الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا ما يتعلق باستدلال العلماء بهذه الآية على تلاقي الأرواح، أما استدلالهم بالأحاديث فقد ذكر منها ابن القيم (1) رحمه الله ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف (2).
وقد ذكر القرطبي رحمه الله أنه قيل في معنى هذا الحديث، تلاقي أرواح النيام والموتى وقيل غير هذا والله أعلم (3).
المطلب الثاني: تلاقي أرواح الأحياء في المنام:
بعد أن استدل ابن القيم رحمه الله على ما ذهب إليه من التقاء أرواح الأحياء والأموات، أخذ يستدل على المسألة الثانية، وهي التقاء أرواح الأحياء في المنام.
فقد ذكر رحمه الله أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي، كما تلتقي أرواح الأحياء.
وقال: (والمقصود أن أرواح الأحياء تتلاقى في النوم، كما تتلاقى أرواح الأحياء والأموات)(4).
(1) انظر: كتاب الروح (1/ 235، 2/ 511، 951) تحقيق العموش دار ابن تيمية.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 295، 527) والإمام مسلم في صحيحه (16/ 185) بشرح النووي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه البخاري في صحيحه معلقًا من حديث عائشة (6/ 369) فتح الباري، وروى الحديث عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن مسعود وعلي وسلمان الفارسي وابن عباس وعمرو بن عبسة رضي الله عنهم، لكن في أسانيدها نظر. انظر: كتاب الروح لابن القيم (2/ 511) تحقيق العموش وسر الروح (106).
(3)
انظر: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص63) دار الريان الطبعة الثانية (1407هـ).
(4)
الروح (20، 32).
واستدل ببعض الأحاديث والآثار.
فمما استدل به ابن القيم على أن الأرواح تتلاقى في المنام، قصة رؤيا خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه للنبي ص في المنام، والذي جاء من عدة طرق منها.
ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1) وأبو بكر ابن شيبة في مصنفه (2) والنسائي في سننه الكبرى (3)، من طريق حماد بن سلمة (4) عن أبي جعفر الخطمي (5) عن عمارة ابن خزيمة بن ثابت (6) أن أباه قال: رأيت في المنام أني أسجد على جبهته النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الروح يلقى الروح» (7) واقنع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه هكذا فوضع جبهته على جبهة
(1) الحديث في مسند الإمام أحمد من طرق هذا أحدها (5/ 214، 215) طبعة المكتب الإسلامي.
(2)
الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار (6/ 182) تحقيق: كمال الحوت، الطبعة الأولى (1409هـ) دار التاج.
(3)
كتاب السنن الكبرى، من ثلاث طرق هذا أحدها (4/ 384) تحقيق البنداري وسيد كسروي، الطبعة الأولى (1411هـ) دار الكتب العلمية.
(4)
حماد بن سلمة بن دينار البصري، أبو سلمة، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه بآخره، مات سنة سبع وستين، التقريب (178) تحقيق: محمد عوامة.
(5)
أبو جعفر الخطمي: هو عمير بن يزيد الأنصاري، المدني، صدوق يهم. "التقريب"(432).
(6)
عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي ثقة، مات سنة (105) التقريب (409).
(7)
ورد في مسند الإمام أحمد بلفظ لا يلقى والظاهر أنه تصحيف لأنها وردت عند من أخرج الحديث من الكتب المصنفة بما ذكرته في المتن. ولوجود الكلمة صحيحة عند الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 185) والهندي في كنز العمال (15/ 517) وفي الفتح الرباني (17/ 217) وغيرها من الكتب التي تنقل عن المسند.
النبي صلى الله عليه وسلم (1).
يقول الساعاتي رحمه الله في "بلوغ الأماني": (ومعناه أن الأرواح الصالحة تتلاقى في الرؤيا وفي ذلك منقبة عظيمة لخزيمة)(2).
وذكر ابن القيم رحمه الله آثارًا أخرى تدل على التقاء الأرواح، لكن أسانيدها لا تسلم من مقال.
وقال رحمه الله: (وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره، ويخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبره، كما أخبر في الماضي والمستقبل، وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه، وربما أخبره بدين عليه، وذكر له شواهده وأدلته، وأبلغ من هذا أنه يخبر بما عمله من عمل لم يطلع عليه أحد من العالمين، وأبلغ من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا فيكون كما أخبر عن أمور يقطع الحي أنه لم يكن يعرفها غيره)(3).
ثم ذكر رحمه الله بعد ذلك منامات يؤيد بها ما قاله.
(1) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 185) وقال: رواه أحمد بأسانيد أحدها هذا وهو متصل. ورواه الطبري (4/ 84) وقال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اجلس واسجد واصنع كما رأيت» ، ورجاله ثقات.
وأورده الهندي في كنز العمال (15/ 517) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وأبي نعيم. ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه (موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان 444 والحاكم في المستدرك (3/ 396) من وجه آخر.
وصححه إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لشرح السنة (12/ 225).
(2)
بلوغ الأماني (17/ 217).
(3)
الروح (21) وذكر ذلك البقاعي أيضًا في سر الروح (176).
ثم قال: (وهذا باب طويل جدًا، فإن لم تسمح نفسك بتصديقه، وقلت هذه منامات وهي غير معصومة فتأمل من رأى صاحبًا له أو قريبًا أو غيره، فأخبره بأمر لا يعلمه إلا صاحب الرؤيا أو أخبره بأنه يموت هو أو بعض أهله إلى كذا وكذا فيقع كما أخبره، أو أخبره بخصب أو جدب أو عدو أو نازلة أو مرض أو بغرض له فوقع كما أخبره).
والواقع من ذلك لا يحصيه إلا الله، والناس مشتركون فيه، وقد رأينا نحن وغيرنا من ذلك عجائب (1).
وقال رحمه الله: (فالتقاء أرواح الأحياء والموتى نوع من أنواع الرؤيا الصالحة التي هي عند الناس من جنس المحسوسات)(2).
ثم ختم المسألة بقوله رحمه الله: (وبالجملة فهذا أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وأحكامها وشأنها وبالله التوفيق)(3).
فالحاصل أن ما استدل به من قال بالتقاء الأرواح استدلوا بالآية، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه ليس في الآية ما ينافي ذلك، وليس في لفظها دلالة على ذلك.
أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما وحديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه إن صحا فإنهما صريحان في التقاء الأرواح في المنام.
(1) الروح (29).
(2)
المرجع السابق (29) وفي (188) قال رحمه الله: (إن روح النائم يحصل لها في المنام آثار فتصبح يراها على البدن عيانًا وهي من تأثير الروح في الروح) هكذا قال، والله أعلم.
(3)
الروح (33، 34).
أما ما ذكر من المنامات فلا حجة فيها على مثل هذه المسائل الاعتقادية.
وأما قول ابن القيم رحمه الله أن ذلك من الأمور المحسوسة، فإن كان المراد أن النائم يرى ويخبره بما يطابق الواقع فهذا حق ولا ينكره إلا من هو أجهل الناس.
وأما إن كان هذا المحسوس أن في هذه الرؤيا دلالة على التقاء الأرواح، فما الذي يدرينا عن ذلك، وهل مجرد الرؤيا دليل صريح في هذه المسألة، في نظري أنه لا يفصل في هذه المسألة إلا بدليل صريح، والأدلة التي ذكرناها ليست ببعيدة الدلالة، وخاصة أننا قد علمنا في المسألة السابقة أن روح النائم تفارق جسده بكيفية الله أعلم بها، فما ملاقاتها للأرواح ببعيدة، والله أعلم بكيفية ذلك.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله إشكالا في هذه المسألة وأجاب عليه فقال: (فإن قيل: فالنائم يرى غيره من الأحياء يحدثه ويخاطبه، وربما كان بينهما مسافة بعيدة، ويكون المرئي يقظان روحه لم تفارق جسده فكيف التقت روحاهما؟ قيل: هذا إما أن يكون مثلا مضروبًا يضربه ملك الرؤيا للنائم، أو يكون حديث نفس من الرائي تجرد له في منامه)(1).
(1) الروح (31/ 32).