الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الحادي عشر
علم أول من نزل بالقرآن
النوع الحادي عشر
علم أول من نزل بالقرآن
وهذا النوع لم يذكره الحافظ السيوطي - رحمه الله تعالى -.
المشهور في الأحاديث الصحيحة، أنه أول ما أتى إليه جبريل بحراء على الصفة المذكورة، وروى الإمام أحمد في تاريخه بسند صحيح عن عامر الشعبي قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة. انتهى.
وما ذكره الشعبي مشكل، فإن ظاهر نفرته عليه السلام حين نزل عليه جبريل بسورة (اقرأ)، وقوله:(ما أنا بقارئ)، وقوله في آخر الحديث:(لقد خشيث على نفسي)، كل ذلك مشعر بأن الأمر فجأة، ولم يعهد قبله ولا يألفه. فلو أن إسرافيل كان يأتيه قبل ذلك بثلاث سنين لما نفر، ولحصل له كمال الاستعداد والمناسبة. ولهذا - والله أعلم - أنكر الواقدي قول الشعبي،
وقال: لم يقترن به من الملائكة إلا جبريل.
ويدل لما ذكره الواقدي، ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل، إذ سمع نقيضاً من السماء - أي حركة من السماء - فرفع جبريل بصره إلى السماء وقال: يا محمد هذا ملك قد نزل، لم ينزل إلى الأرض قط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، [لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته]. انتهى.
وذكر الشامي في سيرته من رواية الطبراني والبيهقي وابن حبان بسند
حسن ما يقوي ما ذكره الواقدي، ثم قال عقب ذلك: وظهر أن المعتمد ما مشى عليه الواقدي. انتهى.
اللهم إلا أن يحمل كلام الشعبي على أن ذلك كان بعد وحي (اقرأ) في زمان فترة الوحي، ويكون قوله: ثلاث سنين ميلاً إلى القول بأن الفترة كانت كذلك.
وكأن الحافظ ابن حجر فهم هذا الفهم من كلام الشعبي فقال في بعض نسخ الفتح، وتبعه الحافظ الفسطلاني: أن الإمام أحمد روى في تاريخه عن الشعبي أن فترة الوحي كانت ثلاث سنين، والموجود في التاريخ،
و " الطبقات " لابن سعد، و" الدلائل " للبيهقي هو ما تقدم. ذكر ذلك الشامي في سيرته، وذكر أنه تتبع التاريخ فلم يجد غير ما تقدم.
فكأن الحافظ حمل كلام الشعبي على ما سبق لما رأى تعارض الأحاديث.
وقد سبقه إلى هذا القول الحافظ ابن كثير، وسيأتي في مدة الفترة كلامه.
فإن قلت: وعلى ما ذكرت من الحمل فكيف تعمل بحديث مسلم، فإنه يفيد أن إسرافيل لم ينزل الأرض قط إلا ذلك الوقت؟
قلت: ليس فيما رواه الشعبي أن إسرافيل كان ينزل لما قرن بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يبعد أنه كان يعلمه الكلمة والشيء بنوع من التلقي وهو في محله، فإن التلقي الروحاني والأخذ القلبي لا يلزم منه النزول والصعود، بل يكون مع كمال البعد وهو معروف عند أهله، فمن لا يعرف ذلك فليؤمن به، والله الموفق.
وقلوب المخلصين تسع الإيمان بأن من الممكنات أنه كان يدنو هذا الدنو وهو في مستقرة من السماء يقول: " يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبريل، فجعلت لا أصرف بصري إلى ناحية إلا رأيته كذلك ".
وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد، فيعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام. انتهى.