الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: أقسام تأويل الرؤيا
يقول الإمام البغوي رحمه الله في كتابه شرح السنة: "واعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقسامًا، فقد يكون بدلالة من جهة الكتاب، أو من جهة السنة، أو من جهة الأمثال السائرة بين الناس، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني، وقد يقع على الضد والقلب"(1).
وإليك تفصيل ذلك:
(أ) التأويل بدلالة القرآن:
يقول ابن القيم رحمه الله: وبالجملة فما تقدم من أمثال القرآن كلها أصول وقواعد لعلم التعبير لمن أحسن الاستدلال بها، وكذلك من فهم القرآن فإنه يعبر به الرؤيا أحسن تعبير، وأصول التعبير الصحيحة إنما أخذت من مشكاة القرآن، فالسفينة تُعبَّر بالنجاة، لقوله تعالى:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: 15] والخشب يعبر بالمنافقين، لقوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4].
والحجارة تعبر بقساوة القلوب، لقوله جل ذكره:{فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 34].
والبيض يعبر بالنساء، لقوله تعالى:{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49](2).
(1) شرح السنة (12/ 220).
(2)
وانظر كلام ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 191).
وكذلك اللباس يعبر بالنساء لقوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [البقرة: 187](1).
(ب) التأويل بدلالة الحديث:
قال البغوي رحمه الله: "وأما التأويل بدلالة الحديث كالغراب يعبر الرجل الفاسق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقًا"(2).
والفأرة تعبر بالمرأة الفاسقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها فويسقة (3).
والضلع يعبر بالمرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن المرأة خلقت من ضلع أعوج» (4).
والقوارير تعبر بالنساء لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا أنجشة رويدك سوقًا بالقوارير» (5).
(ج) التأويل بالأمثال السائرة بين الناس:
قال البغوي رحمه الله: ويعبر طول اليد بصنائع المعروف، لقولهم:
فلان أطول يدا من فلان (6).
(1) إعلام الموقعين (1/ 193، 194).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/ 209، 238) وابن ماجة في سننه (2/ 1082) وغيرها من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ص قال: «الحية فاسقة والعقرب فاسقة، والفأرة فاسقة، والغراب فاسق» وهو حديث صحيح، صححه الألباني في إرواء الغليل (4/ 221) رقم (1036) وسلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 440) رقم (1825).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق (6/ 355) مع شرحه الفتح، وأحمد في مسنده (3/ 388) من حديث جابر
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب أحاديث الأنبياء (6/ 363) مع شرحه الفتح، وأحمد في مسنده (5/ 8) والدارمي في سننه (2/ 148) وابن ماجة في سننه (1/ 525) من حديث سمرة بن جندب.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب (10/ 538) مع شرحه الفتح، وأحمد في مسنده (3/ 107، 117) من حديث أنس.
(6)
شرح السنة (12/ 222) وانظر أمثلة كثيرة فيه.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه: «أسرعكن لحاقًا بي، أطولكن يدًا» قالت عائشة فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، قالت: فكانت أطولنا يدا زينب، لأنها كانت تعمل وتتصدق (1).
قال النووي رحمه الله: "إنهن ظنن أن المراد بطول اليد طول اليد الحقيقة وهي الجارحة فكن يذرعن أيديهن بقصبة فكانت سودة أطولهن جارحة، وكانت زينب أطولهن يدا في الصدقة وفعل الخير، فماتت زينب أولهن فعلموا أن المراد بطول اليد في الصدقة والجود، قال أهل اللغة يقال فلان طويل اليد وطويل الباع إذا كان سمحًا جوادًا وضده قصير اليد والباع"(2).
(د) التأويل بالأسامي:
قال البغوي رحمه الله: "والتأويل بالأسامي، كمن رأى رجلا يسمى راشدًا يعبر بالرشد، وإن كان يسمى سالمًا يعبر بالسلامة"(3).
ثم ساق بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيت ذات ليلة فيما يرى النائم، كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب (4) فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب» (5).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 286) مع شرح الفتن، ومسلم (4/ 1907) رقم (2452) من حديث عائشة.
(2)
شرح النووي لصحيح مسلم (16/ 8).
(3)
شرح السنة (12/ 222).
(4)
قال النووي في شرح مسلم (15/ 31)"هو نوع من الرطب معروف، يقال له رطب ابن طاب، وتمر ابن طاب، وعذب ابن طاب، وعرجون ابن طاب، وهي مضاف إلى ابن طاب رجل من أهل المدينة".
(5)
أخرجه أحمد في مسنده (3/ 213، 286) ومسلم في صحيحه (4/ 1779) رقم (2270) تحقيق: محمد فؤاد.
ومن أمثلة ذلك ما أخرجه أحمد في مسنده والبخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة (1) فأولت أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة، وهي الجحفة» (2).
(هـ) تأويل بدلالة المعاني:
وهذا الأغلب في تأويل الرؤيا، كما يقول السعدي رحمه الله في تفسير سورة يوسف: وإن أغلب ما تبنى عليه، أي الرؤيا، المناسبة والمشابهة في الاسم والصفة. فإن رؤيا يوسف، التي رأى فيها الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا له ساجدين، وجه المناسبة فيها أن هذه الأنوار هي زينة السماء وجمالها وبها منافعها.
فكذلك الأنبياء والعلماء، زينة الأرض وجمالها، وبهم يهتدى في الظلمات، كما يهتدى بهذه الأنوار.
(1) قال الحافظ في الفتح (12/ 425)«مهيعة بفتح الميم وسكون الهاء بعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ثم عين مهملة، وقيل بوزن عظيمة» .
(2)
المسند (2/ 107، 117) وصحيح البخاري كتاب التعبير 41 - باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كوة وأسكنه موضعًا آخر 42 - باب المرأة السوداء، 43 - باب الثائرة الرأس، الأحاديث (7038 - 704)(4/ 308).
(3)
فتح الباري (12/ 426).
ولأن الأصل أبوه وأمه وإخوته هم الفرع، فمن المناسب أن يكون الأصل أعظم نورًا وجرمًا لما هو فرع عنه فلذلك كانت الشمس أمه، والقمر أباه، والكواكب إخوته.
ومن المناسبة أن الشمس لفظ مؤنث، فلذلك كانت أمه، والقمر والكواكب مذكرات فكانت لأبيه وإخوته.
ومن المناسبة أن الساجد معظم محترم للمسجود له، والمسجود معظم محترم فلذلك دل ذلك على أن يوسف يكون معظمًا ومحترمًا، عند أبويه وإخوته ومن لازم ذلك، أن يكون مجتبى مفضلاً في العلم والفضائل الموجبة لذلك. ولذلك قال أبوه:{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 6].
ومن المناسبة في رؤيا الفتيين، أن الرؤيا الأولى، التي رأى صاحبها أنه يعصر خمرًا، أن الذي يعصر خمرًا في العادة، يكون خادمًا لغيره، والعصر يقصد لغيره، فكذلك أوله بما يئول إليه، أنه يسقي ربه، وذلك متضمن لخروجه من السجن.
وأول رؤيا الآخر: أي أنه يحمل فوق رأسه خبزًا، تأكل الطير منه، بأن جلدة رأسه ولحمه وما في ذلك من المخ، أنه هو الذي يحمل، وأنه سيبرز للطير بمحل تتمكن من الأكل من رأسه، فرأى من حاله أنه سيقتل ويصلب بعد موته فيبرز للطيور فتأكل من رأسه، وذلك لا يكون إلا بالصلب بعد القتل.
وأول رؤيا الملك للبقرات والسنبلات بالسنين المخصبة والسنين المجدبة، ووجه المناسبة أن الملك به ترتبط أحوال الرعية ومصالحها، وبصلاحه تصلح، وبفساده تفسد.