الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني عشر
علم الفراشي والنومي
النوع الثاني عشر
علم الفراشي والنومي
فمن الفراشي قول الله تعالى: (والله يعصمك من الناس) الآية [المائدة: 67]. كما تقدم، وآية الثلاثة الذين خلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ففي الصحيح أنها نزلت وقد بقي من الليل ثلثه، وهو صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة.
قال الحافظ السيوطي - رحمه الله تعالى -: وقد ظفرت بما يؤخذ منه جواب أحسن من هذا، فروى أبو يعلى في مسنده عن عائشة - رضي الله
تعالى عنها - قالت: أعطيت تسعاً .... الحديث. وفيه: وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه. وعلى هذا لا معارضة بين الحديثين كما لا يخفى.
ومن الفراشي أيضاً قول الله تعالى شأنه: (وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وءاخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم)[التوبة: 102].
قال ابن إسحاق في سيرته: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط: أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة، قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك قال: فقلت: يا رسول الله مم تضحك أضحك الله سنك؟ قال: " تيب على أبي لبابة "، قالت: قلت: أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال: " بلى إن شئت ". فقامت على باب حجرتها - وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب - قالت: يا
أبا لبابة، فقد تاب الله عليك. قالت: فثارالناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده. فلما مر عليه خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه. انتهى.
قلت: هذا الربط كان في غزوة بني قريظة لما بعثوا إلى أبي لبابة يستشيرونه فرّق لهم فقالوا له: ترى أن ننزل على حكم محمد؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، ثم علم أنه قد خان الله ورسوله في قوله، فاسترجع وتوجه إلى المسجد وربط نفسه بسارية من سواري المسجد، وعاهد الله تعالى أن لا يبرح من مكانه حتى يموت أو يتوب الله عليه. فأقام مربوطاً، فقيل: ستة أيام، وقيل: خمس وعشرين ليلة تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله حتى يتوضأ ويصلي ثم تربطه.
وقيل: هذه الآية نزلت في جماعة تخلفوا عن غزوة تبوك
ثم قال أبو لبابة: إن من توبتي أن أهجر دار قومي، وأن أنخلع من مالي صدقة لله تعالى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يجزيك الثلث "، وذلك قوله تعالى:" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم "[التوبة: 103].
ومن الفراشي أيضاً قول الله تعالى: (يا أيها المزمل)[المزمل: 1] أي: المتلفف بثوبه.
قال السدي: أراد به النائم قم فصل.
وقال غيره: هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي قبل تبليغ الرسالة، ثم خوطب بالنبوة والرسالة.
ومن الفراشي أيضاً قوله تعالى: (يا أيها المدثر. قم فأنذر)[المدثر]، أخرج البخاري في صحيحه، حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن عقيل، قال ابن شهاب: سمعت أبا سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي: (فبينا أنا أمشي إذ سمعت
صوتاً من السماء، فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجئت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي، فقلت: زملوني، زملوني، فزملوني، فأنزل الله تعالى:(يا أيها المدثر. قم فأنذر) إلى قوله: (فاهجر) - قال أبو سلمة: " والرجز " الأوثان -. ثم حمي الوحي وتتابع ".
وأما النومي: فمن أمثلته سورة (الكوثر)، لما روى مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ غفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسماً، فقلنا ما أضحكك يا رسول الله؟ قال:" أنزل علي آنفاً، سورة " فقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم. إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر).
وقال الإمام الرافعي في " أماليه ": ففهم الفاهمون من الحديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة، وقالوا: من الوحي ما كان يأتيه من النوم؛
لأن رؤيا الأنبياء وحي.
قال: وهذا صحيح، لكن الأشبه أن يقال: إن القرآن كله نزل في اليقظة، وكأنه خطر له في النوم سورة (الكوثر) المنزلة في اليقظة، أو عرض عليه الكوثر الذي وردت فيه السورة، فقرأ عليهم وفسرها لهم.
قال: ورد في بعض الروايات (أنه أغمي عليه). وقد يحمل ذلك على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي، ويقال لهذا: برحاء الوحي. انتهى.
قال الحافظ السيوطي في " الإتقان ": الذي قاله الرافعي في غاية الاتجاه، وهو الذي كنت أميل إليه قبل الوقوف عليه، والتأويل الأخير أصح من الأول؛ لأن قوله:" أنزل علي آنفاً " يدفع كونها نزلت قبل ذلك، بل نقول نزلت على تلك الحالة، وليس الإغفاءة إغفاءة نوم، بل الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي، فقد ذكر العلماء أنه كان يؤخذ عن الدنيا.
أقول: ما ذكر من حمل النزول على اليقظة دون النوم ليس متجهاً، فإنه قد صح نزول الوحي مناماً، وقد تقدم في علم (أول ما نزل) أن سورة (اقرأ) نزلت أولاً مناماً على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نزلت يقظة.
ففي سورة الكلاعي من حديث طويل تقدم: " فجائني وأنا نائم نمط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ، فقلت: ما أقرأ؟ فغتني به حتى ظننت أنه الموت. ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أقرأ؟ فغتني به حتى ظننت أنه الموت. ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع - قال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان مالم يعلم)[العلق: 1 - 5] فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عني، وهببت من نومي فكأنما كتب في قلبي كتاباً، انتهى والله الموفق.