الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان من نتائج هذا التصور الناقص، نتائج منحرفة في الدراسات النفسية منها:
1 -
قصور الدراسات النفسية على جانب واحد فقط من جوانب النفس الإنسانية يختلف من عالم إلى آخر، مما جعل الصورة العامة لعلم النفس غامضة.
2 -
تركيز مطلق على الجانب الإدراكي العقلي وحده، وكأن الإنسان آلة حاسبة أو عقل آلي فقط.
3 -
اهتمام بالجانب المادي للنفس والدوافع والنشاط مع إهمال لبقية الجوانب الروحية والخلقية التي تمثل ركنًا هامًا في تكوين الشخصية وبناء النفس الإنسانية.
فكان من ذلك قلق نفسي مع عناء مادي (1).
المسألة الثانية: نشأة علم النفس وأطواره
علم النفس علم قديم من حيث محاولة فهم النفس الإنسانية، وما يعتريها من رضا أو غضب أو حزن، وهو حديث من حيث تحديد مفاهيمه واستخدامه لبعض الوسائل المعملية.
فيذكر المؤرخون لعلم النفس أن أول من خاض في النفس البشرية وأحوالها فلاسفة اليونان القدامى أمثال: أفلاطون وأرسطو.
(1) انظر المرجع السابق (ص20).
ومن ثم نشأ علم النفس في أحضان الفلسفة، وكان الفلاسفة هم علماء النفس حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي (1) حيث بدأ الانفصال الحقيقي بين الفلسفة وعلم النفس، عندما افتتح فونت معهدا في جامعة ليبرغ عام (1879م) فأعطى من خلال تجاربه لعلم النفس صفة العلم التجريبي (2).
وحاصل الأمر أن علم النفس مر بمراحل متعددة وهي:
المرحلة الأولى: الروح.
المرحلة الثانية: النفس.
المرحلة الثالثة: العقل.
المرحلة الرابعة: الشعور والإحساس.
المرحلة الخامسة: اللاشعور والعقل الباطن (3).
المرحلة السادسة: السلوك الظاهري.
حتى لقد عبر أحد علماء النفس وهو وودورث عن هذه التطورات لعلم النفس فقال: لقد فقد علم النفس روحه، ثم فقد عقله، ثم فقد حسه، ثم فقد شعوره، ثم فقد لا شعوره، ثم لم يبق منه إلا السلوك الظاهري (4).
(1) انظر: تاريخ علم النفس (ص9) تأليف الدكتور وريس روكلان، ترجمة علي زيعور، وعلي مقلد، منشورات عويدات، بيروت لبنان طبعة 1972م.
(2)
انظر: بحوث في علم النفس (ص13، 14).
(3)
في المعجم الفلسفي (2/ 264) تأليف الدكتور جميل صليبا دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى 1973 م " واللاشعور، مجموع الأحوال النفسية الباطنية التي تؤثر على سلوك المرء، وإن كانت غير مشعور بها ".
وانظر: كتاب العقل الباطن، تأليف سادلر، ونقله إلى العربية عباس حافظ.
(4)
انظر: علم النفس في التصور الإسلامي (ص18) للدكتور عبد الحميد الهاشمي.
ويقول الدكتور فائز الحاج: والواقع أن علم النفس لم يصبح علمًا إلا حين أصبح تجريبيًا وأول ما استعمل التجريب في علم النفس استعمل في تحليله الخبرة الشعورية (1).
المهم أنه في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بدأ الانفصال الحقيقي بين الفلسفة وعلم النفس، وصار لعلم النفس دوائر مستقلة، ومختبرات وجمعيات، ومجلات خاصة، وأصبح له أخصائيون يشغل بعضهم في المختبرات لدراسة السلوك والإحساس والإدراك والتعلم والتذكر ووضع الجداول والمقاييس، وبعضهم يشتغل في العيادات لدراسة المرضى ومحاولة دراسة النفس البشرية والأحلام والرغبات.
ولما كان من الصعوبة إجراء التجارب على الإنسان، وتعذرها في بعض الأحيان، اتجه علماء النفس إلى الحيوانات لسهولة إجراء التجربة عليها.
فيقول الدكتور فائز الحاج: فإذا ذكرنا سهولة التجريب على الحيوان، قدرنا الخدمات التي أدتها وتؤديها دراسة الحيوان لدراسة الإنسان، وهكذا كان لعلم النفس الحيواني أثره في علم النفس الإنساني، كما كانت له خدماته (2).
وكان من أوائل الذين أجروا التجارب على الحيوانات دارون وما نتائج تجاربه وأبحاثه بخافية على كل ذي عقل (3).
(1) بحوث في علم النفس (ص13).
(2)
المرجع السابق (ص15).
(3)
انظر: مناقشة هذه النظرية في كتاب محمد قطب الإنسان بين المادية والإسلام.
ولم يقف علم النفس عند هذا الحد، بل اتسع أكثر فأكثر، فاهتم بدراسة المرضى والعصبيين والمتخلفين، ونظرية فرويد التي سوف نتعرض لها بشيء من التفصيل كانت نتيجة تجاريه على هذه الطبقة من الناس.
وأيا كانت التجارب التي قام بها علماء النفس والنتائج التي توصلوا إليها فهي لا تعدو تجارب قوم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، طبقوا ما توصلوا إليه بعقولهم القاصرة على مجتمعات كافرة، تحكمها وتسيرها المادة والعقائد الباطلة.
وهذا الذي استقر عليه علم النفس هو الذي انتقل فيما بعد إلى الجامعات العربية والإسلامية.
يقول الدكتور محمد عثمان نجاتي: إن علم النفس الذي يدرس الآن في الجامعات العربية والإسلامية؛ إنما هو مستمد من الغرب، وهو يعتمد في وصفه للإنسان، وفي الحقائق التي يذكرها عنه علي نتائج البحوث التي أجريت، في الأغلب في مجتمعات غربية غير إسلامية، لها تصورها الخاص عن الإنسان، ولها فلسفتها الخاصة في الحياة، ولها ثقافتها ومعاييرها وقيمها الخاصة بها، ولا شك في أن لهذه العوامل تأثيرًا كبيرًا في توجيه الدراسات النفسية التي تجري في المجتمعات، في الأغلب، إلى دراسة موضوعات تتفق مع ما لديها من تصور عن طبيعة الإنسان، ورسالته في الحياة، وغايته منها، وما هو سائد فيها من ثقافة ومعايير وقيم وفلسفة للحياة وغايته منها، فاهتمام فرويد مثلا بالغريزة الجنسية في دراسته لأسباب الأمراض النفسية إنما يرجع في الأغلب إلى ثقافة العصر الذي عاش فيه.
ويلاحظ كذلك في المجتمعات الغربية التي غلبت عليها الاتجاهات المادية في الحياة، والتي ابتعدت عن الاهتمام بالنواحي الروحية الدينية، قد اتجهت فيها الدراسات النفسية إلى الموضوعات التي تتعلق بالنواحي المادية والاجتماعية من السلوك الإنساني، وأغفلت دراسة النواحي الروحية وتأثيرها في السلوك، ويلاحظ أيضًا أن علماء النفس المحدثين، تمشيًا مع الاتجاه المادي الذي يغلب على فلسفتهم في الحياة، يهملون دراسة أثر الدين والإيمان والنواحي الروحية في الصحة النفسية.
ويلاحظ كذلك أنهم في أساليبهم المختلفة في العلاج النفسي لا يهتمون بتصحيح الناحية الدينية في المريض النفسي.
يتضح من هذه الأمثلة القليلة التي ذكرتها سابقًا أن علم النفس الحديث الذي نشأ في البلاد الغربية غير الإسلامية، قد لا تتفق بعض مفاهيمه مع تصورنا الإسلامي للإنسان، ولذلك فنحن في حاجة إلى إعادة النظر في كثير من هذه المفاهيم، ومناقشتها على ضوء التصور الإسلامي للإنسان وإدخال بعض التعديلات أو التغييرات فيها بحيث تصبح متفقة، أو على الأقل غير متعارضة مع مفاهيمنا الإسلامية (1).
ويقول الأستاذ محمد قطب: إن العلوم البحتة والتجريبية التي تخضع خضوعًا كاملاً للتجربة المعملية يطرأ عليها التغيير والنقص والتبديل، وإلغاء معلومات كان ينظر إليها بالأمس على أنها حقائق نهائية، فإذا كان الأمر كذلك فأولى بنا إذا أن نكون أكثر احتراسًا ونحن نتلقى نظريات علم النفس، وينبغي
(1) الحديث النبوي وعلم النفس (ص7 - 9).