الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة:
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
، وقيل: العبرة بخصوص السبب، وفهم العموم مستفاد من دليل آخر، فإن لم يوجد عليه دليل آخر بقي على خصوصه. الصحيح الأول.
فائدة:
كثيراً ما يذكر المفسرون للآية الواحدة أسباباً متعددة
، فإما أن يمكن الجمع بينهما، أو لا.
وطريق الجمع والله أعلم منحصر في خمس صور:
الأول: أن يقول أحدهما نزلت في كذا، والآخر يقول نزلت في كذا، ويزيد ما يفيد أنه سبب لنزولها، فيحمل حينئذ كلام من قال: أنها نزلت في كذا على التفسير، وكلام من زاد بيان السبب، على السبب.
مثال ذلك: ما أخرجه البخاري غن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نزلت (نساؤكم حرث لكم)[البقرة: 223] في إتيان النساء في أدبارهن.
وأخرج مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله تعالى الآية.
فكلام جابر مصرح بالسبب، بخلاف ابن عمر، فيحمل على أنه تفسير منه.
وقد رد ابن عباس رضي الله عنهما عليه، وذكر مثل حديث جابر.
ومن هذا القبيل أيضاً: ما أخرجه البيهقي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى)[الأعلى: 14 - 15]: أنها نزلت في زكاة الفطر. والسورة مكية، ولم يكن بمكة زكاة
ولاعيد. فمعنى كلام ابن عمر رضي الله عنهما على التفسير يعني: أن زكاة الفطر والعيد داخل في هذه الآية، لا أنها سبب نزولها. وقد قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: قولهم: إن الآية نزلت في كذا. يراد به تارة أن ذلك سبب نزولها، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن سبباً، كما يقال: عني بالآية كذا، انتهى.
الثاني من أوجه الجمع: أن يقول أحدهما نزلت في كذا، فينظر إلى المتقدم منهما ويعمل به، ويكون كلام الثاني فهم منه، حيث رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية عقيب الواقعة، ولم يكن سمعها قبل، فظن أن الآية نزلت في ذلك بحسب فهمه.
مثاله: ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه؟ فأنزل الله
تعالى: (وما قدروا الله حق قدره)[الأنعام: 91، والحج: 74، والزمر: 67].
فهذا يقتضي أنها نزلت في المدينة، والآية مكية، فيحمل على أنه: فتلى، كما في الصحيح. والحمل على ذلك أولى من الحمل على تعدد النزول؛ لكونه لا بد فيه من مستند؛ ولكون في بعض طرق هذه الأحاديث الصحيحة: فتلى.
الوجه الثالث من أوجه الجمع: أن يجعل السببين شيئاً واحداً. مثال ذلك: ما أخرجه الشيخان عن جندب قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك. فأنزل الله تعالى قوله: (والضحى. والليل إذا سجى)[الضحى].
وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة، عن أمه عن
أمها، وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم: أن جرواً دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فمات، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال:" يا خولة ما حدث في بيت رسول الله؟ جبريل لا يأتيني! "، فقلت في نفسي: لو هيئت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فأخرجت الجرو، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه أخذته الرعدة، فأنزل الله جل شأنه:(والضحى) إلى قوله: (فترضى).
فهذه قضيتان، كل منهما ذكر أنها سبب لنزول السورة، ولا منافاة بينهما والله أعلم، لا حتمال أن موت الجرو وشكوى النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك كان في زمن واحد، فمن سمع كلام المرأة، ورأى نزول السورة عقبه قال: إن السبب موت الجرو. وفي الواقع هما سبب واحد.
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في " شرح البخاري ": قصة
إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة، وكونها سبب لنزول الآية غريب، وفي سنده من لا يعرف، فالمعتمد ما في الصحيح. انتهى.
فجنح إلى الترجيح دون الجمع، والله أعلم.
الوجه الرابع من أوجه الجمع: الحمل على أنها نزلت لهما:
مثال ذلك قوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم) إلى قوله تعالى: (إن كان من الصادقين)[النور: 6].
ففي البخاري أن سبب نزولها: قذف هلال بن أمية زوجته.
وفيه أيضاً وفي مسلم: أن سبب نزولها قذف عويمر.
فجمه بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر،
فنزلت في شأنهما معاً.
وليس هذا القسم هو القسم الأول؛ لأن القسم الأول يجعل السببين سبباً واحداً، وهنا مختلفين، لكن الوقت جمع بينهما.
الخامس من أوجه الجمع: الحمل على تكرار النزول:
مثال ذلك قوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به .... )[النحل: 126] إلى آخر السورة، ففهي البيهقي والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد وقد مثل به، فقال:" لأمثلن بسبعين منهم مكانك "، فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل. وأخرج الترمذي عن أبي بن كعب قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة، فمثلوا بهم، فقالت الأنصار:
لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنريين عليهم. فلما كان يوم فتح مكة
أنزل الله جل شأنه: (وإن عاقبتم فعاقبوا
…
). قال ابن الحصار: ويجمع
بأنها نزلت أولاً بمكة قبل الهجرة مع السورة لأنها مكية، ثم بأحد، ثم يوم الفتح، تذكيراً من الله جل شأنه للعباد. انتهى.
ومن ذلك أيضاً: آية الروح، ففي البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنها نزلت بالمدينة؛ بسبب سؤال اليهود.
وأخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت بمكة بسبب سؤال قريش.
قال الزركشي في " البرهان ": إن آية الروح مما تكرر نزوله، فلا تعارض بين الحديثين، فالكل منهما سبب للنزول.
ومن ذلك قوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين)[التوبة: 113].
أخرج الشيخان عن ابن المسيب: أنها نزلت في أبي طالب لما حضرته الوفاة فقال: هو على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لأستغفرن لك ما لم أنه عنك). فنزلت.
وأخرج الترمذي وحسنه عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت.
فلا يبعد أنها نزلت أولاً في حق أبي طالب ثم نزلت في حق هذا الرجل، والله أعلم. فهذه صور الجمع.
وأما إذا لم يمكن الجمع فإما:
أن يكون الحديثان صحيحان، فيرجح أحدهما بطريق من طرق الترجيح. أو يكون أحدهما صحيحاً والآخر ضعيفاً، فالعمل على الصحيح.
مثال الأول: ما أخرجه الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقابر فجلس إلى قبر منها، فناجاه طويلاً ثم بكى فقال:" إن القبر الذي جلست إليه قبر أمي، وإني استأذنت ربي في الدعاء فلم يأذن لي، فأنزل الله تعالى علي: (ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين) ".
وسبق من حديث الشيخين أن سبب نزول الآية في أبي طالب، فيرجح ما في البخاري ومسلم بأوجه:
الأول منها: أنه عليه السلام بعد أن ينهى عن الاستغفار لأبي طالب يبعد منه العود إلى أن يستغفر ثانياً.
الثاني: أن حديث ابن مسعود وإن صححه الحاكم فقد تعقبه الذهبي في " مختصره "، قال: في سنده أيوب بن هاني، ضعفه ابن معين. فهذه علة تقدح في صحته.
الثالث: أن الحديث مضطرب، ففي بعض رواياته أن القبر بمكة، وفي بعضها، بالأبوا، وفي بعضها: قبل ثنية عسفان. فهذه علة ثانية تقدح فيه.
الرابع: أن في بعض طرق هذا الحديث - وهو أصحها - كما ذكره الحافظ السيوطي - رحمه الله تعالى - أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه في ألف مقنع، فما رأي أكثر باكياً ذلك اليوم. رواه الحاكم وصححه.
وهذه الروايات ليس فيها ذكر لسبب نزول الآية، وقد يكون البكاء لمجرد الرقة الحاصلة من زيارة الأموات من الأحياء لا لأمر آخر.
فبما تقرر، ظهر أن العمل على ما في الصحيحين من أن سبب النزول لها قضية أبي طالب.
ومثال ما كان أحد الحديثين هو الصحيح والعمل عليه: ما رواه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سبب نزول " والضحى "
فترة الوحي التي بين النبوة والرسالة، وأنها نزلت عقيب (يا أيها المدثر).
قال الحافظ: وكل من هذه الروايات لا تثبت بحال، ويخالفها ما رواه الشيخان في سبب نزولها عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه، وقد سبق حديثه.
قال الحافظ: والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول " والضحى " غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي، فإنها دامت أياماً، وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثاً، فاختلط على بغض الرواة، وتحقيق الأمر ما بينته.
قال: ووقع في " السيرة " لابن إسحاق في سبب نزولها شيء آخر، فإنه ذكر: أن المشركين لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين وغيره، ووعدهم بالجواب ولم يستثن، فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشر ليلة، فضاق صدره لذلك، وتكلم المشركون، فنزل جبريل بسورة " الضحى " وبجواب ما سألوه.
وقال: وذكر سورة " والضحى " هنا بعيد، لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقارباً، فضم بعض الرواة إحدى القصتين إلى الأخرى، ثم قال في آخر كلامه: وكل ما خالف ما في الصحيحين من