الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: هل تنسب رؤيا الكافر الصادقة إلى أجزاء النبوة
؟
الرؤيا الصادقة قد تقع من الكافر كما سبق تفصيل ذلك، والأحاديث التي ذكرتها في هذا البحث جاءت مقيدة ومطلقة فيمن أضيفت إليه الرؤيا.
فمرة جاءت مقيدة بالرؤيا من المؤمن، ومرة برؤيا المسلم، ومرة بالرؤيا الصالحة من الرجل الصالح.
وفي بعض الروايات أطلقت الرؤيا الصالحة فلم تقيد بكونها من المؤمن، أو غيره، وهذه الروايات قليلة، فهل تدخل رؤيا الكافر الصادقة في هذا الإطلاق فتنسب إلى أجزاء النبوة أو لا؟
والجواب أن لأهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة قولان:
القول الأول: يظهر من كلام ابن عبد البر رحمه الله أنه يرى العموم.
حيث قال في قوله صلى الله عليه وسلم: «يراها الرجل الصالح أو ترى له» قال: فظاهره أن لا تكون الرؤيا من النبوة جزءًا من ستة وأربعين، إلا على ذلك الشرط للرجل الصالح أو منه.
وفي حديث ابن عباس «يراها المسلم» ولم يقل صالحًا ولا طالحًا، وفي بعض ألفاظه، «يراها العبد» وهذا أوسع أيضًا.
وقوله: «أو ترى له» عمومه من الصالح وغيره والله أعلم (1).
ويرى رحمه الله أن الاختلاف في هذه القيود مثل الاختلاف في أجزاء النبوة حيث قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح»
(1) التمهيد (5/ 57).
وربما جاء في الحديث «الرؤيا الصالحة» فقط، وربما جاء في الحديث أيضًا «رؤيا المؤمن» فقط وربما جاء «يراها الرجل الصالح أو ترى له» يعني من صالح وغير صالح، وهي ألفاظ المحدثين، والله أعلم بها.
والمعنى عندي - أي ابن عبد البر - في ذلك على نحو ما ظهر لي في الأجزاء المختلفة من النبوة (1).
وسبق أنه يرى رحمه الله في اختلاف الأحاديث في عدد أجزاء الرؤيا من النبوة أن ذلك على حسب ما يكون الذي يراها من صدق الحديث، وأداء الأمانة والدين المتين، وحسن اليقين، فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد (2).
فالذي يظهر من كلامه يرحمه الله أنه يرى أن ذلك ليس بعيدًا، وأن رؤيا غير الصالح قد تنسب إلى أجزاء النبوة، لكنها من أقصى الأجزاء الواردة في الأحاديث.
القول الثاني: يرى جماهير أهل العلم، أن رؤيا الكافر الصادقة لا تنسب إلى أجزاء النبوة.
واستدلوا بتقييد الرؤيا الصالحة بالرجل الصالح أو المسلم أو المؤمن، وأما الروايات التي جاءت مطلقة فتحمل على المقيد.
وقالوا: إن الصالح حاله هو الذي يناسب حال النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الكافر (3).
(1) التمهيد (1/ 285).
(2)
انظر: المرجع السابق (1/ 285).
(3)
انظر: فتح الباري (12/ 406).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: «من الرجل الصالح» هذا يقيد ما أطلق في غير هذه الرواية، كقوله «رؤيا المؤمن» ولم يقيدها بكونها حسنة، ولا بأن رائيها صالح (1).
فإن قيل: قد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار وغيرهم ممن لا يرضى دينه، كرؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات، ورؤيا الفتيين في السجن.
وقد ترجم البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح،، بابًا بعنوان باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك (2).
فالجواب: أن الكافر والفاسق وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات لا تكون من النبوة، إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة، بدليل أن الكاهن والمنجم قد يحدث أحدهم ويصدق ولكن على الندرة والقلة.
وكذلك رؤيا الكافر قد تصدق لكن ذلك قليل بالنسبة إلى مناماتهم المختلفة الفاسدة (3).
وأما ترجمة البخاري في صحيحه بباب رؤيا أهل السجون، فقال المهلب رحمه الله: إنما ترجم البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤيا أهل الشرك رؤيا صادقة، كما كانت رؤيا الفتيين صادقة، إلا أنه لا يجوز أن تضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن إليها، إذ ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءًا من النبوة (4).
(1) فتح الباري (12/ 406).
(2)
صحيح البخاري، كتاب التعبير 9 - باب أهل السجون والفساد والشرك (4/ 298).
(3)
انظر فتح الباري (12/ 406).
(4)
انظر: أحكام القرآن للقرطبي (9/ 125).
قال ابن حزم رحمه الله: وقد تصدق رؤيا الكافر ولا تكون حينئذ جزءًا من النبوة، ولا من المبشرات، ولكن إنذارًا له ولغيره ووعظًا (1).
وقال أبو بكر بن العربي رحمه الله: وعندي أن رؤيا الفاسق لا تعد من أجزاء النبوة، وقيل تعد من أقصى الأجزاء، وأما رؤيا الكافر فلا تعد أصلا (2).
فالحاصل أن الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوة إلا إذا كانت من مسلم صادق، ومن ثم جاءت مقيدة في أغلب الأحاديث، وما جاء في بعض ألفاظها من الإطلاق، فيحمل المطلق على المقيد، وبهذا الإطلاق تخرج رؤيا الكافر الصادقة.
(1) الفصل في الملل والنحل (5/ 124).
(2)
عارضة الأحوذي (9/ 126) وانظر: فتح الباري (12/ 362) وطرح التثريب (8/ 207) وشرح الكرماني على البخاري (24/ 103).