحلام (4).
(1) سبق تخريجه (27).
(2)
شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد (1/ 170).
(3)
منهاج السنة النبوية (5/ 183) تحقيق محمد رشاد سلام، مطبوعات جامعة الإمام.
(4)
مدارج السالكين (1/ 51).
وهذا القسم من الرؤيا، لا حكم لها ولا تعبير لها ولا تنذر بشيء. وهي التي أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التحرز منها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في آداب إذا رأى ما يكره.
وما ذكرت من دلالة الأحاديث على أن الرؤيا ثلاثة أقسام. يرد على من قال من العلماء إن الحصر ليس مرادًا، ومن هؤلاء ابن حجر رحمه الله حيث قال: وليس الحصر مرادًا من قوله ثلاث لثبوت نوع رابع في حديث أبي هريرة في الباب وهو حديث النفس (1)، وليس في حديث أبي قتادة وأبي سعيد الماضيين سوى ذكر وصف الرؤيا بأنها مكروهة ومحبوبة أو حسنة وسيئة (2).
ويمكن أن يجاب عن هذا القول من وجهين:
الوجه الأول: أن (حديث النفس) الثابت في حديث أبي هريرة هو نفسه النوع الثالث في حديث عوف بن مالك بلفظ: «ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه» .
الوجه الثاني: قول الحافظ رحمه الله: وليس في حديثي أبي قتادة وأبي سعيد الماضيين سوى ذكر الرؤيا بأنها مكروهة ومحبوبة أو حسنة وسيئة، فهذا دليل لنا في ثبوت نوع ثالث، وليس دليلاً له في ثبوت نوع رابع، ثم السبب في عدم ذكر حديث النفس في حديث أبي قتادة وأبي سعيد رضي الله عنهما، هو كما قال ابن العربي المالكي رحمه الله: يريد ما لا يتحصل مما يحزن (3) لأن حديث النفس لا حكم له، ولا تأثير له، كما هو معروف.
(1) يعني قوله (حديث النفس) البخاري (12/ 404) فتح الباري.
(2)
فتح الباري (12/ 407).
(3)
عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي (9/ 128).
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وبقي نوع خامس: وهو تلاعب الشيطان، وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأني رأسي قطع فأنا أتبعه وفي لفظ (فقد خرج فاشتددت في أثره) فقال: «لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام» وفي رواية له «إذا تلاعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يخبر به الناس» (1).
ويمكن أن يجاب عن هذا النوع بأنه، وارد في تقسيمه صلى الله عليه وسلم للرؤيا: وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: «والرؤيا تحزين من الشيطان» وفي لفظ «وتخويف من الشيطان» .
وفي حديث عوف بن مالك بلفظ: «منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم» وهذا هو تلاعب من الشيطان المذكور في حديث جابر.
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ونوع سادس: وهو رؤيا ما يعاده الرائي في اليقظة كمن كانت عادته أن يأكل في وقتت فنام فيه فرأى أنه يأكل، أو بات طافحًا من أكل أو شرب فرأى أنه يتقيأ، وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص (2).
ويمكن أن يجاب عن هذا بأنه مذكور في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «والرؤيا يحدث بها الرجل نفسه» .
وفي لفظ: «والرؤيا من الشيء يحدث به الإنسان نفسه» .
وفي لفظ: «حديث النفس» .
(1) فتح الباري (12/ 407).
(2)
فتح الباري (12/ 408).
وفي حديث عوف بن مالك رضي الله عنه: «ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه» .
ثم قال الحافظ رحمه الله: «وسابع وهو الأضغاث» (1).
والأضغاث جمع ضِغْث، قال الجوهري في "الصحاح" والضِغْثُ قَبضةُ حشيش مختلطة الرَطْبِ باليابس.
وأضغاث الأحلام، الرؤيا التي لا يصحُّ تأويلها لاختلاطها (2).
وهي بهذا المعنى الأحلام التي من الشيطان كما أجبنا عن ذلك في النوع الخامس.
والحاصل من ذلك أننا نقول كما قال ابن عبد البر رحمه الله: (قد قسم النبي ص الرؤيا أقسامًا تغني عن قول كل قائل)(3) والله أعلم.
(1) المرجع السابق (12/ 408).
(2)
الصحاح للجوهري (1/ 285).
(3)
التمهيد (1/ 185).