الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد هذا النوع:
معرفة المعنى؛ لأن الإعراب يميز المعاني ويوقف على أغراض المتكلمين، أخرج أبو عبيد في " فضائله " عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: تعلموا اللحن والفرائض والسنن، كما تعلمون القرآن.
وأخرج عن يحيى بن عتيق، وقال: قلت للحسن: يا أبا سعيد، الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق، فيقيم بها قراءته؟ قال: حسن يا ابن أخي فتعلمها فإن الرجل يقرأ الآية فيغير وجهها فيهلك فيها.
وعلى الناظر في كتاب الله، الكاشف عن أسراره، النظر في الكلمة وصيغتها ومحلها، ككونها مبتدأً، أو خبراً، أو فاعلاً، أو مفعولاً، أو في مبادئ الكلام، أو في جواب، إلى غير ذلك.
ويجب عليه مراعاة أمور وهي عشرة يدخل عليه الخطأ منها، ذكرها ابن هشام في " المغني "، نلخص منها في هذا الكتاب ما يقتضيه الحال:
الجهة الأولى: أن يراعي المعرب ما يقتضيه ظاهر صناعة النحوي، ولا يراعي المعنى، وبسبب ذلك تزل الأقدام؛ فيجب على المعرب أن يفهم المعنى أولاً ثم يعرب، كما في بيت المفصل:
لا يبعد الله التألب والـ
…
ـغارات إذا قال الخميس نعم
فإن (النعم) في البيت الأول هي الإبل، قال الفراء: وهو مذكر ولا يؤنث، يقال: هذا نعمٌ.
وقال في الصحاح: والنعم واحد الأنعام، وهي المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، فيكون إعرابه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه نعم.
والمعنى في البيت: لا يبعد الله التألب، وهو: التشمير. والغارات:
جمع غارة، إذا قال الخميس: أي الجيش، هذه نعم. فخذوها أو سوقوها.
فظهر الإعراب لما فهم المعنى.
ونقل في " المغني " قال: ولقد حكي لي أن بعض مشايخ الإقراء أعرب لتلميذه بيت المفصل:
لا يبعد الله التألب والغارات
…
إذا قال الخميس نعم
فقال: نعم حرف جواب. ثم طلب محل الشاهد في البيت فلم يجده. انتهى.
ومن فهم المعنى المؤدي إلى صحة الإعراب وفساده، ما ذكره الزمخشري في قوله تعالى:(فلما بلغ معه السعي)[الصافات: 102] أي: فلما بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه. قال: ولا يتعلق "معه" بـ (بلغ)، لاقتضاء أنهما بلغا معاً السعي، ولا بـ (السعي) لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه، وإنما هي متعلقة بمحذوف على أن يكون بياناً، كأنه قيل: فلما بلغ الحد الذي يقدر فيه على السعي، فقيل: مع من؟ فقيل: ما أعطف الناس عليه، وهو أبوه، أي: أنه لم يستحكم قوته بحيث يسعى مع غير مشفق. انتهى.
ومن ذلك قوله تعالى: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف)[البقرة: 273].
قال في " المغني ": فإن المتبادر تعلق (من) بـ (أغنياء) لمجاورته،
ويفسده أنهم متى كان ظنهم أنهم قد استغنوا من تعففهم على أنهم فقرأ من المال، فلا يكون جاهلاً بحالهم، وإنما هي متعلقة بـ (يحسب)، وهي للتعليل. انتهى.
وهي في غاية الجودة.
ومن ذلك ما نقله في " المغني " ما حكاه بعضهم: أنه سمع شيخاً يعرب لتلميذه (قيماً) في قوله تعالى: (ولم يجعل له عوجاً قيماً)[الكهف: 1 - 2] صفة لعوجاً.
قال فقلت له: يا هذا كيف يكون العوج قيماً؟ وترحمت على من وقف من القراء على ألف التنوين في (عوجاً)، وقفة لطيفة ليدفع هذا الوهم. انتهى.
وهذا من الفصول الموصول كما سيأتي في نوعه، و (قيما) حال من اسم محذوف هو وعامله، أي: أنزله قيماً.
الجهة الثانية التي يدخل على المعرب الغلط بسببها: أن يكون
المعنى صحيحاً غير أنه لا يصح في صناعة النحوي، ولا يجري على القواعد المعروفة عند أهله.
مثال ذلك: قول بعضهم في قوله تعالى: (وأنه أهلك عاداً الأولى. وثمود فما أبقى)[النجم]: أن (ثمود) مفعول مقدم.
قال في " المغني ": وهذا ممتنع؛ لأن (ما) النافية لها الصدر، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وإنما هو معطوف على (عاداً)، أو هو بتقدير:(وأهلك ثمودا).
ومن ذلك قول الحوفي: أن الباء في قوله تعالى: (فناظرة بم يرجع المرسلون)[النمل: 35] متعلقة بناظرة.
قال في " المغني ": يرده أن الاستفهام له الصدر، ومثله قول ابن عطية في (قاتلهم الله أنى يؤفكون) [التوبة: 30] إن أنى ظرف لـ (قاتلهم الله)، وأيضاً فيلزم كون يؤفكون لا موقع لها حينئذٍ. والصواب تعلقهما بما بعدهما.
ونظيرهما قول المفسرين في قوله: (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم منه تخرجون)[الروم: 25]: أن المعنى: إذا أنتم تخرجون من الأرض. فعلقوا ما قبل إذا بما بعدها. حكى ذلك عنهم أبو حاتم في كتاب " الوقف
والابتداء ". وهذا لا يصح في العربية.
وقول بعضهم في (ملعونين أينما ثقوفوا أخذوا)[الأحزاب: 61]: أن ملعونين حال من معمول (ثقفوا) أو (أخذوا). ويرده أن الشرط له الصدر، والصواب أنه منصوب على الذم. وأما قول أبي البقاء: إنه حال من فاعل (يجاورونك). فمردود، لأن الصحيح أنه لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان.
وقول آخر في (وكانوا فيه من الزاهدين)[يوسف: 20] أن (في) متعلقة بـ (زاهدين) المذكور. وهذا ممتنع إذا قدرت (الـ) موصولة وهو الظاهر؛ لأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول، فيجب تعلقها بأعني محذوفة. أو بـ (زاهدين) محذوفاً مدلولاً عليه بالمذكور، أو بالكون المحذوف الذي تعلقه به (من الزاهدين)، وأما إن قدرت (الـ) للتعريف فواضح. انتهى كلام ابن هشام.
الجهة الثالثة من الجهات التي يحصل الخطأ بسببها على المعرب: تخريج بعض الأشياء على ما لم يثبت في العربية.
كما في قول أبي عبيدة في قوله تعالى: (كمآ أخرجك ربك من بيتك بالحق)[الأنفال: 5]: أن الكاف حرف قسم، وأن المعنى: أن الأنفال لله والرسول والذي أخرجك من بيتك.
وقد شنع ابن الشجري على مكي، حيث نقل هذا القول، وسكوته عليه.
وقال: لو أن رجلاً قال: كالله لأفعلن كذا. لاستحق أن يبصق في وجهه.
والحاصل: أنه لم يثبت في العربية أن الكاف حرف قسم.
الجهة الرابعة من الجهات التي يحصل على المعرب بسببها الخطأ في الإعراب: تخريج الكلام على الأوجه الضعيفة، والأمور البعيدة، واللغات الشاذة، خصوصاً في الكتاب العزيز.
فلا ينبغي أن يخرج إلا على أحسن الأوجه، وأقوى الأقوال. وأما إذا أراد المعرب تمرين الطالب وبيان الوجوه فلا بأس، لكن في غير القرآن، فإنه لا ينبغي أن يذكر فيه إلا ما يغلب على الظن أنه من بعض معاني اللفظ.
فمن ذلك قول من قال في قوله تعالى: (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز)[فصلت] أن خبره (أولئك ينادون من مكان بعيد)[44]. وبينهما هذه الجمل الكثيرة وهو بعيد أن يكون الخبر (ينادون من مكان بعيد)، واختلفوا في الخبر هل مذكور؟ أو محذوف؟ . ومن قال إنه موجود، تعسف.
وعندي أنه محذوف، تقديره: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وهو حق.
ومن ذلك قول من قال في قول الله تعالى: (ص والقرآن ذي الذكر)[ص] أن جواب القسم (إن لحق تخاصم أهل النار) وبينهما من البعد ما لا يخفى. والصواب أن جوابه محذوف، أي: ليس الأمر كما زعموا.
ومن ذلك قول من قال في قوله تعالى: (فلا جناح عليه أن يطوف بهما)[البقرة: 158]: أن الوقف على (فلا جناح) و (عليه) إغراء، أي: أمر بالتطوف. قال ابن هشام: ويرده أن إغراء الغائب ضعيف. انتهى.
وقد فسرته عائشة - رضي الله تعالى عنه - وغيرها بما ينافي الإغراء.
ومن ذلك قول بعضهم، أيضاً، في قول الله تعالى:(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً)[الأنعام: 151]: أن الوقف على (ربكم) و (عليكم) إغراء، وهو بعيد جداً عن معنى الآية الشريفة، وإن استحسنه ابن هشام في " المغني " وتبعه الحافظ السيوطي في " الإتقان " قال: وبه يتخلص عن إشكال في الآية ظاهر يحوج إلى تأويل. انتهى.
والإشكال ذكره العلامة التفتازاني في حاشيته على " الكشاف " وأجاب عنه، فراجعه.
ومن ذلك قول من قال في قوله تعالى: (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)[الأحزاب: 33]، إنه من الاختصاص، فيكون منصوباً على معنى أخص أهل البيت. قال ابن هشام: وهو ضعيف لوقوعه بعد ضمير الخطاب، مثل:" بك الله أرجو الفضل "، وإنما الأكثر أن يقع بعد ضمير المتكلم كالحديث:" نحن معاشر الأنبياء لا نورث "، والصواب: أنه منادى. انتهى.
ومن ذلك قول من قال في قوله تعالى: (تماماً على الذي أحسن)[الأنعام: 154] في قراءة يحيى بن يعمر بالرفع أن أصله: الذي أحسنوا، فحذفت الواو وعوضت عنها الضمة؛ لأن ذلك لا يصح إلا في الشعر، وقدره خبر مبتدأ محذوف تقديره هو.
ومن ذلك قول بعضهم في قوله تعالى: (عيناً فيها تسمى سلسبيلاً)[الإنسان]: أن الوقف على قوله: (تسمى) ثم يستأنف فيقول: (سل) فعل أمر من السأل، (سبيل) إليها، أي: طريقاً موصلاً، وما أبعد هذا المعنى، وسيأتي في غرائب التفسير من هذا النوع، وكل حزب بما لديهم فرحون، وبعض الخلق أفهامهم لا تجنح ولا يستلذ إلا بمثل هذا النوع مما يستعبد ويستهجن.
ومن ذلك أيضاً، حمل قوله تعالى:(وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)[المائدة: 6] على قراءة الجر، أن الجر هنا للمجاورة، وهو بعيد؛ لكونه لم يثبت في كلام العرب إلا شاذاً قليلاً، ولا يتخرج عليه الكتاب العزيز، والأحسن عطفه على الرؤوس لإشارته إلى تخفيف غسل الرجلين؛ لما كانت مظنة الإسراف.
الجهة الخامسة التي حصل للمعرب بسببها الخطأ في الإعراب: أن يهمل بعض الأوجه في إعراب اللفظة المعروفة المشهورة.
فينبغي أن يذكر ما يحتمله اللفظ من أوجه الإعراب.
فمن ذلك قوله تعالى: (إنك أنت السميع العليم)[البقرة: 127، آل عمران: 35] يذكر الوجوه فيه، وهي أن يكون ضمير فصل أو مبتدأ أو تأكيداً.
ويصح في قوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب)[ق: 37]، أن تكون كان ناقصة أو تامة أو زائدة وهو أضعفها.
ومثله قوله تعالى: (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم)[النمل: 51].
ومثله قوله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً)[الشورى: 51].
ومن ذلك قوله تعالى: (يريكم البرق خوفاً وطمعاً)[الرعد: 12، والروم: 24] ويحتمل أن نصب (خوفاً وطمعاً) على المصدرية، أو الحال، أو المفعول لأجله، فالمصدرية على تقدير: فتخافون خوفاً وتطمعون طمعاً، والحال على معنى حال كونهم خائفين، وحال كونهم طامعين، والمفعول لأجله، أي: لأجل الخوف والأجل الطمع.
هذه الأوجه صحيحة في المضارعة، وإن خالف في ذلك بعض النحاة.
ومن ذلك قوله تعالى: (وقاتلوا المشركين كآفة)[التوبة: 36]، فكافة يحتمل أن تكون حالاً من الفاعل أو من المفعول، فمعناه على الحال من الفاعل: أي حال كونكم مجتمعين، ومن المفعول:(قاتلوا المشركين كلهم).
ومن ذلك قوله تعالى: (قالوا ءامنا برب العالمين. رب موسى وهارون)[الأعراف: 121]، يحتمل (رب موسى) أن يكون بدلاً من (رب العالمين)، أو عطف بيان.
ومثله: (نعبد إلهك وإله ءابآئك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق)[البقرة: 133].
ومن ذلك قوله تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى)[الأعلى: 1]، يحتمل أن يكون الأعلى صفة للاسم أو صفة للرب.
الجهة السادسة التي يدخل على المعرب بسببها الخطأ: أن يراعي الشروط بحسب الأبواب.
فإن العرب يشترطون في باب شيئاً، ويشترطون في آخر نقيض ذلك الشيء على ما اقتضته حكمة لغتهم وصحيح أقيستهم، فإذا لم يتأمل المعرب اختلطت عليه الأبواب والشرائط.
فلنذكر بعض ما وقع من الوهم لبعض المعربين، ليحترز عنه:
فمن جملة شروطهم: الجمود لعطف البيان، والاشتقاق للنعت. وقد اعترض على الزمخشري في قوله تعالى:(ملك الناس. إله الناس)[الناس: 2 - 3] أنهما عطفا بيان؛ لأنهما مشتقان.
والصواب أنهما صفتان للرب. وقد أجيب عن الزمخشري أن (ملك الناس) و (إله الناس) جريا مجرى الجوامد في الاستعمال.
وقد اعترض على الزمخشري أيضاً في إعرابه (ذلكم الله ربكم)[الأنعام: 102، ويونس: 3، وفاطر: 13، والزمر: 6، وغافر: 62، 64]، يجوز كون اسم الله تعالى صفة للإشارة، أو بياناً، و (ربكم) الخبر.
قال ابن هشام في " المغني ": جوز في الشيء الواحد الذات والصفة، وجوز كون العلم نعتاً، وإنما العلم ينعت ولا ينعت به، وجوز نعت اسم الإشارة بما ليس معرفاً بلام الجنس، وذلك مما أجمعوا على بطلانه. انتهى.
ومن ذلك اشتراطهم التنكير في الحال والتمييز، وقد اعترض على مكي في قوله تعالى:(فإنه ءاثم قلبه)[البقرة: 283] في قراءة ابن أبي عبلة بنصب قلبه، أن (قلبه) تمييز وهو معرفة بإضافته إلى الضمير والصواب أنه مفعول (ءاثم) أو بدل من (ءاثم).
ومن ذلك اشتراطهم الإبهام لظروف المكان؛ ولهذا اعترض على الزمخشري في قوله تعالى: (فاستبقوا الصراط)[يس: 66]، وفي قوله تعالى:(سنعيدها سيرتها الأولى)[طه: 21] أن هذه منصوبتان على الظرف.
قال ابن هشام - رحمه الله تعالى -: وإنما يكون ظرفاً مكانياً ما كان مبهماً. ويعرف بكونه صالحاً لكل بقعة، كمكان، وناحية، وجهة، وجانب، وأمام. والصواب أن هذه المواضع على إسقاط الجار توسعاً. انتهى.
فيكون: فاستبقوا إلى الصراط، وسنعيدها إلى سيرتها الأولى.
ومن ذلك: اشتراطهم لبعض الأشياء الجملة الفعلية، ولبعضها الاسمية: فالأولى جملة الشرط غير لو، وجملة جواب الشرط، ولولا، والجملتان بعدهما، والجملة الثالثة أحرف التخصيص، وجملة أخبار أفعال المقاربة، وخبر أن المفتوحة، فقول الله تعالى:(وإن امرأة خافت من بعلها)[النساء: 128]، وقوله تعالى:(وإن أحد من المشركين استجارك)[التوبة: 6] مقدر فيه الجملة الفعلية؛ لأن أدوات الشرط لا يليها إلا الجملة الفعلية.
فالمعنى: إن خافت امرأة خافت، وإن استجارك أحد من المشركين استجارك، وهو على مذهب البصريين، والكوفيين يجيزون أن تكون جملة الشرط وجوابه غير فعليتين.
الجهة السابعة من الجهات التي يحصل للمعرب بسببها الخطأ في الإعراب: أن يحمل كلاماً على شيء ويشهد استعمال آخر في نظير ذلك
الموضع على خلافه.
فمن ذلك قول بعضهم في قول الله تعالى في: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى)[البقرة: 2]: أن الوقف على قوله تعالى: (لا ريب فيه)، ويبتدئ:(فيه هدى للمتقين). ويدل على خلاف ذلك قوله في سورة (السجدة): (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين)[السجدة].
ومن ذلك قول بعضهم في نحو: (وما ربك بظلام)[فصلت: 46] و (وما الله بغافل)[البقرة: 74، 85، 140، 144. وآل عمران: 99] أن المجرور في موضع نصب، أو رفع على أن (ما) حجازية أو تميمية. والصواب الأول؛ لأن الخبر لم يجئ في التنزيل مجرداً من الباء إلا وهو منصوب، نحو قول الله:(ما هذا إلا بشراً)[يوسف: 31].
ومن ذلك قول بعضهم في قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله)[الزخرف: 87] أن الاسم الكريم إما مبتدأ أو فاعل. وعلى تقدير المبتدأ " الله خالقهم "، وعلى تقدير الفاعل " خلقهم الله " ويشهد لكونه فاعلاً قوله تعالى في الآية الأخرى:(ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم)[الزخرف: 9]، فصرح بأنه فاعل. كذا قاله ابن هشام في " المغني "، فليتأمل.
الجهة الثامنة من الجهات التي يدخل على المعرب الخطأ بسببها: أن يحمل على شيء وفي ذلك الموضع ما يدفعه.
وهذا أصعب من الذي قبله، فمن ذلك:
قول من قال في قوله تعالى: (إن هذان لساحران)[طه: 63]: إنها " إن " واسمها ضمير و" ذان " مبتدأ، والمعنى: إنه أي الشأن والقصة، وذان ساحران مبتدأ وخبر، ويدفعه أن رسم " إن " منفصلة، و"هذان " متصلة. ولو كان كذلك لا تصل معها الضمير.
ومن ذلك قول من قال من قوله تعالى: (ولا الذين يموتون وهم كفار)[النساء: 18]: اللام للابتداء، و" الذين " مبتدأ، والجملة بعدها خبر.
ويدفعه أن الرسم " ولا " ذلك يقتضي أنه مجرور عطفاً على " الذين يعملون السيئات "، لا مرفوعاً بالابتداء.
ومن ذلك قول من قال في قوله: (أيهم أشد على)[مريم: 69] أي: هم أشد مبتدأ وخبره " أي " مقطوعة عن الإضافة، وهو باطل برسم " أيهم " متصلة.
الجهة التاسعة من الجهات التي يدخل على المعرب بسببها الخطأ: أن لا يتأمل عند ورود المشتبهات.
ولذلك أمثلة، منها:
" أحصى "، فإنها تقع في بعض المواضع أفعل التفضيل، مثل قولك:
" فلان أحصى الناس عدداً ". وتقع فعلاً ماضياً، والمنصوب مفعول مثل قوله تعالى:(وأحصى كل شيء عددا)[الجن: 28]. وقد وهم من قال في قوله تعالى: (أحصى لما لبثوا أمداً)[الكهف: 12] إنه أفعل تفضيل. والحال أنه فعل ماض.
ومن ذلك: (اغترف غرفة)[البقرة: 249]، إن فتحت الغين فمفعول مطلق، أو ضممتها فمفعول به، وقد قرئ بهما.
الجهة العاشرة من الجهات التي يدخل على المعرب بسببها الغلط في الإعراب: أن يخرج الكلام على خلاف الأصل، أو خلاف الظاهر، لغير مقتضى.
فمن ذلك قول مكي في قوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا لاتبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس)[البقرة: 264]: أن الكاف نعت لمصدر محذوف، أي إبطالاً كالذي.
قال ابن هشام في " المغني ": ويلزمه أن يقدر إبطالاً كإبطال إنفاق الذي ينفق، والوجه أن يكون " كالذي " حالاً من الواو، أي: لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي ينفق. فهذا الوجه لا حذف فيه. انتهى.
فهذه عشر جهات ينبغي أن يلاحظها المعرب، خصوصاً الناظر في كتاب الله تعالى، ذكرها ابن هشام في " المغني " لختصها هنا.
وينبغي أن يتجنب إطلاق لفظ الزائد في كتاب الله تعالى، فإن الزائد قد يفهم منه أنه لا معنى له، وكتاب الله منزه عن ذلك، ولذا فر بعضهم إلى التعبير بالتأكيد والصلة والمقحم.
قال ابن الخشاب: اختلفوا في جواز إطلاق الزائد في القرآن، والأكثرون على جوازه. نظراً إلى أنه نزل بلسان القوم وبتعارفهم؛ لأن الزائدة بإزاء الحذف هو الاختصار، وهذا للتوكيد والتوطئة.
ومنهم من أبى ذلك وقال: هذه الألفاظ المحمولة على الزيادة جاءت لفوائد ومعان تخصها، فلا يقضي عليها بالزيادة.