المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الرابعة: الكذب في الرؤيا - الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين

[سهل العتيبي]

فهرس الكتاب

- ‌أصل هذا الكتاب

- ‌إهداء

- ‌المقدمة

- ‌أهمية هذا الموضوع

- ‌ صلة هذا الموضوع بالعقيدة والمذاهب المعاصرة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج الدراسة:

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الرؤى في حياة الناس

- ‌الباب الأولحقيقة الرؤى وأقسامها وعلاماتهاوعلاقتها بالنبوة

- ‌الفصل الأولحقيقة الرؤى

- ‌المبحث الأولالرؤى لغة واصطلاحًا

- ‌المسألة الأولى: الرؤى في اللغة

- ‌المسألة الثانية: الرؤى اصطلاحًا

- ‌المبحث الثانيالفرق بين الرُّؤْيا والحُلُم والفرق بين الرُّؤيا والرُّؤْية

- ‌المسألة الأولى: الفرق بين الرؤيا والحلم

- ‌المسألة الثانية: الفرق بين الرؤيا والرؤية

- ‌المبحث الثالثدلالات الرؤيا

- ‌المبحث الرابعتعلُّق الرؤيا بالروح

- ‌المسألة الأولى: تعريف الروح وصفاتها وخصائصها

- ‌المسألة الثانية: هل روح النائم تفارق جسده في المنام

- ‌المسألة الثالثة: هل تتلاقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات في المنام

- ‌المطلب الأول: تلاقي أرواح الأحياء والأموات في المنام:

- ‌المطلب الثاني: تلاقي أرواح الأحياء في المنام:

- ‌الفصل الثانيأقسام الرؤى وعلاماتها

- ‌المبحث الأولأقسام الرؤى وعلاماتها

- ‌المبحث الثانيعلامات الرؤيا الصالحة وأقسامها

- ‌المسألة الأولى: صفات الرؤيا الصالحة

- ‌المسألة الثانية: أقسام الرؤيا الصالحة

- ‌المسألة الثالثة: علامات الرؤيا الصالحة

- ‌المسألة الرابعة: رؤيا المؤمن عند اقتراب الزمان

- ‌المسألة الخامسة: أسباب صدق الرؤيا الصالحة:

- ‌المسألة السادسة: هل يسوغ العمل وفق الرؤيا الصالحة

- ‌المبحث الثالثأقسام الناس في الرؤى

- ‌الفصل الثالثعلاقة الرؤى بالنبوة

- ‌المبحث الأولرؤيا الأنبياء وحي

- ‌المسألة الأولى: تعريف الوحي وأقسامه

- ‌المسألة الثانية: الرؤيا الصالحة أول مبدأ الوحي للأنبياء

- ‌المسألة الثالثة: رؤيا الأنبياء في المنام وحي وحق

- ‌المبحث الثانيكون الرؤيا الصالحة جزءًا من أجزاء النبوة

- ‌المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في كون الرؤيا الصالحة جزءًا من أجزاء النبوة

- ‌المسألة الثانية: معنى كون الرؤيا الصالحة جزءًا من أجزاء النبوة

- ‌المسألة الثالثة: مواقف العلماء من اختلاف الروايات في تحديد أجزاء النبوة

- ‌المسألة الرابعة: هل تنسب رؤيا الكافر الصادقة إلى أجزاء النبوة

- ‌الباب الثانيأقوال المخالفين في الرؤىومناقشتهم

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولنظريات علماء النفس في الرؤى ومناقشتهم

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف علم النفس

- ‌المسألة الثانية: نشأة علم النفس وأطواره

- ‌المسألة الثالثة: مصادر المعرفة عند علماء النفس

- ‌المبحث الأولنظرية التحليل النفسي، ومناقشتها

- ‌المسألة الأولى: نظرية التحليل النفسي

- ‌المسألة الثانية: مناقشة هذه النظرية

- ‌المبحث الثانينظرية التنبيهات الخارجية، ومناقشتها

- ‌المسألة الأولى: نظرية التنبيهات الخارجية

- ‌المسألة الثانية: مناقشة هذه النظرية

- ‌الفصل الثانيمذهب الصوفية في الرؤىوالرد عليهم

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: أصل التسمية

- ‌المسألة الثانية: التصوف اصطلاحًا

- ‌المسألة الثالثة: نشأة التصوف وأطواره

- ‌المسألة الرابعة: وسائل المعرفة عند الصوفية

- ‌المسألة الخامسة: كيفية اكتساب المعرفة الصوفية

- ‌المبحث الأولمذهب الصوفية في الرؤى

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصوفية للرؤيا

- ‌المسألة الثانية: مكانة الرؤى عند الصوفية

- ‌المسألة الثالثة: الأمور التي يستمدونها من الرؤى

- ‌المسألة الرابعة: شبهاتهم في جعل الرؤى مصدرًا للتلقي والمعرفة

- ‌المبحث الثانيالرَّدُّ على شبهاتهم

- ‌الباب الثالثأحكام الرؤى وآدابها

- ‌الفصل الأولأحكام الرؤى

- ‌المبحث الأول: رؤية الله في المنام

- ‌تمهيد: رؤية الله عيانًا

- ‌المسألة الأولى: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام

- ‌المسألة الثانية: هل يرى المؤمن ربه في المنام

- ‌المبحث الثانيرؤية الملائكة في المنام

- ‌المبحث الثالثرؤية الأنبياء في المنام

- ‌المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌المسألة الثانية: أقوال العلماء في رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌المسألة الثالثة: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة»

- ‌المبحث الرابعرؤية الأنبياء في المنام

- ‌المبحث الخامسالكذب في الرؤيا

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكذب

- ‌المسألة الثانية: تحريم الكذب عمومًا

- ‌المسألة الثالثة: تغليظ الكذب والافتراء على الله

- ‌المسألة الرابعة: الكذب في الرؤيا

- ‌الفصل الثانيأحكام تعبير الرؤى

- ‌تمهيدحقيقة علم التعبير

- ‌المسألة الأولى: تعريف التعبير لغة واصطلاحًا

- ‌المسألة الثانية: حقيقة علم التعبير

- ‌المسألة الثالثة: هل هذا العلم توقيفي أو لا

- ‌المسألة الرابعة: مكانة هذا العلم

- ‌المبحث الأولأقسام تأويل الرؤى وقواعده

- ‌المسألة الأولى: تعريف التأويل لغة واصطلاحًا

- ‌المسألة الثانية: الأصل في التعبير

- ‌المسألة الثالثة: أقسام تأويل الرؤيا

- ‌المسألة الرابعة: من كليات التعبير

- ‌المبحث الثانيهل الرؤيا إذا عبرت وقعت

- ‌المبحث الثالثأمثلة من تأويل الرؤى في السنة

- ‌الفصل الثالثآداب الرؤى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولإذا رأى ما يحب

- ‌المبحث الثانيإذا رأى ما يكره

- ‌المبحث الثالثشروط المعبر للرؤيا

- ‌المبحث الرابعآداب المعبر

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع والمصادر

- ‌من إصدارات الصندوق الخيريلنشر البحوث والرسائل العلمية

الفصل: ‌المسألة الرابعة: الكذب في الرؤيا

ويدخل في القسم الثاني من يُري عينيه في المنام ما لا ترياه، ومن يقول: ألقي في قلبي، وألهمت ونحو ذلك إذا كان كاذبًا" (1).

‌المسألة الرابعة: الكذب في الرؤيا

إذا كان الكذب كبيرة من كبائر الذنوب، حيث توعد الله الذين يفترون الكذب عليه بالوعيد الشديد فإنه يدخل في ذلك الكذب في الرؤيا، لأن الكذب فيها كذب على الله أنه أراه ما لم يره، وقد جاء الوعيد المغلظ في ذلك بأنه أفرى الفِرَى، وأنه يكلف يوم القيامة عقد شعيرة، أو شعيرتين، وأن الكاذب على النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يتبوأ مقعده من النار، وأنه من أعتى الناس على الله عز وجل، وقد جاء هذا الوعيد من عدة أحاديث وهي: حديث ابن عباس، وحديث ابن عمر، وحديث أبي هريرة، وحديث علي، وحديث واثلة بن الأسقع، وحديث أبي شريح الخزاعي، وذلك كما يلي:

أولاً: أن الكذب في الرؤيا من أفرى الفرى:

فأخرج الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِن أفرى الفرى أن يُري عينيه ما لم ترَ» وفي لفظ لأحمد: «وأفرى الفرى من أرى عينيه في النوم ما لم تريا» الحديث (2).

(1) رسالة لشيخ الإسلام بعنوان قاعدة في القرآن كلام الله، مطبوعة ضمن مجموع الفتاوى له (12/ 25، 26).

(2)

مسند الإمام أحمد (2/ 118) وصحيح البخاري كتاب التعبير 45 - باب من كذب في حلمه (4/ 309).

ص: 373

وأخرجا كذلك من حديث واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أفرى الفرى؛ أن يُدعى الرجل إلى غير أبيه، أو يُري عينيه في النوم ما لم تريا، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل» وهذا لفظ أحمد.

ولفظ البخاري: «إن من أعظم الفرى» (1).

فقوله صلى الله عليه وسلم: «من أفرى الفرى» الفرى: جمع فرية، كحلية وهي الكذب والبهت، تقول فرى فلان كذا؛ إذا اختلق (2).

قال ابن بطال: الفرية الكذبة العظيمة التي يتعجب منها (3).

وقال ابن الأثير: الفرى جمع فرية، وهي الكذبة، وأفرى أفعل منه، للتفضيل: أي أكذب الكذبات أن يقول: رأيت في النوم كذا وكذا ولم يكن رأى شيئًا؛ لأنه كذب على الله فإنه هو الذي يرسل ملك الرؤيا ليريه المنام (4).

وقال الطيبي (5): ونسبة الكذبات إلى الكذب للمبالغة، نحو قولهم ليل أليل (6).

(1) مسند الإمام أحمد (4/ 106، 107) وله روايات أخرى في المسند، وصحيح البخاري كتاب المناقب رقم الحديث (3509)(3/ 506).

(2)

انظر فتح الباري (6/ 541).

(3)

المرجع السابق (12/ 430).

(4)

النهاية في غريب الحديث (3/ 443).

(5)

هو شرف الدين الحسن بن محمد بن عبد الله الطيبي، من علماء الحديث والتفسير، وله عدة مصنفات منها شرح مشكاة المصابيح، قال فيه ابن حجر رحمه الله كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن، مقبلاً على نشر العلم، حسن المعتقد توفي رحمه الله سنة 743 هـ انظر ترجمته في شذرات الذهب (6/ 137، 138) والأعلام للزركلي (2/ 256).

(6)

فتح الباري (12/ 430).

ص: 374

وقوله صلى الله عليه وسلم: «أن يرى» أي يدعي أن عينيه رأتا في المنام شيئًا لم ترياه، ولأحمد والحاكم من وجه آخر عن واثلة:«أن يفترى الرجل على عينيه فيقول: رأيت، ولم ير في المنام شيئًا» (1).

قال الحافظ ابن حجر: ونسبة الرؤيا إلى عينيه مع أنهما لم يريا شيئًا؛ أنه أخبر عنهما بالرؤية وهو كاذب (2).

وفي هذا الحديث تشديد الوعيد في الكذب في المنام.

ثانيًا: أن الكاذب في رؤياه يكلف أن يعقد بين شعيرتين يوم القيامة:

أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل» (3).

وأخرجه أحمد في مسنده من حديث ابن عباس أيضًا بلفظ «ومن تحلم عذب يوم القيامة حتى يعقد شعيرتين وليس عاقدًا» الحديث.

وفي رواية أخرى لأحمد: «ومن تحلم كلف يوم القيامة أن يعقد شعيرتين، أو قال بين شعيرتين، وعذب، ولن يعقد بينهما» (4).

(1) مسند الإمام أحمد (3/ 490) ومستدرك الحاكم (4/ 398) وقال: صحيح على شرط الشيخين.

(2)

فتح الباري (12/ 430).

(3)

صحيح البخاري كتاب التعبير 45 - باب من كذب في حلمه (7042)(4/ 309).

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 216).

ص: 375

وأخرجه الترمذي أيضًا بلفظ: «منم تحلم كاذبًا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما» (1).

وأخرجه ابن ماجة أيضًا بلفظ: «من تحلم حلمًا كاذبًا كلف أن يعقد بين شعيرتين ويعذب على ذلك» (2).

فقوله صلى الله عليه وسلم: «من تحلم» أي قال إنه حلم في نومه، ورأى كذا وكذا وهو كاذب.

قال الخطابي: "تحلم معناه تكذب بما لم يره في منامه، يقال حلم الرجل يحلم إذا رأى حلمًا"(3).

قال ابن الأثير: "تحلم إذا ادعى الرؤيا كاذبًا"(4).

وقال الحافظ: قوله: «تحلم» أي من تكلف الحلم (5).

قال الطبري رحمه الله: "إنما اشتد فيه الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه؛ إذ قد يكون شهادة في قتل، أو حد، أو أخذ مال؛ لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره.

والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين، لقوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا} [هود: 18] وإنما كان الكذب في المنام كذبًا على الله، لحديث «الرؤيا جزء من النبوة» وما كان من أجزاء النبوة فهو من قبل الله تعالى (6).

(1) جامع الترمذي، كتاب الرؤيا، باب في الذي يكذب في حلمه (4/ 538).

(2)

سنن ابن ماجة كتاب تعبير الرؤيا 8 - باب من تحلم حلمًا كاذبًا (2/ 1289).

(3)

معالم السنن (4/ 140).

(4)

النهاية في غريب الحديث (1/ 434).

(5)

فتح الباري (12/ 428).

(6)

فتح الباري (12/ 428).

ص: 376

وقال ابن الأثير رحمه الله: إن قيل: إن كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته، فلم زادت عقوبته ووعيده وتكليفه عقد الشعيرتين؟

قيل: قد صح الخبر أن الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة، والنبوة لا تكون إلا وحيًا، والكاذب في رؤياه يدعي أن الله تعالى أراه ما لم يره، وأعطاه جزءًا من النبوة لم يعطه إياه، والكاذب على الله أعظم فرية ممن كذب على الخلق، أو على نفسه (1).

وقال ابن أبي جمرة رحمه الله: "إنما سماه حلمًا، ولم يسمه رؤيا؛ لأنه ادعى أنه رأى ولم ير شيئًا، فكان كاذبًا، والكذب إنما هو من الشيطان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الحلم من الشيطان» كما مضى في حديث أبي قتادة (2) وما كان من الشيطان فهو غير حق، فصدق بعض الحديث بعضًا".

قال: "ومعنى العقد بين الشعيرتين، أن يفتل إحداهما بالأخرى، وهذا مما لا يمكن عادة"(3).

وقد جاء في بعض روايات الأحاديث بأن يعقد شعيرة.

فأخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن تحلم عذب حتى يعقد شعيرة، وليس بعاقد» (4).

وأخرجه أبو داود بلفظ: «من تحلم كلف أن يعقد شعيرة» (5).

(1) النهاية في غريب الحديث (1/ 434).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

فتح الباري (12/ 429).

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 246).

(5)

سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما جاء في الرؤيا (5024)(2/ 724).

ص: 377

وأخرجه أحمد والترمذي، والدارمي من حديث علي رضي الله عنه يرفعه إليه صلى الله عليه وسلم:«من كذب في حلمه كلف عقد شعيرة يوم القيامة» (1).

وفي رواية لأحمد: «من كذب في الرؤيا متعمدًا كلف عقد شعيرة يوم القيامة» (2).

وأخرجه الإمام أحمد أيضًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ص قال: «ومن تحلم كاذبًا دفع إليه شعيرة، وعذب حتى يعقد بين طرفيها وليس بعاقد» (3).

ثالثًا: من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم فليتبوأ مقعده من النار:

أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» (4).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وإنما ساقه المؤلف بتمامه ولم يختصره كعادته لينبه على أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يستوي فيه اليقظة والمنام، والله سبحانه وتعالى أعلم (5).

(1) مسند الإمام أحمد (1/ 76، 90، 91، 131) وجامع الترمذي كتاب الرؤيا، باب في الذي يكذب في حلم (4/ 528) وحسنه وسنن الدارمي كتاب الرؤيا باب النهي عن أن يتحلم الرجل رؤيا لم يراها (2/ 168) والحاكم في مستدركه (4/ 392) وقال صحيح الإسناد وحسنه الحافظ في الفتح (12/ 473) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5/ 353) وسلسلة الأحاديث الصحيحة (5/ 473) رقم (2359).

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 101).

(3)

مسند الإمام أحمد.

(4)

صحيح البخاري كتاب العلم 38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (110)(1/ 55) وكتاب التعبير 10 - باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، رقم الحديث (6993)(4/ 299).

(5)

فتح الباري (1/ 202).

ص: 378

وفي مسند الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كذب علي في حلمه كلف عقد شعيرة يوم القيامة» (1).

وفي المسند أيضًا من زوائد عبد الله بن الإمام أحمد بلفظ: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» (2).

وفي رواية له بلفظ: «من كذب في الرؤيا متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» (3).

فالذي يدعي كذبًا وزورًا وبهتانًا أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قد كذب عليه لأن رؤياه صلى الله عليه وسلم حق لا يتمثل الشيطان به كما مر معنا.

وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره، فأخرج البخاري من حديث المغيرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» (4).

وأخرج البخاري من حديث واثلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الفرى أن يُدعَى الرجل إلى غير أبيه، أو يُرِي عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل» (5).

(1) فتح الباري (1/ 203).

(2)

المرجع السابق (1/ 130).

(3)

المرجع السابق (1/ 131) وزوائد المسند (2/ 154).

(4)

صحيح البخاري كتاب الجنائز 33 - باب ما يكره من النياحة على الميت، رقم الحديث (1291)(1/ 397).

(5)

صحيح البخاري كتاب المناقب رقم الحديث (3509)(3/ 506).

ص: 379

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والحكمة في التشديد في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم واضحة، فإنه يخبر عن الله فمن كذب عليه كذب على الله عز وجل، وقد اشتد النكير على من كذب على الله تعالى في قوله:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [الأعراف: 37] فسوى بين من كذب عليه وبين الكافر.

ثم قال رحمه الله: وأما المنام فإنه لما كان جزءًا من الوحي كان المخبر عنه بما لم يقع كالمخبر عن الله بما لم يلقه إليه، أو لأن الله يرسل ملك الرؤيا فيري النائم ما شاء، فإذا أخبر عن ذلك بالكذب يكون كاذبًا على الله وعلى الملك، كما أن الذي يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ينسب إليه شرعًا ما لم يقله، والشرع غالبًا تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم على لسان الملك، فيكون الكاذب في ذلك كاذبًا على الله، وعلى الملك (1).

وأخرج البخاري من حديث علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج النار» (2).

فقوله: «لا تكذبوا علي» عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من الكذب (3).

وقوله: «فليتبوأ» أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنًا وهو أمر بمعنى الخبر أيضًا، أو بمعنى التهديد أو بمعنى التهكم، أو دعاء

(1) فتح الباري (6/ 541).

(2)

صحيح البخاري كتاب العلم 38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (106)(1/ 55).

(3)

انظر: فتح الباري (1/ 199).

ص: 380

على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك (1).

قال الكرماني: يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته، والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوء ويلزم عليه (2).

وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح كما قال الحافظ، عن ابن عمر بلفظ «بني له بيتًا في النار» (3).

قال الطيبي: فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه، أي: كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوء (4).

وأخرج البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تعمد علي كذبًا فليتبوأ مقعده من النار» (5).

قال الحافظ ابن حجر: قوله: (كذبًا) هو نكرة في سياق الشرط فيعم جميع أنواع الكذب (6).

فالحاصل أن من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فهو داخل في الوعيد المذكور.

(1) انظر: غريب الحديث (2/ 250) والنهاية في غريب الحديث (1/ 159) وفتح الباري (1/ 201).

(2)

فتح الباري (1/ 201).

(3)

مسند الإمام أحمد (3/ 39) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(4)

فتح الباري (1/ 201).

(5)

صحيح البخاري كتاب العلم 38 - باب إثم من كذب على النبي ص (108)(1/ 55).

(6)

فتح الباري: (1/ 201).

ص: 381

رابعًا: أن الكاذب في رؤياه من أعتى (1) الناس على الله:

لما أخرجه الإمام أحمد، والطبراني من حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن من أعتى الناس على الله عز وجل من قتل غير قاتله، أو طلب بدم الجاهلية من أهل الإسلام أو بصر عينيه في المنام ما لم تبصر» (2).

(1) قال ابن منظور في لسان العرب (15/ 27) عتا عتوًا وعتيًا: استكبر وجاوز الحد.

(2)

مسند الإمام أحمد (4/ 32) والمعجم الكبير للطبراني (22/ 191) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 177) ورجاله رجال الصحيح.

ص: 382