الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الفرق بين الرُّؤْيا والحُلُم والفرق بين الرُّؤيا والرُّؤْية
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الفرق بين الرؤيا والحلم
تبين لنا في المبحث الأول، أن الرؤيا في اللغة تعني ما يراه الإنسان في منامه، وهي عبارة عن أمثال مضروبة، وإذا كان الأمر كذلك، فما الفرق بينها وبين الحلم؟
والجواب:
أن الحُلْمُ: بضم الحاء واللام أو ضم الحاء وسكون اللام، وهو ما يراه النائم (1).
قال الجوهري في الصحاح: (الحُلُم بالضم: ما يراه النائم، تقول منه، حَلَم بالفتح واحْتَلَم.
وتقول: حَلَمْت بكذا، وحَلَمْتُه أيضًا (2).
وقال ابن منظور في لسان العرب: (الحُلْمُ والحُلُم: الرؤيا، والجمع أحْلام، يقال: حَلَم إذا رأى في المنام.
(1) "الحِلْم: بكسر الحاء وسكون اللام هو الأناة والعقل، مصدر حَلُم- بضم اللام- وجمعه أحلام في القلة وحُلُوم في الكثرة، ومنه قوله تعالى:{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ} [الطور: 32] تقول منه: حَلُم الرجل وتَحَلَّمَ أي تكلّفَ الحَلْمَ.
انظر: الصحاح (5/ 1903) واللسان (12/ 146) والقاموس المحيط (1416).
(2)
الصحاح (5/ 1903) تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم، بيروت، الطبعة الثانية (1399 هـ).
يقال: حَلَم بالفتح، إذا رأى وتَحَلَّم إذا ادعى الرؤيا كاذبًا (1).
فالحُلُم بهذا المعنى اللغوي، وهو ما يراه الإنسان في منامه من الخير والشر، فهو مرادف للرؤيا، إلا أنه غلب في الاصطلاح الشرعي استعمال الرؤيا في الخير والشيء الحسن، وغلب استعمال الحلم على خلافه.
يقول ابن الأثير (2) رحمه الله: «الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء،، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر القبيح» .
ومنه قوله تعالى: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} [يوسف: 44] ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر (3).
ودل على هذا التفريق أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه البخاري رحمه الله من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرؤيا الصادقة
(1) لسان العرب (12/ 145) وانظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 434).
(2)
هو مجد الدين، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري صاحب كتاب جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المتوفى سنة (606 هـ) وأخواه العلامة، عز الدين أبو الحسن ابن الأثير، صاحب كتاب "الكامل في التاريخ" وأسد الغابة في معرفة الصحابة "المتوفى سنة (630 هـ) والوزير ضياء الدين صاحب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر) المتوفى سنة (637 هـ) انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (17/ 71 - 77) ط/ دار المأمون، ووفيات الأعيان لابن خلكان (3/ 281 - 91) ط/ النهضة المصرية، وشذرات الذهب لابن العماد (5/ 22 - 32) وسير أعلام النبلاء للذهبي (22/ 353) مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1405 هـ).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 434) تحقيق: الماهر الزاوي ومحمود الطناحي.
من الله والحلم من الشيطان» الحديث (1).
يقول ابن حجر رحمه الله: ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان» أن التي تضاف إلى الله لا يقال لها: (حلم) والتي تضاف إلى الشيطان لا يقال لها: (رؤيا) وهو تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى رؤيا، وقد جاء في حديث آخر (الرؤيا ثلاث)(2) فأطلق على الكل رؤيا (3).
ولهذا من فقه الإمام البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح المسند من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه أنه في كتاب التعبير وضع بابًا بعنوان الرؤيا من الله (4) وبابًا آخر بعنوان الحلم من الشيطان (5) واستدل بحديث أبي قتادة السابق للتفريق بين الرؤيا والحلم.
ولعل الحكمة والله أعلم في نسبة الرؤيا إلى الله، والحلم إلى الشيطان، أن الله عز وجل كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد، فشرع التفريق بين الحق والباطل، بأن جعل الرؤيا ما كان من الله، والحلم ما كان من الشيطان، لأنه الذي يخيل بها ولا حقيقة لها (6)، فهي من
(1) سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (12/ 269).
(4)
صحيح البخاري (91) كتاب التعبير 3 - باب الرؤيا من الله (4/ 296).
(5)
المرجع السابق (4/ 301) الباب (14).
(6)
انظر: إكمال إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، لأبي عبد الله الأبي (6/ 68) دار الكتب العلمية، وفتح الباري شرح صحيح البخاري (12/ 370، 393) الطبعة السلفية وإرشاد الساري شرح صحيح البخاري (10/ 118) دار الفكر، وجامع الأصول في أحاديث الرسول ص (4/ 209).
إلقائه وتشويشاته وتلاعبه ووسوسته وتحزينه للإنسان، كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة في نسبتها إلى الشيطان وبيان عداوته للإنسان (1).
وهذا التفريق بين الرؤيا والأحلام من الاصطلاحات الشرعية، وإن كان كل من الرؤيا والحلم من عند الله عز وجل، وإنما ذلك جار على أدب العبودية من إضافة الخير إلى الله وإضافة الشر إلى غيره (2)، كما قال تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79].
وكقوله عن الجن: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10].
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح: «والخير كله بيديك والشر ليس إليك» (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد علم الصحابة رضي الله عنهما أن ما خالف الشرع والدين فإنه يكون من النفس والشيطان، وإن كان بقضاء الله وقدره (4).
(1) ويأتي إن شاء الله بيان هذا العداوة عند التحدث عن أقسام الرؤيا.
(2)
انظر: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر، لابن القيم رحمه الله (178 - 206) وشرح العقيدة الطحاوية (364 - 366) طبعة المكتبة الإسلامية تخريج الألباني والجواب المختار لابن عثيمين (38).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 534)(771) وأبو داود (760) والترمذي (3417) والنسائي (2/ 130) من حديث علي رضي الله عنه.
(4)
منهاج السنة (5/ 183) تحقيق: محمد رشاد سالم، من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.