الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّ مَحَارِمَهُ بِأَدْنَى الْحِيَلِ وَلَا يَتَوَهَّمُ الْإِنْسَانُ أَنَّ فِي الْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُحَرَّمِ ضِيقًا، أَوْ ضَرَرًا، أَوْ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يُبْتَلَى الْمَرْءُ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ تَارَةً يَتْرُكُ مَا يَهْوَى وَتَارَةً يَفْعَلُ مَا يَكْرَهُ، كَمَا يُبْتَلَى فِي الْحَوَادِثِ الْمُقَدَّرَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ:{الم} [العنكبوت: 1]{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ - وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2 - 3] . وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور: 47]{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48]{وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور: 49]{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور: 50] الْآيَاتِ وَمِنْ هُنَا يَنْشَأُ.
[الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ الْحِيلَة تَصْدُرُ مِنْ رَجُلٍ كَرِهَ فِعْلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ]
الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَهُوَ أَنَّ الْحِيلَةَ إنَّمَا تَصْدُرُ مِنْ رَجُلٍ كَرِهَ فِعْلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، أَوْ تَرْكَ مَا نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 28]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ:{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54] .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 20]{طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [محمد: 21] . إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي ذَمَّ اللَّهُ فِيهَا مَنْ كَرِهَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْجِهَادِ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُرْبِينَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] .
وَقَالَ: يَجِبُ أَنْ تَتَلَقَّى أَحْكَامَ اللَّهِ بِطِيبِ نَفْسٍ وَانْشِرَاحِ صَدْرٍ، وَأَنْ يَتَيَقَّنَ الْعَبْدُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِمَا فِي فِعْلِهِ صَلَاحٌ، وَلَمْ يَنْهَهُ إلَّا عَمَّا فِي فِعْلِهِ فَسَادٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، أَوْ مِنْ نَفْسِ الْفِعْلِ، أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقُوتِ الَّذِينَ هُوَ قِوَامُ الْعَبْدِ وَالْمَنْهِيَّ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ السُّمُومِ الَّتِي هِيَ هَلَاكُ الْبَدَنِ وَسَقَمُهُ، وَمَنْ يَتَيَقَّنُ هَذَا لَمْ يَطْلُبْ أَنْ يَحْتَالَ عَلَى سُقُوطِ وَاجِبٍ فِي فِعْلِهِ صَلَاحٌ لَهُ وَلَا عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ فِي تَرْكِهِ صَلَاحٌ لَهُ أَيْضًا، وَإِمَّا تَنْشَأُ الْحِيَلُ مِنْ ضَعْفِ الْإِيمَانِ، فَلِهَذَا كَانَتْ مِنْ النِّفَاقِ وَصَارَتْ نِفَاقًا فِي الشَّرَائِعِ كَمَا أَنَّ النِّفَاقَ الْأَكْبَرَ نِفَاقٌ فِي الدِّينِ، وَإِذَا كَانَتْ الْحِيلَةُ مُسْتَلْزِمَةً لِكَرَاهَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ، بَلْ نِفَاقٌ فَحُكْمُ الْمُسْتَلْزِمِ كَذَلِكَ فَتَكُونُ الْحِيَلُ مُحَرَّمَةً بَلْ نِفَاقًا، وَلَوْ فُرِضَ أَنْ يَنْشَأَ مِنْ الْحِيَلِ تَجَرُّدٌ فِي بَعْضِ حَقِّ الْأَشْخَاصِ عَنْ هَذَا الْإِلْزَامِ لَكَانَ ذَلِكَ صُوَرًا قَلِيلَةً، فَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ، ثُمَّ أَقَلُّ مَا فِيهَا أَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ وَالْحِكْمَةُ إذَا كَانَتْ خَفِيَّةً، أَوْ مُنْتَشِرَةً عُلِّقَ الْحُكْمُ بِمَظِنَّتِهَا وَكَرَاهَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ تَخْفَى عَنْ صَاحِبِهَا وَلَا تَنْضَبِطُ الْحِيلَةُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مِنْ الَّتِي لَا تَتَضَمَّنُهُ فَيُعَلَّقُ الْحُكْمَ بِمَظِنَّةِ ذَلِكَ وَهُوَ الْحِيلَةُ مُطْلَقًا -، وَإِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا الْوَجْهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ بِذِكْرِ أَقْسَامِ الْحِيلَةِ وَهُوَ.