الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
إنَّ الحمد لله، نحمدُه، ونستغفره، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضللْ فلا هادي له. وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومبشَرًا ونذيرًا. بلغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائه. صلواتُ اللهِ وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين.
حمل سلفُ الأمّة راية الهداية فبلَّغوها كما سمعوها، فقطعوا الفيافيَ في تبليغ رسالة الإسلام، ورحلوا مشارق الأرض ومغاربها يُسْمِعون الحديثَ والأثرَ وَيسْمعونه، ويأخذون فقه الصحابة والتابعين ويتدارسونه، غير عابئين بوعثاء السفر، ولا قلّة حيلتهم، ولا يهدفون إلى جمع شيء من حطام الدنيا. بل أرادوا أن يبنوا بفعلهم هذا حضارة الإسلام ونظامه القائم على تشريع سماويٍّ لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، فاستحقّوا بذلك أن يكونوا أعلام الموقِّعين عن ربّ العالمين، فكان من ذلك كلِّه أن ظهر في هذه الأمَّة أئمَّةٌ متبوعون، وأصحابٌ مجتهدون، رسموا للناس بعلمهم واجتهادهم نظام الإسلام في العبادات والمعاملات وأحكام الأسرة والقصاص والجنايات وأحكام
الدولة ورسومها.
وعمل الفقهاء في هذا الإطار؛ فكانوا هم أصحاب مناصب الفتوى والقضاء؛ ومدرِّسي الأحكام الشرعيَّة في الجوامع الكبرى في حواضر العالم الإسلامي، على مرِّ العصور، وأساتذة المدارس العلميّة في مدن الإسلام يهتدي الناس بأقوالهم وأعمالهم، فيما يُفتونه من مسائل النوازل، ويلتزمون اجتهادهم فيما قرَّروه من أحكام أدّى إليه اجتهادُهم.
وهذا الكتاب (الغاية في اختصار النهاية) ثمرة من ثمار فقيه الأمّة في وقته، شيخ الشافعيّة في الشام ومصر، وأول من سُمِّي بسلطان العلماء في التاريخ الإسلامي فيما أُرجِّح، الإمامُ العزُّ بن عبد السلام؛ الذي منَّ الله عليَّ بصحبة كتبه جمعًا لِنُسَخِها، وتحقيقًا لنصوصِها منذ أكثر من ربع قرن من الزمان. فقد نخلتُ مكتبات العالم وفهارسها بحثًا عن كتاب له، أو أثر عنه، وطوّفتُ عددًا من البلدان، حتى جمعتُ مخطوطات كتبه من خزائن الأرض جلّها تقريبًا، ممّا علمتُ مكانه، ولم أُهمل إلا نسخة كان البديل عنها لديَّ أقوى أو أفضل، أو وقفت حواجز الزمان دون الحصول عليها.
وهذا الكتاب بدأتُ في جمع مخطوطاته سنة (1997 م)، وانتهيت من جمع النسخة الأولى شبه الكاملة سنة (2000 م)، وفيها بدأتُ تحقيقه بحول الله تعالى، وانتهيتُ من تحقيقه في العام (2010 م)، وخلال الأعوام العشرة (2000 - 2010 م) وردتْ إليَّ النسخ الأخرى للكتاب في فترات متباعدة من ألمانية وتركية ودمشق، فقمتُ بمقابلتها.
وأقدمتُ على تحقيق نصِّه ولمَّا يُطبع أصله "نهاية المطلب" لإمام
الحرمين، وكنتُ أخوض مفازة لا يعلمها إلا الله، من اختلاط الأوراق وسوء ترتيب التجليد، والتقديم والتأخير في الأبواب والفصول، حيث تمكَّنتُ بحول الله وتوفيقه من التغلّب على ذلك، وكان التشجيع الذي ألقاه من إخواني أهل العلم نحو إبراز أثر الإمام في الفقه الشافعيّ خير معين على المتابعة في العمل به.
ويبقى ضبط النص وإحكامه مطلبًا مهما للمحقّق، فاجتهدتُ في ضبطه والتعليق عليه وتحقيق نصِّه بقدر وُسعي وحسب الطاقة، لكنَّ إرادة الله عز وجل فوق كلّ إرادة، إذ أراد بهذا الكتاب حُسنى؛ فقد هيَّا الله لي الإخوة في دار النوادر، وكان كتاب "نهاية المطلب" لإمام الحرمين قد طُبع ونشُر بعدُ، فحملوه على كاهلهم، مراجعين ومقابلين ومصحِّحين، فكانت العَرضة الأخيرة لهم.
ويسرّني أن أكتب لهذا الكتاب العُجاب أوَّلِ مصنّفٍ يُطبع للعز في الفقه الشافعي كاملًا مقدَّمة موسّعة، ضمّنتُها ثلاثة أبواب: الباب الأول في ترجمته، والباب الثاني في جهوده العلميّة، والباب الثالث في كتاب "الغاية في اختصار النهاية". مؤثرًا في كلّ باب أن أُورد معارف جديدة لم يذكرها من أفرد الكتب في ترجمته، بحسب الإمكان، وعلى الله التكلان.
وقد ضمّنتُها معجمَيْن مهمَّين:
1 -
معجم مصطلحات الشافعيّة في الأقوال والآراء والمذاهب حتى القرن السابع عصر المؤلِّف.
2 -
معجم مصطلحات رجال المذهب وكتبهم المشهورة المذكورين في (الغاية في اختصار النهاية).
وأرجو من الله العليِّ القدير أن ينفع بهذا الكتاب إنّه نِعْم المولى ونِعْم النَّصير.
* * *
الباب الأول في ترجمته