الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الأول
علم حقيقة القرآن ما هو
النوع الأول
علم حقيقة القرآن ما هو
لم يذكر هذا النوع الحافظ السيوطي - رحمه الله تعالى - في " الإتقان ".
قال في "شرح جمع الجوامع": القرآن كلام الله تعالى القائم بذاته غير مخلوق، وأنه مكتوب في مصاحفنا على الحقيقة غير المجاز، محفوظ في صدورنا بالألفاظ المخيلة للمعنى، على الحقيقة لا المجاز، مقروء بألسنتنا بحروفه الملفوظة المسموعة، على الحقيقة لا المجاز.
قال الجلال المحلي في شرحه على "جوامع الكلم": ونبهوا
بقولهم " لا المجاز " في الثلاثة مسائل للإشارة إلى أنه ليس المراد بالحقيقة كنه الشيء كما هو مراد المتكلمين، فإن القرآن بهذه الصفة الحقيقة ليس هو في المصاحف، ولا في الصدور، ولا في الألسنة، وإنما المراد بها مقابل المجاز، أي: يصح أن يطلق على القرآن حقيقة أنه مكتوب، محفوظ، مقروء، وأن إسناد كل من هذه الثلاث إلى القرآن حقيقي في كل منها، باعتبار وجود من الوجودات الأربعة كما لا يخفى، لا أنها إسناد مجازي.
قال: وإيضاح ذلك، أنه يصح أن يقال: القرآن جميعه مكتوب، محفوظ، مقروء، وأنه غير مخلوق، أي: موجود أزلاً وأبداً، اتصافاً له، باعتبارات الوجودات الأربعة التي هي لكل موجود، وهي: الوجود الخارجي، والوجود الذهني، والوجود في العبارة، والوجود في الكتابة، وهي تدل على العبارة، وهي على ما في الذهن، وهو على ما في الخارج.
فإن القرآن باعتبار الوجود الذهني محفوظ في الصدور، وباعتبار الوجود اللساني مقروء بالألسنة، وباعتبار الوجود الكتابي مكتوب في المصاحف، وباعتبار الوجود الخارجي وهو المعنى القائم بالذات المقدسة، ليس بالصدور، ولا بالألسنة، ولا في المصاحف، وأما الألفاظ المركبة من
الحروف، فإنها أصوات في أعراض، والله أعلم. انتهى.
فإن قلت: هل يجوز لأحد أن يعتقد أن رسول صلى الله عليه وسلم بلغنا شيئاً من القرآن على المعنى؟
قلت: أجاب الشعراني رحمه الله في كتاب " اليواقيت والجواهر " بأنه: لا يجوز اعتقاد ذلك، لأنه لو قدر أنه تصرف في اللفظ المنزل، ورواه بالمعنى، لكان حينئذ مبيناً لنا صورة فهمه لا صورة ما نزل، والله سبحانه وتعالى يقول:(لتبين للناس ما نزل إليهم)[النحل: 44] فمن المحال أن يغير النبي صلى الله عليه وسلم أعيان تلك الكلمات وحروفها
…
- إلى أن قال -: إذ لو تصرف في صورة ما نزل من الحروف اللفظية، لكان يصدق عليه أنه بلغ للناس مانزل إليهم، ومالم ينزل إليهم، ولا قائل به، انتهى.
ومحصل ما تقدم، أن القرآن: اسم لكل من اللفظ، والمعنى، والمكتوب، والمقروء، حقيقة عرفية، لغوية، شرعية.
وأما حقيقته التي هي بمعنى ذاته، فهي صفة الكلام الأزلي، التي يوصف الحق بها - سبحانه - كما يوصف بالعلم والقدرة، وقد أجمع المتكلمون على
أن هذه الصفة - أي صفة الكلام - لا يتعقل كيفيتها، كباقي الصفات، لأن كلامه تعالى لا عن صمت متقدم، ولا سكون متوهم، إذ هو قديم أزلي كباقي صفاته سبحانه وتعالى، وسيأتي أن صفة الكلام تتعقل كما ستقف عليه.
وقال الشيخ أبو محمد طاهر القزويني في كتاب " سراج العقول ": وقد أجمع السلف كلهم على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، من غير بحث منهم بأنه القراءة أو المقروء، أو الكتابة أو المكتوب، كما أجمعوا على أنهم إذا زاروا قبر رسول الله صلى الله عليه السلام، إن المزور المصلى عليه هو النبي صلى الله عليه وسلم،
من غير بحث أنه شخصه، أو روحه.
وأطال في ذلك، في الباب الخامس من كتابه، نقله عنه الشعراني - رحمه الله تعالى -.
ونقل عنه أيضاً أنه قال: وبالجملة فالأئمة الكبار من شيوخ السلف مثل: الإمام أحمد، وسفيان، وسائر أصحاب الحديث، كانوا أكثر علماً، وأغزر فهماً، وأكمل عقلاً، ومع ذلك زجروا أصحابهم عن الخوض في مثل ذلك، لدقته وغموضه، كما ذموا علم الكلام، لعلمهم بأن استخلاص العقائد الصحيحة من بين فرث التشبيه، ودم التعطيل، عسير جداً، إلا على من رزقه الله الفهم عنه، إذ غالب الناس لا يتفطنون للفرق بين المقروء والقرآن، فخاف السلف على أصحابهم أن تزلزل عقائدهم، فأمروا بمحافظة الأمر الظاهر، والإيمان به قطعاً، من غير بجث عن المعنى
الحقيقي، إذ قد صح الإيمان للمؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهم لم يروهم، وقالوا لأصحابهم: أجروها كما جاء، من غير كيف، وقولوا: آمنا به وصدقنا.
ولعمري إن في ذلك مصلحة للعوام، وأما الأئمة، فمحال أن يخفى عليهم التحقيق في هذه المسألة رضي الله عنهم، انتهى.