الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
أمثلة من تأويل الرؤى في السنة
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في تأويل الرؤيا، ومن تلك الأحاديث:
الحديث الأول: تأويله صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم:
أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى أني لأرى الري يخرج في أظافري (1)، ثم أعطيت فضلي عمر ابن الخطاب» قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: «العلم» (2).
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه ترجم لهذا الحديث في كتاب التعبير بأربعة أبواب.
(1) هذه اللفظة في إحدى الروايات عند البخاري (4/ 301) وفي رواية له (4/ 301) ولأحمد (2/ 130) من «أطرافي» وفي رواية للبخاري (1/ 46)(7/ 41) ومسلم (4/ 1860)«أظفاري» .
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 130) والبخاري في صحيحه في ستة مواضع، في كتاب العلم 22 - باب فضل العلم (82)(1/ 46) وكتاب فضائل الصحابة 6 - باب مناقب عمر بن الخطاب رقم (3681)(3/ 15) وكتاب التعبير في أربعة أبواب 15 - باب اللبن رقم (7006)(4/ 301) 16 - باب إذا جرى اللبن في أطرافه وأظفاره رقم (7007)(4/ 301) 24 - باب إذا أعطى فضله غيره في النوم رقم (7027)(4/ 305) 37 - باب القدح في النوم رقم (7032)(4/ 307).
ومسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة 22 - باب من فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رقم (2391)(4/ 1859).
الأول: باب اللبن، قال الحافظ: أي إذا رؤي في المنام، بماذا يعبر؟
الثاني: باب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافره، وذكر الأطراف؛ لأنه جاء في لفظ الحديث «من أطرافي» وفي لفظ آخر «من أظافري» .
الثالث: باب إذا أعطى فضله غيره في النوم.
الرابع: باب القدح في النوم.
واستدل به كذلك في كتاب العلم، على فضل العلم (1) أي ما فضل منه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما"(2).
وكونهما سببًا للصلاح، فاللبن للغذاء البدني، والعلم للغذاء المعنوي.
ويقول ابن العربي رحمه الله: "والعارضة فيه أن اللبن رزق ينشئه الله طيبًا بين أخابث (3) كالعلم نور يظهره الله في ظلمة فضرب به المثل في المنام"(4).
(1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (1/ 180) فضل هنا بمعنى الزيادة أي ما فضل منه، والفضل الذي تقدم في أول كتاب العلم بمعنى الفضيلة، فلا يظن أن كرره.
(2)
فتح الباري (1/ 180)(7/ 46) وقال: المراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر.
وقال ابن أبي جمرة، وأما إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله، حيث كان لا تأخذه في الله لومة لائم الفتح (12/ 394).
(3)
يشير إلى قوله تعالى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} ولهذا يقول الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب شرب اللبن وقوله عز وجل، ثم ذكر الآية صحيح البخاري مع شرحه الفتح (10/ 69).
(4)
عارضة الأحوذي (9/ 135).
ويقول ابن أبي جمرة رحمه الله: تأويل النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم اعتبارًا بما بين له أول الأمر حين أتى بقدح خمر وقدح لبن، فأخذ اللبن، فقال له جبريل:(أخذت الفطرة) الحديث (1).
ولهذا قال المهلب: "اللبن يدل على الفطرة والسنة والقرآن والعلم"(2).
قال الحافظ: "وقد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة كما أخرجه البزار من حديث أبي هريرة رفعه، اللبن في المنام فطرة"(3).
وعند الطبراني من حديث أبي بكرة رفعه «من رأى أنه شرب لبنًا فهو الفطرة» (4) ومضى في حديث أبي هريرة في أول الأشربة أنه صلى الله عليه وسلم لما أخذ قدح اللبن قال له جبريل «الحمد لله الذي هداك للفطرة» (5).
ويقول ابن القيم رحمه الله: "ومن هذا تأول اللبن بالفطرة، لما في كل منهما من التغذية الموجبة للحياة وكمال النشأة، وأن الطفل إذا خلي وفطرته لم يعدل عن اللبن، فهو مفطور على إيثاره على ما سواه وكذلك فطرة الإسلام التي فطر الله عليها الناس"(6).
(1) فتح الباري (12/ 394) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه كما سيأتي، إن شاء الله.
(2)
المرجع السابق (12/ 393).
(3)
انظر: كشف الأستاذ (3/ 13/ 2127) ومجمع الزائد (7/ 183) وجاء الحديث موقوفًا على أبي هريرة في مصنف ابن أبي شيبة (11/ 77/10561) والدارمي في سننه (2/ 128) وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2207)(5/ 241) وصحيح الجامع (5/ 113)(5364).
(4)
أورده في مجمع الزوائد (11/ 186) وقال: رواه الطبراني وفيه الحكم بن ظهير، وهو متروك.
(5)
صحيح البخاري كتاب الأشربة 12 - باب شرب اللبن (5603)(4/ 15).
(6)
إعلام الموقعين (1/ 191).
الحديث الثاني: تأويله صلى الله عليه وسلم القميص بالدين:
فأخرج أحمد والبخاري في صحيحه ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثُدِيُّ (1) ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين» (2).
وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذا الحديث في صحيحه في كتاب التعبير ببابين:
الأول: باب القميص في المنام.
الثاني: باب جر القميص في المنام.
واستدل به في كتاب الإيمان على تفاضل أهل الإيمان في الأعمال (3).
(1) الثدي بضم الثاء وكسر الدال وتشديد الياء، جمع (ثدي) وهو للمرأة والرجل، انظر: الصحاح للجوهري (6/ 2291).
(2)
مسند الإمام أحمد (3/ 86) وصحيح البخاري كتاب الإيمان 15 - باب تفاضل أهل الإيمان (23)(1/ 24) وكتاب فضائل الصحابة 6 - باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3691)(3/ 17) وكتاب التعبير 17 - باب القميص في المنام (7008) وباب جر القميص في المنام (7009)(4/ 301) ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة 22 - باب من فضائل عمر رضي الله عنه (2390)(4/ 1859).
(3)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (1/ 74) ومطابقته الترجمة ظاهرة من جهة تأويل القمص بالدين، وقد ذكر أنهم يتفاضلون في لبسها، فدل على أنهم يتفاضلون في الإيمان.
وقال في شرحه للحديث (7/ 51)(12/ 396)"وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق، والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله: «عرض على الناس» فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر، وأن كون عمر عليه قميص يجره لا يلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ، فلعله كان كذلك، إلا أن المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها، والله أعلم".
ووجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا، والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه، والأصل فيه قوله تعالى:{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} . [الأعراف: 26]
والعرب تُكني هنا الفضل والعفاف بالقميص (1).
ويقول ابن القيم رحمه الله: "ألا ترى أن الثياب في التأويل كالقمص تدل على الدين، فما كان فيها من طول أو قصر أو نظافة أو دنس فهو في الدين، كما أول النبي صلى الله عليه وسلم القميص بالدين والعلم، والقدر المشترك بينهما أن كلاًّ منهما يستر صاحبه ويجمله بين الناس"(2).
وقال ابن العربي رحمه الله في تأويله صلى الله عليه وسلم القميص بالدين: "وذلك لأن الدين يستر عورات الجهل، كما يستر الثوب عورات البدن، فالذي كان يبلغ للثدي هو الذي يستر قلبه عن الكفر، والذي كان يبلغ أسفل من ذلك هو الذي يستر فرجه، وما دون ذلك هو الذي يستر رجليه عن المشي فيما لا ينبغي، والذي يستره ويجره هو الذي احتجب بالتقوى من الوجوه كلها، ومن هو إلا عمر"(3).
قال الحافظ ابن حجر: "وهذا الحديث من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعًا؛ أعني جر القميص، لما ثبت من الوعيد في تطويله"(4)(5).
(1) انظر: فتح الباري (12/ 396).
(2)
إعلام الموقعين (1/ 190).
(3)
عارضة الأحوذي (9/ 136).
(4)
لما أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب اللباس 5 - باب من جر ثوبه من الخيلاء رقم (5788)(4/ 54) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا» .
(5)
فتح الباري (12/ 396).