الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: هل يرى المؤمن ربه في المنام
؟
إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام، فهل يرى المؤمن ربه في المنام؟
لقد نقل بعض العلماء الإجماع على جواز رؤية الله في المنام، ووقوعها وذكروا بأنه لم يخالف فيها أحد، ومن هؤلاء الإمام البغوي عن شيخه القاضي حسين بن محمد، والقاضي عياض (1).
وممن يرى وقوعها أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العديد من كتبه حيث ذكر أن النقل متواتر عمن رأى ربه في المنام وأن الأصحاب يذكرونها في أصول الدين، وبين أن طائفة من المعتزلة وغيرهم أنكروها، فقال: وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم، وما أظن عاقلا ينكر ذلك، فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه؛ إذ الرؤيا تقع بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة.
وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام (2).
(1) انظر: شرح السنة (12/ 227) وشرح مسلم للنووي (15/ 25) وفتح الباري لابن حجر (12/ 387).
ومن ذلك ما روي عن بعض الأئمة من رؤية الله تعالى في المنام، فروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: رأيت رب العزة في المنام تسعًا وتسعين مرة، ثم رآه مرة أخرى تمام المائة وانظر: الفقه الأكبر بشرح على القاري ص (103، 104) وذكر ابن الجوزي عن الإمام أحمد في مناقبه بإسناده إلى عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه، أنه قال: رأيت رب العزة في المنام انظر: مناقب ابن الجوزي ص (583) تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي دار هجر، الطبعة الثانية (1409) هـ.
(2)
بيان تلبيس الجهمية (1/ 73).
وممن قال بهذا القول أيضًا: عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه نقض الدارمي على المريسي، حيث قال في حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أتاني ربي في أحسن صورة» (1) قال: «وإنما هذه الرؤية كانت في المنام، وفي المنام يمكن رؤية الله على كل حال وفي كل صورة» (2).
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كيفية هذه الرؤيا فقال: "فالصحابة والتابعون وأئمة المسلمين على أن الله يرى في الآخرة بالأبصار عيانًا، وأن أحدًا لا يراه في الدنيا بعينه، لكن يرى في المنام، ويحصل للقلوب من المكاشفات والمشاهدات ما يناسب حالها، ومن الناس من تقوى مشاهدة قلبه، حتى يظن أنه رأى ذلك بعينه وهو غالط، ومشاهدات القلوب تحصل بحسب إيمان العبد، ومعرفته في صورة مثالية كما قد بسط في غير هذا الموضع"(3).
وقال أيضًا: "وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحًا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق"(4).
(1) أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ص (470) وابن خزيمة في كتاب التوحيد، ص (219) والدارقطني في كتاب الرؤية كما سبق، وله شاهد من حديث معاذ، وحديث ابن عباس السابقين.
(2)
النقض على بشر المريسي ص (166) والمسمى رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد.
(3)
الحجج العقلية والنقلية فيما ينافي الإسلام من بدع الجهمية والصوفية، مطبوع ضمن مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 336، 337).
(4)
الوصية الكبرى ص (76، 77) ومجموع الفتاوى (3/ 390)(5/ 492).
وقال أيضًا: "ومن رأى الله عز وجل في المنام فإنه يراه في صورة من الصور بحسب حاله الرائي، إن كان صالحًا رآه في صورة حسنة، ولهذا رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحسن صورة"(1).
وقال أيضًا: "والمؤمن الذي يحب الله ورسوله يرى الرسول في منامه بحسب إيمانه، وكذلك يرى الله تعالى في منامه بحسب إيمانه، كما قد بسط في غير هذا الموضع"(2).
وممن يرى وقوع ذلك سماحة شيخنا، الشيخ عبد العزيز بن باز، حيث قال رحمه الله:"إذا رؤي الله في النوم فليس على شبه المرء؛ لأنه ليس كمثله شيء".
وقد يرى بعض العلماء أن الله لا يرى في المنام، فكأنهم يستعظمون ذلك ويرون قفل هذا الباب هو الأسلم ويرون أن الرؤيا منفية بقوله صلى الله عليه وسلم:«إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» (3).
ولكن يقال إن هذا النفي لرؤية اليقظة في الدنيا وبينها وبين الرؤيا المنامية فرق كما بينت ذلك فلا يعارض ما ذكر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه، فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في
(1) منهاج السنة (5/ 376) تحقيق: محمد رشاد سالم ومجموع الفتاوى (5/ 251).
(2)
مجموع الفتاوى (10/ 612).
(3)
وانظر في ذلك: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 537، 538) حيث ناقش المخالفين في رؤية الله في المنام.
المنام فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه، فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقًا أتى من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان العكس".
وحكوا عن طائفة من المعتزلة إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام.
ولكن لعلهم قالوا: "لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام"، فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم، نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام، فهذا مما يقوله المتجهمة وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم.
وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى، وإنما ذلك بحسب حال الرائي، وصحة إيمانه، وفساده، واستقامة حاله، وانحرافه.
وقول من يقول: "ما خطر بالبال، أو دار في الخيال، فالله بخلافه ونحو ذلك" إذا حمل على مثل هذا كان محملا صحيحا فلا نعتقد أن ما تخيل للإنسان في منامه أو يقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك، فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك، بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان ويتخيلها على حقيقتها؛ بل هي خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه
مناسبًا مشابهًا لها فالله تعالى أجل وأعظم (1).
(1) بيان تلبيس الجهمية (1/ 73، 74).
وقد جاءت بعض الآثار في فضل رؤية الله في المنام، ولكنها لا تسلم من مقال، فمن ذلك:
1 -
ما أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (1/ 215) قال: "ثنا عمرو بن عثمان، ثنا محمد بن حمير عن ابن جابر، حدثني العباس بن ميمون عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: أفضل ما يرى أحدكم في منامه أن يرى ربه، أو يرى نبيه، أو يرى والديه ماتا على الإسلام" قال الألباني في ظلال الجنة (1/ 215) إسناده ضعيف، ورجاله ثقات غير العباس بن ميمون، فلم أعرفه، وهذا الحكم فيما يظهر لي والله أعلم فيه نظر، لأن عدم معرفة المتأخرين للراوي لا يبرر الحكم عليه بالضعف؛ لأنه قد يكون معروفًا ولم يصل إلينا ثم إنه قد يكون هناك احتمال آخر، وهو الخطأ في المخطوط في اسم هذا الراوي، وخاصة أن الناشر لكتاب السنة اعتمد على نسخة واحدة فقط، فتأمل فهذا الأثر يحتاج إلى مزيد بحث والله أعلم.
2 -
أخرج الدارمي في سننه (1/ 170) في كتاب الرؤيا باب في رؤية الله تعالى في النوم عن ابن سيرين قال: «من رأى ربه في المنام دخل الجنة» ، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 276).
وانظر مزيد بحث لرؤية الله في المنام في:
ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة ص (179) تحقيق الدكتور: أحمد الشريف وكتاب سراج الطالبين على منهاج العابدين، شرح إحسان محمد دحلان (1/ 133) وكتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة بشرح علي القاري ص (103) وكتاب الاعتقاد الخالص من الشكل والانتقاد للإمام علاء الدين بن العطار ص (28، 29) تحقيق علي حسن علي عبد الحميد، وكتاب رؤية الله وتحقيق الكلام فيها تأليف الدكتور أحمد بن ناصر آل حمد ص (175 - 178) ورسالة للسهيلي بعنوان مسألة رؤية الله في المنام، كما ذكرها عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين (5/ 147) وغيره، وكتاب صيد الخاطر لأبي فرج عبد الرحمن بن الجوزي ص (556، 557) تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض، الطبعة الأولى (1405هـ) دار الكتاب العربي بيروت.
فالحاصل أن رؤية الله في المنام ممكنة، وقد تقع كما وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم ولكنها إذا وقعت للمؤمن ليست حجة في وصفه سبحانه بالكيفية مع أن الحكم على أن فلانًا رأى الله في المنام هذا لا يمكن الجزم به لأنه قد تكون تلك الرؤيا من الشيطان والله أعلم.