الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا حكى عثمان بن سعيد الدارمي (1) إجماع المسلمين على أنه لم يره (2).
(ج) الظاهر أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما «رأيت ربي عز وجل» مختصر من حديث المنام المشهور، وعلى هذا فتكون هذه الرؤيا منامية كما سيأتي تخريجه إن شاء الله.
وعلى ذلك حمله البيهقي رحمه الله فقال: "ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما هو حكاية عن رؤيا رآها في المنام"(3).
وقال ابن القيم رحمه الله عن شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله: "وعلى هذا - أي كونها رؤيا منامية - بني الإمام أحمد رحمه الله، وقال: نعم رآه حقًا فإن رؤيا الأنبياء حق، ولا بد ولكن لم يقل أحمد إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه"(4).
المسألة الأولى: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام ثبتت عنه في عدة أحاديث منها:
1 -
حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه:
فأخرج الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وابن خزيمة في كتاب التوحيد وغيرهم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
(1) هو أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني (200 - 280هـ) كان تلميذًا للإمام أحمد بن حنبل.
انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (13/ 319) وشذرات الذهب (2/ 176).
(2)
انظر: الرد على بشر المريسي (166).
(3)
الأسماء والصفات (447) وانظر: ظلال الجنة في تخريج السنة (1/ 188، 192). وصحيح الجامع (3/ 168).
(4)
زاد المعاد (3/ 37).
احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى قرن الشمس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعًا فثوب (1) للصلاة، وصلى وتجوز في صلاته فلما سلم قال:«كما أنتم على مصافكم» .
(1) ثوب: التثويب ههنا إقام الصلاة وقيل إنما سمي تثويبًا من ثاب يثوب إذا رجع، فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة انظر: النهاية في غريب الحديث (1/ 226).
(2)
وقع في مسند الإمام أحمد (5/ 243) لفظه "استيقظت" وظاهره إنه رأى الله عز وجل في اليقظة وهذا تصحيف لمخالفتها بقية الروايات، قال ابن حجر المكي: والظاهر أن رواية «حتى استيقظت» تصحيف، فإن المحفوظ في رواية أحمد والترمذي حتى استثقلت انظر: الفتح الرباني (17/ 223) وتحفة الأحوذي (9/ 103).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها حق فادرسوها وتعلموها» (1).
ومما يدل على أن هذه الرؤيا كانت منامًا قوله صلى الله عليه وسلم: «فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة» .
قال الدارمي رحمه الله: «فحين وجد هذا لمعاذ بن جبل كذلك صرفت الروايات التي فيها إلى ما قال معاذ، فهذا تأويل هذا الحديث عند أهل العلم» (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقوله «أتاني البارحة ربي في أحسن صورة» الحديث الذي رواه الترمذي وغيره، إنما كان بالمدينة في المنام، هكذا جاء مفسرًا (3).
وقال ابن كثير رحمه الله: «وأما الحديث الذي رواه أحمد فهو حديث المنام المشهور ومن جعله يقظة فقد غلط، وهو في المسند من طرق» (4).
2 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
أخرجه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني ربي عز وجل الليل في أحسن صورة - أحسبه يعني في النوم - فقال: يا محمد هل تدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟. ..» الحديث (5).
(1) مسند الإمام أحمد (5/ 243) والترمذي (5/ 368) في تفسير سورة ص، (3255) وكتاب التوحيد لابن خزيمة (213، 215، 218) وقد صحح هذا الحديث الإمام أحمد وابن خزيمة كما في التهذيب (6/ 205).
(2)
رد الدارمي على بشر المريسي (166).
(3)
رسالة لشيخ الإسلام تسمى الحجج العقلية والنقلية فيما ينافي الإسلام من بدع الجهمية والصوفية، مطبوع ضمن مجموع الفتاوى له (2/ 336) وانظر: الوصية الكبرى ص (73) وزاد المعاد لابن القيم (1/ 136).
(4)
تفسير القرآن العظيم (4/ 43).
(5)
مسند الإمام أحمد (1/ 368) والترمذي (2/ 214، 215) رقم (3231)(3232) وصححه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند (5/ 162) والألباني في ظلال الجنة (1/ 188، 204) وإرواء الغليل (3/ 147، 148).
قال ابن مندة رحمه الله في كتابه الرد على الجهمية: "وروى هذا الحديث عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونقلها عنهم أئمة البلاد من أهل الشرق والغرب (1).
(1) الرد على الجهمية ص (90) ومن هؤلاء الصحابة: جابر بن سمرة، وأبو أمامة، وثوبان، وعمران بن الحصين، وأم الطفيل، وعبد الله بن عمر، أبو رافع، وأبو عبيدة، وأنس وعبد الرحمن بن عايش وقد جمع الدارقطني في كتاب الرؤية ص (308 - 342) روايات وطرق هذه الأحاديث وانظر أيضًا السنة لابن أبي عاصم ص (188) واختيار الأولى في اختصام الملأ الأعلى.
وقد ذكر هذه الأحاديث الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابيه عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، الذي أثنى عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ص (44/ 47) وكتابه كتاب الرؤيا ص (33/ 40).
ثم قال بعد ذكر هذه الأحاديث: "وإذا علم أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وحي وحق، فليعلم أيضًا أنه يجب الإيمان بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من رؤيته لربه تبارك وتعالى في المنام في أحسن صورة وأنه وضع كفه، وفي رواية: يده بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وجد بردها بين ثدييه.
ويجب أيضًا إمرار ما جاء من ذلك في الأحاديث التي تقدم ذكرها كما جاء من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وقد تلقاها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقابلوها بالتسليم وأمرُّوها كما جاءت، ثم تلقاها من رواها عنهم من التابعين وكذلك أتباع التابعين من بعدهم وقابلوها بالقبول والتسليم، وأمروها كما جاءت، ثم خرجها من جاء بعدهم من أكابر المحدثين الذين تقدم ذكرهم وقابلوهم بالقبول والتسليم، وأمروها كما جاءت.
وهذه الطريقة هي طريقة السلف في آيات الصفات، وأحاديث الصفات، وهي أسلم وأحكم من طريقة الخلف، الذين خاضوا في تأويل الصفات وأحاديثها وصرفوها عن ظاهرها بما سنح لهم من الاحتمالات والتأويلات الباطلة حتى آل بهم ذلك إلى التعطيل.
وقد قال ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله" إنَّ السلف رووا أحاديث الصفات وسكتوا عنها، وهم كانوا أعمق الناس علمًا، وأوسعهم فهمًا وأقلهم تكلفًا ولم يكن سكوتهم على عي، فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر اهـ.
وانظر كذلك كتابه: الرد القويم على المجرم الأثيم ص (335) الطبعة الثانية (1406هـ) وكذلك ما قاله ابن رجب في اختيار الأولى في اختصام الملأ الأعلى ص (40، 41).