الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: والتحقيق أنه إذا أريد بالزيادة إثبات معنى لا حاجة إليه، فباطل؛ لأنه عبث، فتعين أن إليه الحاجة، لكن الحاجات إلى الأشياء تختلف بحسب المقاصد، فليست الحاجة إلى اللفظ الذي عد هؤلاء زيادته، كالحاجة إلى لفظ المزيد عليه. انتهى.
قال الحافظ السيوطي في " الإتقان ": وأقول: بل الحاجة إليه كالحاجة إليه، سواء بالنظر إلى مقتضى الفصاحة والبلاغة، وأنه لو ترك لكان الكلام دونه - مع إفادة أصل المعنى المقصود - أبتر خالياً من الرونق البليغ لا شبهة في ذلك، ومثل هذا يستشهد عليه بالإسناد البياني الذي خالط كلام الفصحاء، وعرف مواقع استعمالهم، وذاق حلاوة ألفاظهم، وأما النحوي الجافي، فعن ذلك بمنقطع الثرى. انتهى.
فائدة:
قال أبو عبيد في " فضائل القرآن
": حدثنا أبو معاوية عن هشام بن
عروة عن أبيه قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن لحن القرآن، عن قوله تعالى:(إن هذان لساحران)[طه: 63]، وعن قوله عز وجل:(والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)[النساء: 162]، وعن قوله عز من قائل:(إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئون)[المائدة: 69] فقالت: يا ابن أخي هذا عمل الكتاب، أخطأوا في الكتاب.
هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقال: حدثنا حجاج عن هارون بن موسى، أخبرني الزبير بن الخريت، عن عكرمة قال: لما كتبت المصاحف، عرضت على عثمان
- رضي الله تعالى عنه - فوجد فيها حروفاً من اللحن، فقال: لا تغيروها.
فإن العرب ستغيرها - أو قال ستعربها - بألسنتها لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل، لم توجد فيه هذه الحروف. أخرجه ابن الأنباري في " الرد على من خالف مصحف عثمان " وابن أشته في كتاب " المصاحف ".
ثم أخرج ابن الأنباري نحوه من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، وابن أشته نحوه من طريق يحيى بن يعمر.
وأخرج من طريق أبي بشر ...........................................................................
عن سعيد بن جبير: أنه كان يقرأ: " والمقيمين الصلاة " ويقول: هو لحن من الكاتب.
وهذه الآثار مشكلة جداً. وكيف يظن بالصحابة أولاً أنهم يلحنون في الكلام، فضلاً عن القرآن، وهم الفصحاء الللد؟ ! .
ثم كيف يظن بهم ثانياً في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل، وحفظوه، وضبطوه، وأتقنوه! .
ثم كيف يظن بهم ثالثاً اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته؟ ! .
ثم كيف يظن بهم رابعاً عدم تنبههم ورجوعهم عنه؟ ! .
ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهى عن تغييره؟ ! .
ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهو مروي بالتواتر خلفاً عن سلف؟ ! .
هذا مما يستحيل عقلاً وشرعاً وعادةً.
وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة:
أحدها: أن ذلك لا يصح عن عثمان - رضي الله تعالى عنه -، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع، ولأن عثمان - رضي الله تعالى عنه -، جعل للناس إماماً يقتدون به، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيمه الغرب بألسنتها.! ، فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار؛ فكيف يقيمه غيرهم؟ ! وأيضاً لم يكتب مصحفاً واحداً، بل كتب عدة مصاحف.
فإن قيل: اللحن قد وقع في جميعها، فبعيد اتفاقها على ذلك، أو في بعضها. فهو اعتراف بصحة البعض، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف، ولم تأت المصاحف قط مختلفة، إلا فيما هو من وجوه القراءة، وليس ذلك بلحن.
الوجه الثاني: على تقدير صحة الروايات، إن ذلك مؤول على الرمز والإشارة، ومواضع الحذف، ونحو:(الكتاب) و (الصابرين)، وما أشبه بذلك.
الثالث: أنه مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها، كما كتبوا قوله تعالى:" ولا أوضعوا "[التوبة: 47] و" لأذبحنه "[النمل: 21] بألف بعد " لا "،
و (جزآؤا الظالمين)[المائدة: 29] بواو وألف. و (بأييد)[الذاريات: 47] بيائين. فلو قرئ ذلك بظاهر الخط لكان لحناً. وبهذا الجواب وما قبله، جزم ابن أشته في كتابه " المصاحف ".
وقال ابن الأنباري في كتاب: " الرد على من خالف مصحف عثمان ": والأحاديث المروية عن عثمان في ذلك لا تقوم بها حجة؛ لأنها منقطعة غير متصلة، وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في زمنه وقدوتهم، يجمعهم على المصحف الذي هو (الإمام)، فيتبين فيه خلل، ينزل ويشاهد في خطه زلل فلا يصلحه!
كلا والله، ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز، ولا يعتقد أنه آخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه، والوقوف على حكمه.
ومن زعم أن عثمان أراد بقوله: " أرى فيه لحناً ": أرى في خطه لحناً، إذا أقمناه بألسنتنا، كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب، فقد أخطأ ولم يصب؛ لأن الخط منبئ عن النطق،
فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخر فساداً في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتبٍ ولا نطقٍ، ومعلوم أنه كان مواصلاً لدرس القرآن، متقناً لألفاظه، موافقاً على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي.
ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك، أنبأنا أبو وائل - شيخ من أهل اليمن - عن هانئ البربري، مولى عثمان رضي الله عنه قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها:" لم يتسن "، وفيها:" لا تبديل للخلق "، وفيها:" فأمهل الكافرين ".
قال: فدعى بالدواة فمحى أحد اللامين، فكتب (لخلق الله) [الروم: 30] ومحى " فأمهل " وكتب " فمهمل "[الطارق: 17] وكتب (لك يتسنه)[البقرة: 259] ألحق فيها الهاء.
قال ابن الأنباري: فكيف يدعى عليه أنه كتب فساداً فأمضاه وهو يوقف على ما كتب ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين، ليحكم بالحق، ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده. انتهى.
قال الحافظ السيوطي - رحمه الله تعالى -: قلت: ويؤيد هذا أيضاً، ما أخرجه ابن أشته في " المصاحف "، قال: حدثنا الحسن بن عثمان، أنبأنا الربيع بن بدر، عن سوار بن شبيب، قال: سألت ابن الزبير عن المصاحف، فقال قام رجل إلى عمر - رضي الله تعالى عنه -، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد اختلفوا في القرآن، فكان عمر قد هم أن يجمع
القرآن على قراءة واحدة، فطعن طعنته التي مات منها، فلما كان في خلافة عثمان قال ذلك الرجل فذكر له، فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة فجئت بالصحف، فعرضناها عليه، حتى قومناها ثم أمر بسائرها فشققت.
فهذا يدل على أنهم ضبطوها وأتقنوها، ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم.
قال ابن أشته: أنبأنا محمد بن يعقوب، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث، أنبأنا حميد بن مسعدة، أنبأنا إسماعيل، أخبرني الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: لما فرغ من المصحف، أتى به إلى عثمان - رضي الله تعالى عنه - فنظر فيه، فقال: أحسنتم وأجملتم! أرى شيئاً سنقيمه بألسنتنا.
فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم، فكأنه عرض عليه
عقيب الفراغ من كتابته، فرأى فيه شيئاً كتب فيه على غير لسان قريش، كما وقع لهم في " التابوه " و" التابوت "، فوعد أنه سيقيمه على لسان قريش، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم، ولم يترك فيه شيئاً.
ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها ولم يتقن اللفظ الذي صدر من عثمان، فلزم منه ما لزم الإشكال. فهذا أقوى ما يجاب به عن ذلك، ولله الحمد.
وبعد: فهذه الأجوبة لا يصلح منها شيء عن حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها -:
أما الجواب بالتضعيف؛ فلأن إسناده صحيح كما ترى.
وأما الجواب بالرمز وما بعده؛ فلأن سؤال عروة عن الأحرف المذكورة لا يطابق، فقد أجاب عنه ابن أشته وتبعه ابن جبارة في " شرح الرائية ": بأن نفس قولها: " أخطئوا "، أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه؛ لا أن الذين كتبوه من ذلك خطأ لا يجوز.
قال: والدليل على ذلك أن ما لا يجوز مردود بإجماع من كل شيء وإن طالت مدة وقوعه.
وأما قول سعيد بن جبير: " لحن من الكاتب "، فيعني باللحن القراءة واللغة، يعني أنها لغة الذي كتبها وقراءته، وفيها قراءة أخرى.
ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال: " إن هذان لساحران " و" إن هذين لساحران " سواء، لعلهم كتبوا الألف مكان الياء، والواو في قوله تعالى:(والصابئون) و (الراسخون) مكان الياء.
قال ابن أشته: يعني أنه من إبدال حرف في الكتاب بحرف، مثل " الصلاة " و" الزكاة " و" الحياة ".
قال الحافظ السيوطي - رحمه الله تعالى - فأقول: هذا الجواب إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها، والكتابة بخلافها، وأما القراءة على مقتضى الرسم فلا.
وقد تكلم أهل العربية على هذه الأحرف ووجهوها على أحسن توجيه.
وأما قوله تعالى: " إن هذان لساحران "[طه: 63] ففيه أوجه:
أحدها: أنه جار على لغة من يجري المثنى بالألف في أحواله الثلاث،
وهي لغة مشهورة لكنانة، وقيل: لبني الحارث.
الثاني: أن اسم " إن " ضمير الشأن محذوف، والجملة مبتدأ وخبر، خبر إن.
الثالث: كذلك، إلا أن " ساحران " خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: لهما ساحران.
الرابع: أن " إن " هنا بمعنى نعم.
الخامس: أن " ها " ضمير القصة اسم إن، و" ذان لساحران " مبتدأ وخبر، وتقدم رد هذا الوجه بانفصال " إن " واتصال الهاء في الرسم.
قال الحافظ السيوطي - رحمه الله تعالى -: قلت: وظهر لي وجه آخر، وهو
الإتيان بالألف لمناسبة " ساحران يريدان " كما نون " سلاسلا " لمناسبة " أغلالا "، ومن " سبأ " لمناسبة " بنبأ ".
وأما قوله تعالى: (والمقيمين الصلاة)[النساء: 162] ففيه أيضاً أوجه:
أحدها: أنه مقطوع إلى المدح بتقدير " أمدح "؛ لأنه أبلغ.
الثاني: أنه معطوف على المجرور في قوله تعالى: (يؤمنون بما أنزل إليك)، أي: ويؤمنون بالمقيمين الصلاة، وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وقيل: الملائكة عليهم السلام.
وقيل التقدير: يؤمنون بدين المقيمين؛ فيكون المراد بهم: المسلمين.
وقيل: بما جاء به المقيمين.
الثالث: أنه معطوف على قبل، أي: ومن قبل المقيمين، فحذف " قبل " وأقيم المضاف إليه مقامه.
الرابع: أنه معطوف على الكاف في " قبلك ".
الخامس: أنه معطوف على الكاف في " إليك ".
السادس: أنه معطوف على الضمير في " منهم ".
حكى هذه الأوجه أبو البقاء.
وأما قوله تعالى: (والصابئون)[المائدة: 69]: ففيه أوجه:
أحدها: أنه مبتدأ حذف خبره، أي: والصابئون كذلك.
الثاني: أنه معطوف على محل " إن " مع اسمها، فإن محلهما رفع بالابتداء.
الثالث: أنه معطوف على الفاعل في " هادوا ".
الرابع: أن " إن " بمعنى " نعم " و (الذين ءامنوا) وما بعده في موضع رفع (والصابئون) عطف عليه.
الخامس: أنه معطوف على إجراء صيغة الجمع مجرى المفرد، والنون حرف الإعراب. حكى هذه الأوجه أبو البقاء.