الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في سبيل الله يؤدّي رسالته في التعلّم والتعليم، فقد عرفته المدرسة مدرّسًا وإمامًا، ودُفن في غد اليوم التالي قُبيل الظهر في آخر القَرَافة بسفح جبل المقطَّم، من ناحية البركة، وقد شهد جنازته ملك مصر والشام الظاهر بيبرس وأجناده، الذي حزن عليه كثيرًا، وقال:"لا إله إلّا الله ما اتفقت وفاةُ الشيخ إلّا في دولتي! ".
وشهد جنازته خلقٌ كثير من الناس، حتى إنّ الظاهر بيبرس لما رأى كثرتهم قال لبعض خوّاصه:"ما استقر ملكي إلّا الآن لأنّ هذا الشيخ لو كان يقول للناس اخرجوا عليه لانتزع المُلْك منّي".
وحزن أهلُ بلدته دمشق عليه كثيرًا فصلّوا عليه في الجامع الأمويّ وجوامع أخرى صلاة الغائب، كما عُمل عزاؤه بجامع العُقَيْبة المعروف الآن بجامع التوبة بدمشق، وذلك يوم الإثنين 25 جمادى الأولى سنة (660 هـ)، ونادى النصير المؤذن بعد الفراغ من صلاة الجمعة:"الصلاةَ على الفقيه الإمام، شيخِ الإسلام، عزّ الدين بن عبد السّلام".
* * *
*
رثاؤه:
كان لوفاة الإمام أثرٌ في العالم الإسلامي، ومجتمع بلاد مصر والشام، سواء بين العلماء أو السلاطين أو العوام، وكان من أثر ذلك أن رثاه جمٌّ غفيرٌ من العلماء والأدباء، أذكر منهم ما قاله:
* علي بن أحمد الحميري: يرثي العز بن عبد السلام (1):
أمد الحياة كما علمت قصير
…
وعليك نقّادٌ بها وبصير
عجبًا لمغترٍّ بدار فنائه
…
وله إلى دار البقاء مصير
فسليمها للنائبات معرّضٌ
…
وعزيزها بيد الردى مقهور
أيظنّ أن العمر ممدودٌ له
…
والعمر فيه على الردى مقصور
قال المقَّري: وهي طويلة، ولم يحضرني سوى ما ذكرته.
* ورثاه أبو الحسن الجزار (2) بقصيدة أولها (3):
أمَّا الفتاوى فعليها السلام
…
مذ فُقد الشيخُ ابنُ عبد السلام
راعني الله لفقد امرئ
…
قام بحق الله حق القيام
(1)"نفح الطيب"(2/ 609)؛ ونور الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد، الحميري، الأندلسي، المالقي: أديب، إمام في اللغة والنحو، من المرتحلين من الأندلس إلى المشرق.
(2)
يحيى بن عبد العظيم بن يحيى، أبو الحسين (وفي بعض المصادر: أبو الحسن) جمال الدين المصري المعروف بابن الجزار. مولده سنة (601 هـ)، ووفاته (679 هـ) كان إمامًا أديبًا فاضلًا، جيد البديهة، دمث الأخلاق، "حسن المحاضرة"(1/ 568)، وله أشعار كثيرة، مَدح الملوك والأمراء والوزراء والأعيان وغيرهم، وكان من محاسن الديار المصرية، وله نوادر مستطرفة، ووقائع مستملحة، ومداعبات ظريفة، ومكاتبات إلى الأدباء وغيرهم. ترجمته في "ذيل مرآة الزمان"(4/ 61).
(3)
"رفع الإصر"(1/ 241).
وأوردها بتمامها السيوطي (1) في "المحاضرات والمحاورات، نقلًا عن شرح البخاري للكرماني، وفيه:
وقال أيضا يرثي الشيخ عز الدين بن عبد السلام:
أمَّا الفتاوى فعليها السلام
…
مذ فُقد الشيخ ابن عبد السلام
مات فمن يُوضِح أشكالها
…
ويعرفُ الحلَّ بها والحرام
إنّا إلى الله لفقدِ امرئ
…
قام بحقّ الله حقَّ القيام
ما خصَّ فيه بالعزاء امرئ
…
ورزؤه عمّ جميع الأنام
كلُّ أخي علم بكى فقده
…
لأنّه في كلّ علم إمام
مَن للتفاسير وتحريرها
…
مَن للأصولين وعلم الكلام
كم دعوة منك غنينا بها
…
عن ذابل يوم الوغى أوحسام
من للذي يطمع في جوده
…
بعدك إن ضنّ بغيث غمام
ومن بقى ينصر إخوانه
…
ويحفظ العهد ويرعى الذّمام
كم مهجة كادت تفدّيك لو
…
أمكن أن يرضى فداها الحمام
لا تقدر الأملاك تثنيك عن
…
حقّ وكم أغراك منهم ملام
* * *
(1) في "المحاضرات والمحاورات"، للسيوطي، تحقيق يحيى الجبوري، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1424 هـ، (ص: 294).