الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفقه وقرأ بالسبع وبالعشر، وأخذ الأصول، وروى الحديث.
أقام بسنجار مدّة، ودخل حلب في سنة (545 هـ)، ودرّس بها وأقبل عليه صاحبها إذ ذاك الملك نور الدين الشهيد فلما انتقل إلى دمشق سنة (549 هـ) استصحبه معه، ودرس بالغزالية، وولي نظر الأوقاف، ثم ارتحل إلى حلب، ثم ولي قضاء سنجار وحران وديار ربيعة، وتفقّه عليه هناك خلائق، ثم عاد إلى دمشق في سنة (570 هـ)، فولي بها القضاء سنة (573 هـ)، وعظمت مكانته في دمشق.
قال ابن السُّبكيّ: وكان من أعيان الأُمَّة وأعلامها عارفًا بالمذهب والأصول والخلاف، مشارًا إليه في تحقيقات الفقه ديّنًا خيًّرا متواضعًا، ملأ البلاد تصانيف وتلامذة، وعنه أخذ الفقه شيخ الإِسلام فخر الدين ابن عساكر وغيره، وبنى له الملك نور الدين المدارس بحلب وحماة وحمص وبعلبك، وبنى هو لنفسه مدرستين بدمشق وبحلب.
ومن تصانيفه: "صفوة المذهب على نهاية المطلب" في سبع مجلدات، اختصر به "نهاية المطلب في دراية المذهب" للجوينيّ، و"الانتصار" في أربع مجلدات، و"الذريعة في معرفة الشريعة"، و"التيسير في الخلاف" وكتابه "الموافق والمخالف" مذعِنًا لدينه وورعه وسعة علمه وكثرة رياسته وسؤدده؛ توفي سنة (585 هـ)(1).
3 - الفخر ابن عساكر:
هو عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، أبو منصور،
(1)"طبقات الشافعية الكبرى" لابن السُّبكيّ (7/ 132).
فخر الدين ابن عساكر، شيخ الشافعية بالشام، قال فيه ابن السُّبكيّ: آخر من جُمع له العلم والعمل (1).
وُلد سنة (550 هـ)، وتفقَّه بدمشق على الشيخ قطب الدين النَّيْسابوري، وسمع الحديث من عمَّيْه الإمامَيْن الحافظ الكبير أبي القاسم والصائن هبة الله، وجماعة، وحدَّث بمكة ودمشق والقدس.
روى عنه الحافظ زكي الدين البرزالي، وزين الدين خالد، وضياء الدين المقدسي وآخرون.
وله تصانيف في الفقه والحديث وغيرهما، وبه تخرَّج الإِمام العزُّ بن عبد السلام.
كان إمامًا صالحًا، قانتًا، عابدًا، زاهدًا، ورعًا، لا يخلو لسانه عن ذكر الله، منقطعًا إلى العلم والعبادة، قليل الرغبة في الدنيا، ثقةٌ، كثير التهجد، غزير الدمعة، كثير التواضع، قليل التعصب.
وكان يزجي أكثر أوقاته في نشر العلم، وكان مطَّرح التكلف، وعرضت عليه مناصب وولايات دينية فتركها.
وهو أحد الأئمة المبرزين بل واحدهم فضلا وكبيرهم قدرًا، شيخ الشافعية في وقته.
والظاهر أنّ مواقفَ العزّ بن عبد السلام مع السلاطين كانت متأثّرة بشيخه؛ إذ أُريد الفخر بن عساكر على القضاء فامتنع. وطلبه الملك العادل
(1)"طبقات الشافعية الكبرى" لابن السُّبكيّ (8/ 177).
ليلًا، وبالغ في استعطافه، وألحَّ عليه، فقال: حتَّى أستخير الله. وخرج فقام ليلته في الجامع يتضرع ويبكي إلى الفجر فلما صلى الصبح وطلعت الشمس أتاه جماعة من جهة السلطان فأصر على الامتناع وجهز أهله للسفر وخرجت المحابر إلى ناحية حلب فردها السلطان ورَقَّ عليه وأعفاه، وقال: عيِّن غيرك. فعيَّن له ابنَ الحرستاني؛ واتفق أهل عصره على تعظيمه في العقل والدين. وكان فخر الدين ابن عساكر قد وقع بينه وبين الملك المعظَّم لأنّه أنكر عليه تضمين المكوس والخمور فانتزع منه المدرسة التقوِيَّة بدمشق والمدرسة الصلاحيَّة بالقدس؛ إذ كان يقيم بدمشق أشهرًا وبالقدس أشهرًا، وكان عنده بالتَّقوِيَّة فضلاء الوقت حتى كانت تسمَّى نظاميَّة الشام، وهو أول من درس بالعذراوية سنة (593 هـ).
وكان يتورع من المرور في رواق الحنابلة لئلا يأثموا بالوقيعة فيه وذلك لأنَّ بني عساكر من أعيان الشافعية الأشعرية.
قال ابن السُّبكيّ: "كان الشيخ ابن عساكر رحمه الله يفتي بجواز كتابة الصداق على الحرير وخالفه تلميذه شيخ الإِسلام عز الدين بن عبد السلام فأفتى بالمنع، وبه أفتى النووي، إلا أنه عزا ذلك إلى تصريح أصحابنا ولم أجد ذلك في كلام واحد منهم"(1).
توفِّي سنة (620 هـ)؛ وكانت جنازته مشهودة قلَّ أن وُجد مثلها (2).
(1)"طبقات الشافعية الكبرى" لابن السُّبكيّ (8/ 187).
(2)
"طبقات الشافعية الكبرى" لابن السُّبكي (3/ 177)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 54).