المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الوجه التاسع والخمسون القول بالتجزؤ والتبعيض والتعدد والتركيب والتأليف في كلام الله] - الفتاوى الكبرى لابن تيمية - جـ ٦

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى إبْطَالِ التَّحْلِيلِ] [

- ‌نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ حَرَامٌ بَاطِلٌ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ]

- ‌[الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ بُطْلَانُ الْحِيَلِ وَأَدِلَّةُ التَّحْرِيمِ]

- ‌[الْوَجْهُ الْأَوَّلُ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي لَمَّا قَالَ الْمُنَافِقُونَ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَخْبَرَ اللَّه عَنْ أَهْل الْجَنَّة الَّذِينَ بَلَاهُمْ فِي سُورَة نُون]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ قَالَ اللَّه وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ]

- ‌[الْوَجْه السَّادِسُ قَوْل النَّبِيّ مَنْ أَدَخَلَ فَرَسًا بَيْن فَرَسَيْنِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبَيِّعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّامِنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَ الْيَهُودُ]

- ‌[الْوَجْهُ التَّاسِعُ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ خَمْرًا]

- ‌[الْوَجْهُ الْعَاشِرُ قَالَ صلى الله عليه وسلم لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا]

- ‌[الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قَالَ صلى الله عليه وسلم إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّ الْمَقَاصِدَ وَالِاعْتِقَادَاتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْعَادَاتِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ الْحِيلَة تَصْدُرُ مِنْ رَجُلٍ كَرِهَ فِعْلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ لَيْسَ كُلُّ مَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ حِيلَةً]

- ‌ أَقْسَامِ الْحِيَلِ

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ الْحِيَلَ مَعَ أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا أُحْدِثَتْ بِالرَّأْيِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُفْقَدُ مِنْ الدِّينِ الْأَمَانَةُ]

- ‌[الْوَجْه الثَّامِن عَشْر أوجب اللَّه النَّصِيحَة وَالْبَيَان فِي الْمُعَامَلَات خَاصَّة]

- ‌[الْوَجْه التَّاسِع عَشْر اسْتَعْمَلَ الرَّسُول رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَة]

- ‌[الْوَجْهُ الْعِشْرُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى إلَيْهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ إذَا تَأَمَّلْت عَامَّةَ الْحِيَلِ وَجَدْتهَا رَفْعًا لِلتَّحْرِيمِ]

- ‌[الْوَجْه الرَّابِع وَالْعُشْرُونَ أَنْ اللَّه وَرَسُوله سَدّ الذَّرَائِع الْمُفْضِيَة إلَى الْمَحَارِم]

- ‌[الطَّرِيقُ الثَّانِي إبْطَالُ التَّحْلِيلِ فِي النِّكَاحِ] [

- ‌الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الْوَاشِمَةَ وَالْمَوْشُومَةَ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِي سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُحَلِّلِ فَقَالَ لَا إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ]

- ‌[الْمَسْلَك الثَّالِث التَّحْلِيل لَوْ كَانَ جَائِزًا لَكَانَ النَّبِيّ يَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ طلق ثَلَاثًا]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[الْمَسْلَك الْخَامِس قَالَ اللَّه بَعْد الطَّلَاق مَرَّتَانِ وَبَعْد الخلع فَإِن طلقها]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّادِسُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ]

- ‌[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ أَنَّهُ قَصَدَ بِالْعَقْدِ غَيْرَ مَا شُرِعَ لَهُ الْعَقْدُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّ جَوَازَ التَّحْلِيلِ قَدْ أَفْضَى إلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ]

- ‌[كِتَابٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الطَّوَائِفِ الْمُلْحِدَةِ وَالزَّنَادِقَةِ] [

- ‌خِطْبَة الْكتاب]

- ‌[أَوْجُهٍ الرد عَلَيَّ الْمعَارضين]

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْوَقْفِ وَاللَّفْظِ]

- ‌[فَصْلٌ قَالُوا وَلَا نَقُولُ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَرْفٌ وَصَوْتٌ قَائِمٌ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ]

- ‌[الْأَصْلُ التَّاسِعُ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْبَحْثِ عَنْ مَحِلِّ النِّزَاعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي كَوْنِهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا وَإِثْبَاتِ قِدَمِ كَلَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ وَاحِدٌ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ إنَّ هَذَا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ إثْبَاتَ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يُقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّ النَّفْسَ الَّذِي هُوَ الْقَلْبُ يُوصَفُ بِالنُّطْقِ]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ إنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي إثْبَاتِ أَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ وَلَا الْإِرَادَةَ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّ ثُبُوتَ الْكَلَامِ لِلَّهِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ يُقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ اشْتَهَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّلَاثُونَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَحْكُوا عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالذَّاتِ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ إذَا جَاءَ أَنْ تَجْعَلُوا هَذِهِ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ حَقِيقَةً وَاحِدَةً]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ إنَّهُمْ قَدْ ذَكَرُوا حُجَّتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ تَكُونَ أَقَمْت دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ قَدِيمًا وَاحِدًا لَيْسَ بِمُتَغَايِرٍ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يُقَالَ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ إمَّا قِدَمُهُ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ إنَّ قَوْلَك عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ إنْ عَنَيْت بِهِ أَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ اللَّهِ لَيْسَتْ كَحَقِيقَةِ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْكَلَامَ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ وَسَائِرَ الصِّفَاتِ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصِّفَاتِ الْمَخْلُوقَةِ]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ إنَّك اعْتَمَدَتْ فِي كَوْنِ الْكَلَامِ مَعْنًى وَاحِدًا قَدِيمًا]

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ قِيَاسُك الْوَحْدَةَ الَّتِي أُثْبِتهَا لِلْكَلَامِ عَلَى الْوَحْدَةِ الَّتِي أُثْبِتهَا لِلْمُتَكَلِّمِ قِيَاسٌ لِلشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ أَنْ يُقَالَ كَوْنُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ كَوْنَ الْقَدِيمِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمُنْقَسِمٍ وَلَا مُتَبَعِّضٍ]

- ‌[الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ نَفْيُ الْقِسْمَيْنِ جَمِيعًا عَنْ كَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَمْسُونَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْمَوْصُوفِ شَيْئًا وَاحِدًا لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ أَنْ يُقَالَ مَا تَعْنِي بِقَوْلِك كَمَا يَعْقِلُ مُتَكَلِّمٌ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ كَمَا يَعْقِلُ مُتَكَلِّمٌ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ وَاَلَّذِي أَوْجَبَ كَوْنَهُ ذَلِكَ قِدَمُهُ]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ إنَّ هَؤُلَاءِ الْمُثْبِتِينَ لِلْحُرُوفِ الْقَدِيمَةِ قَالُوا مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ اجْتِمَاعَ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ وَالرُّؤْيَةِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا]

- ‌[الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الْقَوْل بِالتَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَالتَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ فِي كَلَام اللَّه]

- ‌[الْوَجْهُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ لِلَّهِ كَلِمَاتٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مَعَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ قَوْلُهُمْ كَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْكَلَامِ إنَّهُ وَاحِدٌ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقَاتِ]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ إنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي الْجَوَابِ عَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ إنَّهُ قَدْ احْتَجَّ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى إمْكَانِ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ وَاحِدًا]

- ‌[الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ كَانَ الْبَارِي عَالِمًا بِالْعِلْمِ الْوَاحِدِ بِجُمْلَةِ الْمَعْلُومَاتِ غَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ مَا شُكَّ فِيهِ يُقْطَعُ فِيهِ بِالِامْتِنَاعِ]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِ الْقَائِلِينَ إنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ]

- ‌[بَابٌ فِي ذِكْرِ كَلَامِ الْأَشْعَرِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيِّ نَفْسِهِ وَطَبَقَتِهِ]

الفصل: ‌[الوجه التاسع والخمسون القول بالتجزؤ والتبعيض والتعدد والتركيب والتأليف في كلام الله]

الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: إنَّ قَوْلَهُ الرَّبُّ وَاحِدٌ وَمُتَّصِفٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ مُتَقَدِّسٌ عَنْ التَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَالتَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ يَسْتَحِيلُ قِيَامُ أَصْوَاتٍ مُتَضَادَّةٍ بِذَاتٍ مَوْصُوفَةٍ بِحَقِيقَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ، يُقَالُ لَهُ هَذَا يَلْزَمُك فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ فَإِنَّ الذَّاتَ الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ فِي الْعِلْمِ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ شَيْءٍ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِهَا صِفَاتٌ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، إذْ ذَلِكَ يُوجِبُ مِنْ التَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ وَالتَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ نَطِيرَ مَا نَفَاهُ وَهُوَ مِنْ حُجَّةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ. وَلَمَّا قَالَ لَهُ مُخَالَفَةُ لَا نَعْقِلُ الْحَيَاةَ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ يَقُومُ إلَّا بِجِسْمٍ، وَلَا يَعْقِلُ الْيَدَ وَالْوَجْهَ إلَّا بَعْضًا مِنْ جِسْمٍ قَالَ لَا يَجِبُ.

هَذَا كَمَا لَا يَجِبُ إذَا لَمْ نَعْقِلْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إلَّا جِسْمًا أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ كَذَلِكَ فَأَلْزَمَ مُخَالَفَةَ إثْبَاتِهِ لِحَيٍّ عَالِمٍ قَادِرٍ فِي مُتَّصِفٍ بِهَذِهِ الْوَحْدَةِ الَّتِي وَافَقَ خَصْمُهُ عَلَيْهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي مُخَالَفَةِ صَرِيحِ الْعَقْلِ سِوَاهُ فَكَوْنُهُ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ شَيْءٍ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِمَعَانٍ يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بَلْ يَأْبَى ثُبُوتُ مَوْجُودٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا إذْ لَا بُدَّ لِلْمَوْجُودِ مِنْ أُمُورٍ مُتَمَيِّزَةٍ فِيهِ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِثُبُوتِ مَا نَفَاهُ، فَهَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي ابْتَدَعُوهُ هُوَ التَّعْطِيلُ الْمَحْضُ وَهُوَ تَشْبِيهُ الْبَارِي بِالْمَعْدُومَاتِ.

[الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الْقَوْل بِالتَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَالتَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ فِي كَلَام اللَّه]

الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَوْلُك لِأَنَّهُ مُقَدَّسٌ عَنْ التَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَالتَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ. يُقَالُ هَذِهِ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ فَإِنْ أَرَدْت الْمَعْنَى الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِثْلَ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَلَا يَتَجَزَّأُ فَيُفَارِقُ جُزْءٌ مِنْهُ جُزْءًا كَمَا هُوَ الْمَعْقُولُ مِنْ التَّجَزُّؤِ وَلَا يَتَعَدَّدُ فَيَكُونُ إلَهَيْنِ أَوْ رَبَّيْنِ أَوْ خَالِقَيْنِ وَلَمْ يُرَكَّبْ فَيُؤَلَّفُ فَيَجْمَعُ بَيْنَ أَبْعَاضِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذِهِ الْأُمُورَ، فَهَذَا كُلُّهُ يُنَافِي صَمَدَانِيَّتَهُ وَلَكِنْ لَا يُنَافِي قِيَامَ مَا يُثْبِتُهُ مِنْ الْأَصْوَاتِ كَمَا لَا يُنَافِي قِيَامَ سَائِرِ الصِّفَاتِ وَإِنْ أَرَدْت بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ شَيْءٍ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ وَبَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَهُوَ لَازِمٌ لِمَنْ نَفَاهُ لُزُومًا لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا بَسْطًا مُسْتَوْفِيًا فِي كِتَابِ بَيَانُ تَلْبِيسِ الْجَهْمِيَّةِ فِي تَأْسِيسِ بِدْعَتِهِمْ الْكَلَامِيَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَسَّفَ مِنْ الْمُقَلَّدِينَ مُتَعَسِّفٌ وَأَثْبَتَ الرَّبَّ تَعَالَى جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنْ أَبْعَاضٍ مُتَآلِفًا مِنْ جَوَارِحَ نَقَلْنَا الْكَلَامَ مَعَهُ إلَى إبْطَالِ الْجِسْمِ وَإِيضَاحِ تَقَدُّسِ الرَّبِّ عَنْ

ص: 546

التَّبْعِيضِ وَالتَّأْلِيفِ وَالتَّرْكِيبِ فَيُقَالُ لَهُ الْكَلَامُ فِي وَصْفِ اللَّهِ بِالْجِسْمِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا بِدْعَةً لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ كَمَا لَمْ يَقُولُوا أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ بَلْ مَنْ أَطْلَقَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ اسْتَفْصَلَ عَمَّا أَرَادَ بِذَلِكَ فَإِنَّ فِي لَفْظِ الْجِسْمِ بَيْنَ النَّاطِقِينَ بِهِ نِزَاعًا كَثِيرًا فَإِنْ أَرَادَ تَنْزِيهَهُ عَنْ مَعْنًى يَجِبُ تَنْزِيهُ عَنْهُ مِثْلَ أَنْ يُنَزِّهَهُ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ فَهَذَا حَقٌّ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ الرَّبَّ جِسْمًا مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُبْتَدَعَةِ ضَلَالًا دَعْ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَحْمٌ وَدَمٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الضَّلَالَاتِ الْمَنْقُولَةِ عَنْهُمْ وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ مَا ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ وَحَقِيقَةُ الْعَقْلِ أَيْضًا مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ وَلَهُ فَهَذَا حَقٌّ وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَجْسِيمًا أَوْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَكُونُ إلَّا لِجِسْمٍ فَمَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ هُوَ حَقٌّ وَإِذَا لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَعْنِيهِ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِلَفْظِ الْجِسْمِ فَلَازِمِ الْحَقِّ حَقٌّ كَيْفَ وَالْمُثْبِتَةُ تَقُولُ إنَّ ثُبُوتَ هَذَا مَعْلُومٌ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَنَظَرِهِ وَهَكَذَا مُثْبِتُ لَفْظِ الْجِسْمِ إنْ أَرَادَ بِإِثْبَاتِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ صَوَّبْنَا مَعْنَاهُ وَمَنَعْنَاهُ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمُبْتَدَعَةِ الْمُجْمَلَةِ وَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ الْجِسْمِ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهُ مِنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ رَدَدْنَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَبَيَّنَّا ضَلَالَهُ وَإِفْكَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ نَقْلنَا الْكَلَامَ مَعَهُ إلَى إبْطَالِ التَّجْسِيمِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَدِلَّةَ النَّافِينَ وَالْمُثْبَتِينَ مُسْتَوْفَاةً فِي بَيَانُ تَلْبِيسِ الْجَهْمِيَّةِ فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِمْ الْكَلَامِيَّةِ وَتَبَيَّنَ لِكُلِّ مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٌ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَدِلَّةِ النَّفْيِ كُلِّهَا حُجَجٌ دَاحِضَةٌ وَأَنَّ جَانِبَ الْمُثْبِتَةِ أَقْوَى وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي أَقُولُ إنَّهُ إذَا نُظِرَ إلَى إسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَسَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَجَمِيعِ الْوُفُودِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يَعْرِفْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّينَ وَأَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَدَلَائِلِ الرِّسَالَةِ لَا مِنْ قَبْلِ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ وَلَا مِنْ بَابِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَلَا مِنْ بَابِ كَانَ وَيَكُونُ وَلَوْ كَانَ النَّظَرُ فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا وَفِي الْجِسْمِ وَنَفْيِهِ وَالتَّشْبِيهِ وَنَفْيِهِ لَازِمًا مَا أَضَاعُوهُ وَلَوْ أَضَاعُوا الْوَاجِبَ لَمَا نَطَقَ الْقُرْآنُ بِتَزْكِيَتِهِمْ وَتَقْدِيمِهِمْ وَلَا أَطْنَبَ فِي مَدْحِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِلْمِهِمْ مَشْهُورًا وَمِنْ أَخْلَاقِهِمْ مَعْرُوفًا لَاسْتَفَاضَ عَنْهُمْ وَشَهَرُوا بِهِ كَمَا شَهَرُوا بِالْقُرْآنِ وَالرِّوَايَاتِ.

ص: 547

الْوَجْهُ السِّتُّونَ: إنَّ قَوْلَهُ وَالرَّبُّ وَاحِدٌ وَمُتَّصِفٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَمُتَقَدِّسٌ عَنْ التَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَقَوْلُ ابْنِ فُورَكٍ لِأَنَّ الرَّبَّ مُتَكَلِّمٌ وَاحِدٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ الَّتِي يَصِفُونَ فِيهَا الرَّبَّ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَيُشْعِرُونَ النَّاسَ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ مُوَحِّدُونَ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي التَّوْحِيدِ وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْإِلْحَادِ الَّتِي أَفْسَدُوا بِهَا التَّوْحِيدَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمُحْدَثُ قَدْ زَيَّنَ لِهَؤُلَاءِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُسْلِمِينَ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ بِذَلِكَ مُحْسِنُونَ حَتَّى سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ مُوَحِّدِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ مِنْهُمْ وَحَتَّى كَفَرُوا وَعَادَوْا الْمُسْلِمِينَ أَهْلَ التَّوْحِيدِ حَقًّا وَكَانُوا عَلَى الْأُمَّةِ أَضَرَّ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ الَّذِي يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَهَؤُلَاءِ الْكِلَابِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ إنَّمَا أَخَذُوهُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْجَهْمِيَّةِ وَلَمْ يُوَافِقُوهُمْ عَلَيْهِ كُلِّهِ بَلْ وَافَقُوهُمْ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا هُوَ أَصْلُ جَهْمٍ الَّذِي أَسَّسَ عَلَيْهِ ضَلَالَاتِهِ وَهَؤُلَاءِ يُفَسِّرُونَ التَّوْحِيدَ وَاسْمَ اللَّهِ الْوَاحِدِ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّوْحِيدُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي تَحْقِيقِ تِلْكَ الْمَعَانِي اخْتِلَافًا عَظِيمًا فَيَقُولُونَ فِي اسْمِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ لَهُ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ إحْدَاهَا: الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَرَكَّبُ وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا تَفْسِيرُ اسْمِ الْأَحَدِ وَهَذِهِ الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا هُنَا.

قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي إرْشَادِهِ الْقَوْلُ فِي وَحْدَانِيَّةِ الْبَارِي. فَصْلٌ فِي حَقِيقَةِ الْوَاحِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْوَاحِدُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ أَوْ لَا يَصِحُّ انْقِسَامُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ قُلْت الْوَاحِدُ هُوَ الشَّيْءُ كَانَ كَافِيًا هُوَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَرْكِيبٌ وَفِي قَوْلِ الْقَائِلِ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ نَوْعُ تَرْكِيبٍ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي يُقَالُ لِلْقَاضِي التَّرْكِيبُ الْمَحْدُودُ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ إلْحَادٌ بِوَصْفٍ زَائِدٍ يَسْتَغْنِي عَنْهُ وَقَدْ لَا يُفْهَمُ مِنْ الشَّيْءِ الْمُطْلَقِ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُقَيَّدِ فَلَيْسَ يُفْهَمُ مِنْ الشَّيْءِ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ فَإِنَّ الْوَحْدَةَ تُشْعِرُ بِانْتِفَاءِ الْقِسْمَةِ عَنْ الشَّيْءِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّحْدِيدِ الْإِيضَاحُ أَجَابَ الْقَاضِي بِأَنْ قَالَ كَلَامُنَا فِي الْحَقَائِقِ وَالشَّيْءِ الْمُطْلَقِ هُوَ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ.

يُقَالُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَحْدَةَ تُشْعِرُ بِانْتِفَاءِ الْقِسْمَةِ عَنْ الشَّيْءِ فَهُمَا أَمْرَانِ مُتَلَازِمَانِ لَا

ص: 548

بُدَّ مِنْ التَّعْرِيضِ لَهُمَا كَمَا قُلْنَا فِي الْغِيَرَيْنِ كُلُّ مَوْجُودَيْنِ يَجُوزُ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِوَجْهٍ ثُمَّ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا سُئِلْنَا عَنْ الْوَاحِدِ فَنَقُولُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ مَعَانٍ فَقَدْ يُرَادُ بِهَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ وُجُودُهُ الْقِسْمَةَ وَقَدْ يُطْلَقُ وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْإِشْكَالِ وَالنَّظَائِرِ عَنْهُ وَقَدْ يُطْلَقُ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَلَاذَ سِوَاهُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مُتَحَقِّقَةٌ فِي وَصْفِ الْقَدِيمِ سُبْحَانَهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لَا قَسِيمَ لَهُ وَوَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ لَا شَبِيهَ لَهُ وَوَاحِدٌ فِي أَفْعَالِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالَ شَارِحُ الْإِرْشَادِ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ شَيْخُ الشِّهْرِسْتَانِيّ وَحَكَى عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ الْوَاحِدُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ وَالْوَضْعَ يَعْنِي الْفَصْلَ وَالْوَصْلَ أَشَارَ إلَى وَحْدَةِ الْإِلَهِ فَإِنَّ الْجَوْهَرَ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ وَلَكِنْ يَقْبَلُ النِّهَايَةَ، الْإِلَهُ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَقْبَلُ فَصْلًا وَلَا وَصْلًا وَنَحْنُ قَدْ أَقَمْنَا الدَّلَالَةَ فِي مَسْأَلَةِ نَفْيِ التَّجْسِيمِ عَلَى نَفْيِ الْأَقْسَامِ وَأَقَمْنَا الدَّلَالَةَ عَلَى نَفْيِ الْمِثْلِ وَبَقِيَ عَلَيْنَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ قُلْت أَمَّا نَفْيُ الْمِثْلِ عَنْ اللَّهِ وَنَفْيُ الشَّرِيكِ فَثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ لَكِنْ قَدْ يُدْخِلُ طَوَائِفُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةِ بَلْ يَنْفِيَانِهِ وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ بِنَفْيِ الِانْقِسَامِ فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ قَطُّ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ يُقَالُ إنَّهُ وَاحِدٌ إلَّا الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْجَوْهَرِ الْفَرْدِ مَعَ أَنَّ أَبَا الْمَعَالِي هُوَ مِنْ الشَّاكِّينَ فِي ثُبُوتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ فَإِذًا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ إنَّهُ وَاحِدٌ وَهَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْعَقْلِ وَإِذْ قِيلَ الْوَاحِدُ هُوَ الشَّيْءُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فَلَا يَكُونُ قَدْ خَلَقَ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ وَاحِدًا عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي فَسَّرُوهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُسَمِّيَ أَحَدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ شَيْئًا ثُمَّ إنَّهُمْ يُسَمُّونَ؛ أَهْلَ الْكَلَامِ الْمُوَحِّدِينَ وَيُسَمُّونَ مَا كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَهُ الْكَلَامَ عِلْمَ التَّوْحِيدِ حَتَّى قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي أَوَّلِ إرْشَادِهِ بَعْدَ أَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِاسْتِكْمَالٍ مِنْ الْبُلُوغِ أَوْ الْحُلُمِ شَرْعًا الْقَصْدُ إلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ.

قَالَ وَالنَّظَرُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُوَحِّدِينَ هُوَ الْفِكْرُ الَّذِي يَطْلُبُ مَنْ قَامَ بِهِ عِلْمًا أَوْ غَلَبَةَ ظَنٍّ وَأَيْضًا فَإِنَّ اسْمَ الْوَاحِدِ أَوْ الْأَحَدِ قَدْ جَعَلُوا لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكًا آخَرَ لِمَوْجُودَاتٍ وَهُوَ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ وَجَعَلَتْ الْمُتَفَلْسِفَة لَهُ فِي ذَلِكَ شُرَكَاءَ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ كَالنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عُمْدَةَ أَصْحَابِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ

ص: 549

لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُون مَحِلًّا لِلْحَوَادِثِ هُوَ مِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ مَنْ يَعْرِفُ أُصُولَ الْكَلَامِ وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ أَفْضَلَ مُتَأَخِّرِيهِمْ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ فِي إرْشَادِهِ الَّذِي الْتَزَمَ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ قَوَاطِعَ الْأَدِلَّةِ. فَإِنَّهُ قَالَ فَصْلٌ الْبَارِي تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ آمِرٌ نَاهٍ مُخْبِرٌ وَاعِدٌ مُتَوَعِّدٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي خُلَلِ إثْبَاتِ أَحْكَامِ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَنَّ الطَّرِيقَ إلَى إثْبَاتِ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الرَّبِّ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا عِنْدَ أُسْتَاذِنَا نَفَى النَّقَائِصَ إلَى السَّمْعِ وَتَوْجِيهِنَا عَلَى أَنْفُسِنَا السُّؤَالَ عَمَّا ثَبَتَ بِالسَّمْعِ قَالَ فَإِذَا صَحَّ كَوْنُ الْبَارِي مُتَكَلِّمًا فَقَدْ آنَ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِي صِفَةِ كَلَامِهِ فَاعْلَمُوا أُوقِيتُمْ الْبِدَعَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ أَزَلِيٍّ لَا مُفْتَتَحَ لِوُجُودِهِ وَأَطْبَقَ الْمُنْتَمُونَ إلَى الْإِسْلَامِ عَلَى إثْبَاتِ الْكَلَامِ وَلَمْ يَصِرْ مِنْهُمْ صَائِرٌ إلَى نَفْيِهِ وَلَمْ يَنْتَحِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا نِحْلَةَ نُفَاةِ الصِّفَاتِ فِي كَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا حَيًّا ثُمَّ ذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَالزَّيْدِيَّةُ وَالْإِمَامِيَّةِ وَمَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْبَارِي تَعَالَى عَنْ قَوْلِ الزَّائِغِينَ حَادِثٌ مُسْتَفْتِحُ الْوُجُودِ وَصَارَ صَائِرُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ إلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ مَخْلُوقًا مَعَ الْقَطْعِ بِحُدُوثِهِ لِمَا فِي لَفْظِ الْمَخْلُوقِ مِنْ إيهَامِ الْخَلْقِ إذْ الْكَلَامُ الْمُخْتَلَقُ هُوَ الَّذِي يُبْدِيهِ الْمُتَكَلِّمُ تَخَرُّصًا مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ وَأَطْلَقَ مُعْظَمُ الْمُعْتَزِلَةِ لَفْظَ الْمَخْلُوقِ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ وَذَهَبَتْ الْكَرَّامِيَّةُ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ قَدِيمٌ وَالْقَوْلَ حَادِثٌ غَيْرُ مُحْدَثٍ وَالْقُرْآنَ قَوْلُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِكَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الْقُدْرَةُ عَلَى التَّكَلُّمِ وَقَوْلُهُ حَادِثٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى عَلَى قَوْلِ الْمُبْطِلِينَ وَهُوَ غَيْرُ قَائِلٍ بِالْقَوْلِ الَّذِي قَامَ بِهِ بَلْ هُوَ قَائِلٌ بِالْقَابِلِيَّةِ وَكُلُّ مُفْتَتِحِ وُجُودِهِ قَائِمٌ بِالرَّبِّ فَهُوَ حَادِثٌ بِالْقُدْرَةِ غَيْرُ مُحْدَثٍ وَكُلُّ مُحْدَثٍ مُبَايِنٌ لِلذَّاتِ فَهُوَ مُحْدَثٌ بِقَوْلِهِ كُنْ لَا بِالْقُدْرَةِ فِي هَذَيَانٍ طَوِيلٍ لَا يَسَعُ هَذَا الْمُعْتَقَدَ اسْتِقْصَاؤُهُ وَغَرَضُنَا مِنْ إيضَاحِ الْحَقِّ وَالرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِيهِ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ فُصُولٍ فِي مَاهِيَّةِ الْكَلَامِ وَحَقِيقَتِهِ شَاهِدًا حَتَّى إذَا وَضَحَتْ الْأَغْرَاضُ مِنْهَا انْعَطَفْنَا بَعْدَهَا إلَى مَقْصِدِنَا وَقَدْ الْتَزَمْنَا التَّمَسُّكَ بِالْقَوَاطِعِ فِي هَذَا الْمُعْتَقَدِ عَلَى صِغَرِ حَجْمِهِ وَآثَرْنَا إجْرَاءَهُ عَلَى خِلَافِ مَا صَادَفْنَا مِنْ مُعْتَقَدَاتِ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا الشَّرْطُ يُلْزِمُنَا ظِرَافًا مِنْ الْبَسْطِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَهَا نَحْنُ خَائِضُونَ فِيهِ ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي حَدِّ الْكَلَامِ ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مَنْ قَامَ بِهِ الْكَلَامُ

ص: 550

لَا مَنْ فَعَلَهُ ثُمَّ بَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ قَائِمًا بِهِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ اسْتِحَالَةُ كَوْنِهِ حَادًّا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى اسْتِحَالَةِ قَبُولِهِ لِلْحَوَادِثِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ إلَّا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ فِي وَصْفِ الْبَارِي تَعَالَى بِكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِهِ وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ.

فَصْلٌ مِمَّا يُخَالِفُ الْجَوْهَرُ فِيهِ حُكْمَ الْإِلَهِ قَبُولَ الْأَعْرَاضِ وَصِحَّةَ الِاتِّصَافِ بِالْحَوَادِثِ وَالرَّبُّ سبحانه وتعالى مُتَقَدِّسٌ عَنْ قَبُولِ الْحَوَادِثِ قَالَ وَذَهَبَتْ الْكَرَّامِيَّةُ إلَى أَنَّ الْحَوَادِثَ تَقُومُ بِذَاتِ الْإِلَهِ تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِمْ ثُمَّ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ الْحَوَادِثِ قَالَ وَصَارُوا إلَى جَهَالَةٍ لَمْ يُسْبَقُوا إلَيْهَا فَقَالُوا الْقَوْلُ الْحَادِثُ يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ سبحانه وتعالى وَهُوَ غَيْرُ قَائِلٍ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَائِلٌ بِالْقَابِلِيَّةِ وَحَقِيقَةُ أُصُولِهِمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الرَّبِّ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَجَدَّدَ وَكَذَلِكَ وَصَفُوهُ بِكَوْنِهِ تَعَالَى خَالِقًا فِي الْأَزَلِ فَلَمْ يَتَحَاشَوْا مِنْ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ وَتَنَكَّبُوا إثْبَاتَ وَصْفٍ جَدِيدٍ لَهُ ذِكْرًا وَقَوْلًا قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ مَا قَالُوهُ أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْحَوَادِثَ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْجَوَاهِرِ حَيْثُ قَضَيْنَا بِاسْتِحَالَةِ تَعَرِّيهَا عَنْ الْأَعْرَاضِ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ لَمْ يَسْبِقْهَا وَيَنْسَاقُ ذَلِكَ إلَى الْحُكْمِ بِحُدُوثِ الصَّانِعِ.

قَالَ وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ مَعَ مَصِيرِهِمْ إلَى تَجْوِيزِ خُلُوِّ الْجَوْهَرِ عَنْ الْأَعْرَاضِ عَلَى تَفْصِيلٍ لَهُمْ أَشَرْنَا إلَيْهِ وَإِثْبَاتُهُمْ أَحْكَامًا مُتَجَدِّدَةً لِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ الْإِرَادَاتِ الْحَادِثَةِ الْقَائِمَةِ لَا بِمُحَالٍ عَلَى زَعْمِهِمْ وَبِصَدِّهِمْ أَيْضًا عَنْ طَرْدِ الدَّلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ تَجَدُّدُ أَحْكَامِ الذَّاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْحُدُوثِ لَمْ يَبْعُدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي اعْتِوَارِ نَفْسِ الْأَعْرَاضِ عَلَى الذَّاتِ قَالَ وَتَقُولُ الْكَرَّامِيَّةُ مَصِيرُكُمْ إلَى إثْبَاتِ قَوْلٍ حَادِثٍ مَعَ نَفْيِكُمْ اتِّصَاف الرَّبِّ بِهِ تَنَاقُضٌ إذْ لَوْ جَازَ قِيَامُ مَعْنًى بِمَحَلٍّ غَائِبٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَحَلُّ بِحُكْمِهِ لَجَازَ شَاهِدًا قِيَامُ أَقْوَالٍ وَعُلُومٍ وَإِرَادَاتٍ بِمَحَالَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَّصِفَ الْمَحَالُّ بِأَحْكَامٍ مُرَكَّبَةٍ عَلَى الْمَعَانِي وَذَلِكَ يَخْلِطُ الْحَقَائِقَ وَيَجُرُّ إلَى الْجَهَالَاتِ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ إذَا جَوَّزْتُمْ قِيَامَ ضُرُوبٍ مِنْ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَجْوِيزِ قِيَامِ أَكْوَانٍ حَادِثَةٍ بِذَاتِهِ عَلَى التَّعَاقُبِ وَكَذَلِكَ سَبِيلُ الْإِلْزَامِ فِيمَا

ص: 551

يُوَافِقُونَنَا عَلَى اسْتِحَالَةِ قِيَامِهِ بِهِ مِنْ الْحَوَادِثِ وَمِمَّا يَلْزَمُهُمْ تَجْوِيزُ قِيَامِ قُدْرَةٍ حَادِثَةٍ وَعِلْمٍ حَادِثٍ بِذَاتِهِ عَلَى حَسَبِ أَصْلِهِمْ فِي الْقَوْلِ وَالْإِرَادَةِ الْحَادِثَتَيْنِ وَلَا يَجِدُونَ بَيْنَ مَا جَوَّزُوهُ وَامْتَنَعُوا مِنْهُ فَصْلًا وَنَقُولُ أَيْضًا إذَا وَصَفْتُمْ الْبَارِيَ تَعَالَى بِكَوْنِهِ مُتَحَيِّزًا وَكُلُّ مُتَحَيِّزٍ وَحَجْمٍ جُرْمٌ فَلَا يَتَقَرَّرُ فِي الْمَعْقُولِ خُلُوُّ الْأَجْرَامِ عَنْ الْأَكْوَانِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَجْوِيزِ قِيَامِ الْأَكْوَانِ بِذَاتِ الرَّبِّ وَلَا مَحِيصَ لَهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا أَلْزَمُوهُ.

قُلْت هَذِهِ جُمْلَةُ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَلْفَاظِهِ وَمَدْلُولِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: إنَّهُ لَوْ قَبِلَهَا لَمْ يَخْلُ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ وَالثَّانِي: إنَّهُ لَوْ قَبِلَهَا لَاتَّصَفَ بِهَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إذَا قَبِلَ بَعْضَهَا فَيَجِبُ أَنْ يَقْبَلَ غَيْرَهُ.

وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَهَاتَانِ الْحُجَّتَانِ الثَّانِيَتَانِ جَدَلِيَّتَانِ فَإِنَّ كَوْنَهُ مُتَّصِفًا بِالْأَفْعَالِ الَّتِي تَقُومُ بِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَّصِفٍ إلَّا بِالصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لَهُ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ وَكَذَلِكَ كَوْنُ الْمُنَازِعِ جَوَّزَ قِيَامَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يُبَيِّنَ فَرْقًا بَيْنَ الْمَمْنُوعِ وَالْمُجَوَّزِ أَوْ لَا يُبَيِّنُ فَرْقًا فَإِنْ بَيَّنَ فَرْقًا ثَبَتَ الْفَرْقُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَرْقًا فَقَدْ يَكُونُ عَجْزًا مِنْهُ وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ إمَّا جَوَازُ الْجَمِيعِ وَإِمَّا الْمَنْعُ مِنْ الْجَمِيعِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الِامْتِنَاعُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ حُجَّةً إلَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ قَبِلَهَا لَمْ يَخْلُ مِنْهَا وَهَذِهِ حُجَّةٌ أَحَالَ فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْحَوَادِثَ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْجَوَاهِرِ حَيْثُ قَضَيْنَا بِاسْتِحَالَةِ تَعَرِّيهَا عَنْ الْأَعْرَاضِ وَهَذَا الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الطَّرِيقَةَ الْمَشْهُورَةَ الْكَلَامِيَّةَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أُصُولٍ قَالَ وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّالِثُ فَهُوَ يُبَيِّنُ، اسْتِحَالَةَ تَعَرِّي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْأَعْرَاضِ.

فَاَلَّذِي صَارَ إلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ أَنَّ الْجَوْهَرَ لَا يَخْلُو عَنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ وَعَنْ جَمِيعِ أَضْدَادِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ أَضْدَادٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ لَمْ يَخْلُ الْجَوْهَرُ عَنْ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ فَإِنْ قُدِّرَ عَرَضٌ لَا ضِدَّ لَهُ لَمْ يَخْلُ الْجَوْهَرُ عَنْ قَبُولِ وَاحِدٍ مِنْ جِنْسِهِ قَالَ وَجَوَّزَتْ الْمُلْحِدَةُ خُلُوَّ الْجَوَاهِرِ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ وَالْجَوَاهِرُ فِي اصْطِلَاحِهِمْ تُسَمَّى الْهَيُولَى وَالْمَادَّةُ وَالْأَعْرَاضُ تُسَمَّى الصُّوَرُ وَجَوَّزَ الصَّالِحِيُّ الْخُلُوَّ عَنْ جُمْلَةِ الْأَعْرَاضِ ابْتِدَاءً وَمَنَعَ الْبَصْرِيُّونَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْعُرُوَّ عَنْ الْأَكْوَانِ وَجَوَّزُوا الْعُرُوَّ عَمَّا عَدَاهَا وَقَالَ الْكَعْبِيُّ وَمُتُوعُهُ يُجَوِّزُ الْخُلُوَّ عَمَّا سِوَى الْأَكْوَانِ وَيَمْتَنِعُ الْخُلُوُّ عَنْ الْأَكْوَانِ قَالَ وَكُلُّ مُخَالِفٍ لَنَا وَافَقَنَا عَلَى امْتِنَاعِ الْعُرُوِّ عَنْ

ص: 552

الْأَعْرَاضِ بَعْدَ قَبُولِ الْجَوَاهِرِ فَيُفْرَضُ الْكَلَامُ مَعَ الْمُلْحِدَةِ فِي الْأَكْوَانِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهَا يَسْتَنِدُ إلَى الضَّرُورَةِ فَإِنَّا بِبَدِيهَةِ الْمَعْقُولِ نَعْلَمُ أَنَّ الْجَوَاهِرَ الْقَابِلَةَ لِلِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ لَا تُعْقَلُ غَيْرَ مُمَاسَّةٍ وَلَا مُتَبَايِنَةٍ وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيمَا لَا يُزَالُ فَلَا يَتَقَرَّرُ فِي الْعَقْلِ اجْتِمَاعُهَا إلَّا عَنْ افْتِرَاقٍ سَابِقٍ إذَا قُدِّرَ لَهَا الْوُجُودُ قَبْلَ الِاجْتِمَاعِ.

وَكَذَلِكَ إذَا طَرَأَ الِافْتِرَاقُ عَلَيْهَا اضْطَرَرْنَا إلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ الِافْتِرَاقَ مَسْبُوقٌ بِاجْتِمَاعٍ وَغَرَضُنَا فِي رَوْمِ إثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ يَتَّضِحُ بِالْأَكْوَانِ وَإِنْ حَاوَلْنَا رَدًّا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِيمَا خَالَفُونَا فِيهِ تَمَسُّكًا بِنُكْتَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الِاسْتِشْهَادُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعِ الْعُرُوِّ عَنْ الْأَعْرَاضِ بَعْدَ الِاتِّصَافِ بِهَا فَنَقُولُ كُلُّ عَرَضٍ بَاقٍ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي عَنْ مَحَلِّهِ بِطَرَيَانِ ضِدِّهِ وَالضِّدُّ إنَّمَا يَطْرَأُ فِي حَالِ عَدَمِ الْمُنْتَفِي بِهِ عَلَى زَعْمِهِمْ فَإِذَا انْتَفَى الْبَيَاضُ فَهَلَّا جَازَ أَنْ لَا يَحْدُثَ بَعْدَ انْتِفَائِهِ لَوْنٌ إنْ كَانَ يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْخُلُوِّ عَنْ الْأَلْوَانِ ابْتِدَاءً وَتَطَّرِدُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي أَجْنَاسِ الْأَعْرَاضِ وَنَقُولُ أَيْضًا الدَّالُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِذَاتِ الرَّبِّ سبحانه وتعالى أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ عَنْهَا وَذَلِكَ يَقْضِي بِحُدُوثِهِ فَإِذَا جَوَّزَ الْخَصْمُ عُرُوَّ الْجَوْهَرِ عَنْ حَوَادِثَ مَعَ قَبُولِهِ لَهَا صِحَّةً وَجَوَازًا فَلَا يَسْتَقِيمُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ قَبُولِ الْبَارِي تَعَالَى لِلْحَوَادِثِ.

قُلْت فَهَذَا جُمْلَةُ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حُجَّةً أَصْلًا عَلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ فِيهِ إحَالَةٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: الْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ أَنَّ الْجَوْهَرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ عَنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ وَعَنْ أَضْدَادِهَا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ عَرْضٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ ضِدٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُ إنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ كَدَعْوَى الطَّعْمِ وَالرِّيحِ لِلْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي مُقَابَلَةِ هَذَا وَهُوَ جَوَازُ خُلُوِّهِ عَنْ كُلِّ عَرَضٍ.

وَالثَّالِثُ: الْخُلُوُّ عَنْ جَمِيعِهَا فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ يَمْتَنِعُ خُلُوُّهُ عَنْ الْأَكْوَانِ وَيَجُوزُ خُلُوُّهُ عَمَّا سِوَاهَا وَهُوَ قَوْلُ بَصْرِيِّ الْمُعْتَزِلَةِ.

وَالْخَامِسُ: امْتِنَاعُ خُلُوِّهَا عَنْ الْأَكْوَانِ دُونَ مَا سِوَاهَا وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّ الْكَعْبِيِّ وَأَتْبَاعِهِ وَهُمْ أَغْلَظُ بِدْعَةً مِنْ الْبَصْرِيِّينَ ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُقِمْ دَلِيلًا إلَّا عَلَى الْأَكْوَانِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَا قَبْلَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ لَمْ يُعْقَلْ إلَّا مُجْتَمَعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا وَذَكَرَ أَنَّ

ص: 553

مَقْصُودَهُ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ يَتِمُّ بِالْأَكْوَانِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُجَوِّزُ خُلُوَّهَا عَنْ الْأَكْوَانِ وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَهُ فِي ذَلِكَ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِحُجَّتَيْنِ إلْزَامِيَّتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا حُجَّةٌ عِلْمِيَّةٌ إحْدَاهُمَا مَا سَلَّمُوهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْخُلُوِّ بَعْدَ قِيَامِ الْعَرَضِ وَسَوَّى بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَقَالَ إذَا جَازَ أَنْ يَخْلُوَ قَبْلَ قِيَامِ الْعَرَضِ عَنْ الضِّدَّيْنِ جَازَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُ إنْ كَانَتْ هَذِهِ التَّسْوِيَةُ بَاطِلَةً ثَبَتَ الْفَرْقُ وَبَطَلَ قَوْلُك وَإِنْ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ صَحِيحَةً لَزِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا جَوَازُ الْخُلُوِّ قَبْلُ وَبَعْدُ أَوْ امْتِنَاعُ الْخُلُوِّ قَبْلُ وَبَعْدُ لَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وَمُوَافَقَةُ الْمُنَازِعِ لَك عَلَى امْتِنَاعِ الْخُلُوِّ بَعْدُ لَا يُفِيدُك أَنْتَ عِلْمًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَك وَلَا لَهُ حُجَّةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ يُعْلَمُ بِهَا امْتِنَاعُ الْخُلُوِّ فِيمَا بَعْدُ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِ مَا قَبْلُ وَلَيْسَ مَعَك فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَإِ إذْ ذَاكَ إجْمَاعُ الْمُؤْمِنِينَ.

وَطَائِفَةُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى خَطَأٍ إذَا أَكْثَرُ الْأُمَّةِ يُخَطِّئُهُمْ كُلَّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى عَدَمِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ غَرَضُنَا الْكَلَامَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ قَوْلُهُ فِي النُّكْتَةِ الثَّانِيَةِ الدَّالُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِذَاتِ الرَّبِّ سبحانه وتعالى أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ عَنْهَا وَذَلِكَ يَقْضِي بِحُدُوثِهِ فَإِذَا جَوَّزَ الْخَصْمُ عُرُوَّ الْجَوْهَرِ عَنْ الْحَوَادِثِ مَعَ قَبُولِهِ لَهَا صِحَّةً وَجَوَازًا فَلَا يَسْتَقِيمُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ قَبُولِ الْبَارِي لِلْحَوَادِثِ.

فَيُقَالُ لَك: أَنْتَ قَدْ ذَكَرْت أَيْضًا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أُصُولِهِمْ الِاحْتِجَاجُ عَلَى أَنَّ الْحَوَادِثَ لَا تَقُومُ بِذَاتِ الْبَارِي مَعَ تَجْوِيزِهِمْ خُلُوَّ الْجَوَاهِرِ عَنْ الْأَعْرَاضِ وَمَعَ قَضَائِهِمْ بِتَجَدُّدِ أَحْكَامِ الرَّبِّ تبارك وتعالى وَأَمَّا أَنْتَ وَأَصْحَابُك فَلَمْ تَذْكُرُوا حُجَّةً عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ خُلُوُّ الْجَوَاهِرِ عَنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَعْرَاضِ وَلَا أَقَمْتُمْ حُجَّةً عَلَى أَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو مِنْهُ وَمِنْ ضِدِّهِ وَلَا أَقَمْتُمْ حُجَّةً عَلَى اسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ بَلْ أَنْتَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوَادِثِ جَعَلْت الدَّلِيلَ الْقَاطِعَ الَّذِي تَحْتَجُّ بِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَابِهِ مِثْلُهُ هُوَ قَوْلُك أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْحَوَادِثَ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْجَوَاهِرِ حَيْثُ قَضَيْنَا بِاسْتِحَالَةِ تَعَرِّيهَا عَنْ الْأَعْرَاضِ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ لَمْ يَسْبِقْهَا وَيَنْسَاقُ ذَلِكَ إلَى الْحُكْمِ بِحُدُوثِ الصَّانِعِ فَيُقَالُ لَهُ قَوْلُك لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ إحَالَةً عَلَى مَا مَضَى وَأَنْتَ لَمْ تُقَرِّرْ فِيمَا مَضَى أَنَّ مَا قَبْلَ الشَّيْءِ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ وَلَا قَرَّرْت أَنَّ كُلَّ جَوْهَرٍ قَبِلَ عَرَضًا يَسْتَحِيلُ خُلُوُّهُ عَنْهُ وَلَا قَرَّرْت أَيْضًا اسْتِحَالَةَ

ص: 554

تَعَرِّي الْجَوَاهِرِ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ إذْ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إمْكَانُ قِيَامِ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ بِكُلِّ جَوْهَرٍ، الثَّانِيَةُ أَنَّ الْقَابِلَ لِشَيْءٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ وَمِنْ ضِدِّهِ وَأَنْتَ لَمْ تَذْكُرْ حُجَّةً عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَايَةُ مَا ذَكَرْت أَنَّك أَثْبَتّ الْأَكْوَانَ الَّتِي هِيَ الِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ فَقَطْ وَأَنَّك ادَّعَيْت تَنَاقُضَ الْمُعْتَزِلَةَ حَيْثُ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا قَبْلَ الِاتِّصَافِ وَبَعْدَهُ وَحَيْثُ إنَّهُمْ إذَا جَوَّزُوا خُلُوَّ الْجَوْهَرِ عَنْ بَعْضِ الْحَوَادِثِ مَعَ قَبُولِهِ بَطَلَ الِاسْتِدْلَال عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِذَاتِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ قَبُولِ الْبَارِي لِلْحَوَادِثِ فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ تَنَاقُضِ الْمُعْتَزِلَةَ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِالرَّبِّ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ إلَّا هَذِهِ الْحُجَّةَ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْجَوْهَرُ الْعَرَضَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ ثُمَّ هَذِهِ الدَّعْوَى لَمْ تَذْكُرْ أَنْتَ أَيْضًا عَلَيْهَا حُجَّةً أَصْلًا فَقَدْ أَقْرَرْت بِأَنَّ قَوْلَ أَصْحَابِك وَقَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ قَبُولِ الْحَوَادِثِ قَوْلٌ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا فَأَيْنَ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ فِي ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ قَاطِعًا وَهَذَا إذَا تَدَبَّرَهُ الْعَاقِلُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْقَوْمَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي الْأَكْوَانِ كَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ فَيُقَالُ هَذَا حَقٌّ، فَإِنَّ مَا كَانَ قَابِلًا أَنْ يَكُونَ مُجْتَمِعًا وَأَنْ يَكُونَ مُفْتَرِقًا لَكِنْ هَذَا لَا عُمُومَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَالْأَعْرَاضِ وَغَايَتُهُ أَنْ يُثْبِتَ نَظِيرَهُ فِي الرَّبِّ فَيَقُولَ إذَا كَانَتْ ذَاتُهُ قَابِلَةً لِلِاجْتِمَاعِ أَوْ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجْتَمِعًا أَوْ مُفْتَرِقًا فَالْمُنَازِعُ لَك إنْ لَمْ يُسَلِّمْ قَبُولَهُ لِهَذَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ لَا يُسَلِّمَ قَبُولَهُ لِغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ كَمَا تَقُولُهُ أَنْتَ وَإِنْ سَلَّمَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ وَالصَّمَدُ أَصْلُهُ الْمُجْتَمِعُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ اجْتِمَاعُهُ كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَهُوَ مِنْ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لَهُ الَّتِي لَا يَجُوزُ عَدَمُهَا وَلَيْسَ مِنْ الْحَوَادِثِ فَصِفَاتُ الْجَوْهَرِ الْمَخْلُوقَةِ تَقْبَلُ الزَّوَالَ إذْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الْبَقَاءُ بِخِلَافِ صِفَاتِ اللَّهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ كَمَا أَنَّ ذَوَاتِ الْجَوْهَرِ الْمَخْلُوقَةِ تَقْبَلُ الْعَدَمَ وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى حُدُوثِ الْجَوَاهِرِ أَيْضًا كَمَا لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِالرَّبِّ فَإِنَّ دَلِيلَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْبَعِ مُقَدِّمَاتٍ ثُبُوتِ الْأَعْرَاضِ وَثُبُوتِ أَنَّهَا جَمِيعًا حَادِثَةٌ وَأَنَّ الْجَوْهَرَ لَا يَخْلُو مِنْهَا وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا وَهُوَ لَمْ يُثْبِتْ مِنْ الْأَعْرَاضِ اللَّازِمَةِ لِلْجَوَاهِرِ إلَّا الْأَكْوَانَ (الِاجْتِمَاعُ

ص: 555

وَالِافْتِرَاقُ) وَهُوَ لَمْ يُثْبِتْ حُدُوثَهَا إلَّا بِقَبُولِهَا الْعَدَمَ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُهُ لَمْ يُعْلَمْ حُدُوثُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ جَوَازُ تَفَرُّقِ كُلِّ الْأَجْسَامِ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي أَنَّ مَا ثَبَتَ عَدَمُهُ امْتَنَعَ قِدَمُهُ فِيهَا كَلَامٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَةِ حُلُولِ الْحَوَادِثِ الَّتِي جَعَلَتْهَا الْجَهْمِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَصْلًا عَظِيمًا فِي تَعْطِيلِ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29] وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ أَنْ يَفْعَلَ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ فَاعِلًا يَفْعَلُ وَحَالُهُ قَبْلَ الْفِعْلِ وَبَعْدُ سَوَاءٌ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ فِعْلُ نَفْسِهِ هُوَ فِي الْمَعْقُولِ أَبْعَدُ مِنْ كَوْنِ السَّاكِنِ الَّذِي سُكُونُهُ قَدِيمٌ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَحَرَّكَ لِأَنَّ السُّكُونَ الْقَدِيمَ يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ وَلَوْ عَرَضَ عَلَى الْعَقْلِ الصَّحِيحِ جَوَازُ أَنْ يُبْدِعَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فِعْلٌ أَصْلًا وَجَوَازُ أَنْ يَفْعَلَ وَيَكُونَ فِعْلُهُ فِي نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ تَارِكًا لَكَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى عَقْلِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا الثَّانِي مَعْقُولٌ وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مَعْقُولٍ.

وَبِهَذَا اسْتَطَالَتْ عَلَيْهِمْ الدَّهْرِيَّةُ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا حُدُوثَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ وَمَضْمُونُ عُمُومِ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ ادَّعَوْا حُدُوثَ كُلِّ مَوْجُودٍ لَكِنْ لَمْ يَقْصِدُوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ وَالدَّهْرِيَّةُ ادَّعَوْا قِدَمَ السَّمَوَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا كُفْرٌ بَاطِلٌ أَيْضًا لَكِنْ صَارَ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يُعَارِضُ الْآخَرَ بِحُجَجٍ تُبْطِلُ حُجَجَ نَفْسِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ فَتَكُونُ حُجَّتُهُمْ بَاطِلَةً فَيُمْكِنُ إبْطَالُهَا، وَلِهَذَا كَانَ غَالِبُ أَئِمَّتِهِمْ يَقُولُونَ بِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِهَا وَيَصِيرُونَ فِيهَا إلَى الْوَقْفِ وَالْحَيْرَةِ، ثُمَّ هُمْ مَعَ ذَلِكَ قَدْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْقَوْلِ بِهَذَا الْحُدُوثِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِنِفَاقِهِمْ وَزَنْدَقَتِهِمْ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَصْلِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ أَحَدُ شُيُوخِ الْأَشْعَرِيِّ وَقَدْ فَرِحَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ بِمُوَافَقَتِهِ وَمُوَافَقَةِ أَبِي عِيسَى الْوَرَّاقِ لَهُمْ عَلَى إثْبَاتِ كَلَامِ النَّفْسِ وَمَعَ هَذَا فَلَهُ كِتَابٌ مَشْهُورٌ سَمَّاهُ (كِتَابُ التَّاجِ) فِي قِدَمِ الْعَالَمِ.

وَذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ وَهُوَ (مَفْصُولٌ) ذَكَرَ عِلَلَ الْمُلْحِدِينَ وَالدَّهْرِيِّينَ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِكِتَابِ التَّاجِ وَهُوَ الَّذِي نَصَرَ فِيهِ الْقَوْلَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَقَدْ

ص: 556

قِيلَ إنَّ الْأَشْعَرِيَّ فِي آخِرِ عُمْرِهِ أَقَرَّ بِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِالرَّازِيِّ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ يَذْكُرُ أَدِلَّةَ الطَّائِفَتَيْنِ وَيُصَرِّحُ فِي آخِرِ كُتُبِهِ وَآخِرِ عُمْرِهِ وَهُوَ كِتَابُ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ بِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَحَارَاتِ الْعُقُولِ وَلِهَذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَتْبَاعِهِمْ الشَّكَّ وَالِارْتِيَابَ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا حَدَّثَنِي مِمَّنْ حَدَّثَهُ ابْنُ بَادَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْخِسْرُوشَاهِي وَهُوَ أَحَدُ تَلَامِذَةِ ابْنِ الْخَطِيبِ الَّذِي قَدِمَ إلَى الشَّامِ وَمِصْرَ وَأَخَذَهُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَاحِبُ الْكَرْكِ إلَى عِنْدِهِ وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ حَتَّى قِيلَ إنَّهُ حَصَلَ لَهُ اضْطِرَابٌ فِي الْإِيمَانِ مِنْ جِهَتِهِ وَجِهَةِ أَمْثَالِهِ. قَالَ: دَخَلْت عَلَيْهِ بِدِمَشْقَ فَقَالَ لِي يَا فُلَانُ مَا تَعْتَقِدُ. قُلْت: أَعْتَقِدُ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ وَأَنْتَ جَازِمٌ بِذَلِكَ وَصَدْرُك مُنْشَرِحٌ لَهُ قُلْت نَعَمْ قَالَ فَبَكَى بُكَاءً عَظِيمًا أَظُنُّهُ قَالَ لَكِنَّنِي وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَعْتَقِدُ لَكِنَّنِي وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَعْتَقِدُ لَكِنَّنِي وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَعْتَقِدُ.

وَحَدَّثَنِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ عَنْ مُؤَذِّنِ الْكَرْكِ قَالَ صَعِدْت لَيْلَةً بِوَقْتٍ فَسَبَّحْت فِي الْمَنَارَةِ ثُمَّ نَزَلْت وَالْخَسَر وَشَاهِيّ سَاهِرٌ مَعَ السُّلْطَانِ يَتَحَدَّثَانِ فَقَالَ إلَى السَّاعَةِ أَنْتَ تُسَبِّحُ فِي الْمَنَارَةِ فَقُلْت نَعَمْ فَقَالَ بِتّ تُنَاجِي الرَّحْمَنَ وَبِتّ أُنَاجِي الشَّيْطَانَ وَأَيْضًا فَمَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ تَصُدُّهُمْ عَنْ طَرْدِ الدَّلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ تَجَدُّدُ أَحْكَامٍ لِلذَّاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْحُدُوثِ لَمْ يَبْعُدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي اعْتِوَارِ الْأَعْرَاضِ عَلَى الذَّاتِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي تَجَدُّدِ حُكْمِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ الْمَوْجُودَاتِ كَحَالِهِ قَبْلَ وُجُودِهَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ أَوْ لَا يَكُونُ فَإِنْ كَانَ حَالُهُ قَبْلُ كَحَالِهِ بَعْدُ أَوْ هُوَ قَبْلُ لَمْ يَكُنْ يَسْمَعُ شَيْئًا وَلَا يَرَاهُ فَكَذَلِكَ بَعْدُ لِاسْتِوَاءِ الْحَالَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ إنَّ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُ حَالِهِ قَبْلُ فَهَذَا قَوْلٌ بِتَجَدُّدِ الْأَحْوَالِ وَالْحَوَادِثِ وَلَا حِيلَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ مَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ فَأَمْكَنَ الْمُفَرِّقُ أَنْ يَقُولَ حَالُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَعْلُومِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ.

وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْإِلْزَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ وَالْتَزَمَ قَوْلَ الْكَرَّامِيَّةِ بَعْدَ أَنْ أَجَابَ بِجَوَابٍ لَيْسَ بِذَاكَ فَإِنَّ الْمُخَالِفَ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُتَعَلِّقٍ وَهُوَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِلْعَالَمِ قَبْلَ وُجُودِهِ إذْ هُمْ لَا يُثْبِتُونَ أَمْرًا فِي ذَاتِ اللَّهِ بِهِ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ بَلْ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ

ص: 557

نَفْسُ الْإِدْرَاكِ عِنْدَهُمْ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ وَقَالَ فِي الْجَوَابِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا بِسَمْعٍ قَدِيمٍ وَبَصَرٍ قَدِيمٍ وَيَكُونُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ يَقْتَضِيَانِ التَّعَلُّقَ بِالْمَرْئِيِّ وَالْمَسْمُوعِ بِشَرْطِ حُضُورِهِمَا وَوُجُودِهِمَا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ إنَّهُ صِفَةٌ مُتَهَيِّئَةٌ لِدَرْكِ مَا عَرَضَ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَجَدُّدُ التَّعَلُّقَاتِ قُلْنَا وَأَيُّ بَأْسٍ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ التَّعَلُّقَاتِ أُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ فِي الْأَعْيَانِ فَهَذَا هُوَ تَقْرِيرُ الْمَذْهَبِ ثُمَّ لَإِنْ سَلَّمْنَا فَسَادَ هَذَا الْقِسْمِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْدَثًا فِي ذَاتِهِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الْكَرَّامِيَّةِ وَقَوْلُهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ قُلْنَا إنْ عَنَيْتُمْ حُدُوثَ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي ذَاتِهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِيهَا فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ مُحَالٌ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ شَيْئًا آخَرَ فَبَيِّنُوهُ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ يَلْزَمُ وُجُودُ التَّغَيُّرِ فِي ذَاتِ اللَّهِ.

قُلْت: وَقَدْ اعْتَرَفَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِضَعْفِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ صِفَةٌ مُتَهَيِّئَةٌ لِدَرْكِ مَا عَرَضَ عَلَيْهِ وَضِدُّهُ نَفْيُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ هُوَ الْإِدْرَاكُ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَبَيْنَ هَذَا الْمُدْرَكِ. ثُمَّ عِنْدَ وُجُودِ هَذَا الدَّرْكِ هَلْ يَكُونُ سَامِعًا مُبْصِرًا لِمَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ سَامِعًا لَهُ مُبْصِرًا أَمْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَزِمَ نَفْيُ أَنْ يَسْمَعَ وَيُبْصِرَ، وَإِنْ كَانَ سَمِعَ وَرَأَى مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ وَرَآهُ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ وُجُودِيٌّ قَائِمٌ بِذَاتِ السَّامِعِ الرَّائِي، وَأَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا عَدَمِيًّا وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَلَوْ كَانَ عَدَمِيًّا لَكَانَ سَلْبُهُ وُجُودِيًّا إذَا قِيلَ لَمْ يَسْمَعْ وَلَمْ يُبْصِرْ، وَإِنْ كَانَ سَلْبُهُ وُجُودِيًّا لَامْتَنَعَ وَصْفُ الْمَعْدُومِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُوصَفُ بِوُجُودٍ وَمَذَاهِبُ هَؤُلَاءِ إنَّمَا تُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ لِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى مَا بِهِ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ، وَلَيْسَ اللَّهُ عِنْدَهُمْ سَمِيعًا بَصِيرًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ يَقُولُونَ بِذَلِكَ.

وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ مُجَرَّدُ الْإِدْرَاكِ فَقَطْ، فَكَيْفَ يُقَالُ كَانَ ثَابِتًا فِي الْعَدَمِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمَوْجُودِ وَأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالْمَوْجُودِ عَدَمٌ مَحْضٌ هَذِهِ أَقْوَالٌ مَعْلُومَةُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بَسْطًا عَظِيمًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ

وَكَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَوَّلًا الْكَلَامُ فِي اسْمِ اللَّهِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ:

ص: 558

أَحَدُهَا: إنَّهُ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَرَكَّبُ وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا تَفْسِيرُ الِاسْمِ الْوَاحِدِ، وَهَذِهِ الْوَحْدَانِيَّةُ هِيَ الَّتِي ذَكَرُوهَا هُنَا إذْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَبَعَّضُ أَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُ نَحْوًا مِنْهُ النَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُهُمْ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ وَكَذَلِكَ كَانَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ يَنْفُونَ التَّبْعِيضَ عَنْ اللَّهِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْهَدُ وَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ وَلَا يُدْرَكُ مِنْهُ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ مِنْهُ إلَى شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ بِحَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي نَفْسِهِ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُمْ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا يُمْكِنُهُ هُوَ أَنْ يُشِيرَ مِنْهَا إلَى شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ أَوْ يَرَى عِبَادُهُ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ بِحَيْثُ إذَا تَجَلَّى لِعِبَادِهِ يُرِيهِمْ مِنْ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَهُمْ وَلَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْعِبَادُ مَحْجُوبِينَ عَنْهُ بِحِجَابٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُمْ يَمْنَعُ أَبْصَارَهُمْ عَنْ رُؤْيَتِهِ. فَإِنَّ الْحِجَابَ لَا يَحْجُبُ إلَّا مَا هُوَ جِسْمٌ مُنْقَسِمٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ يَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ الْحِجَابَ لِيَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَلَا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِهِ حِجَابٌ أَصْلًا وَلَا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَلْقَاهُ الْعَبْدُ أَوْ يَصِلُ إلَيْهِ أَوْ يَدْنُو مِنْهُ أَوْ يَقَرُّ إلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَهُمْ بِكَوْنِهِ لَا يَنْقَسِمُ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ نَفْيَ التَّجْسِيمِ إذْ كُلُّ مَا ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ جِسْمًا مُنْقَسِمًا مُرَكَّبًا وَالْبَارِي مُنَزَّهٌ عِنْدَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: مِنْ مَعَانِي الْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي لَا شَبِيهَ لَهُ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ لَكِنْ أَجْمَلُوهَا فَجَعَلُوا نَفْيَ الصِّفَاتِ أَوْ بَعْضِهَا دَاخِلًا فِي نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَاضْطَرَبُوا فِي ذَلِكَ عَلَى دَرَجَاتٍ لَا تَنْضَبِطُ.

وَالْمُعْتَزِلَةِ تَزْعُمُ أَنَّ نَفْيَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّوْحِيدِ وَنَفْيَ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ وَالصِّفَاتِيَّةُ تَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّوْحِيدِ وَنَفْيِ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ مُضْطَرِبُونَ فِيمَا يَنْفُونَهُ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ وَافَقُوا أُولَئِكَ عَلَى أَنَّ مَا نَفَوْهُ مِنْ التَّشْبِيهِ وَمَا نَفَوْهُ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي سَمَّوْهُ تَجْسِيمًا وَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي لَا يَتِمُّ الدِّينُ إلَّا بِهِ وَهُوَ أَصْلُ الدِّينِ عِنْدَهُمْ وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ يَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ مِمَّا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَلَمْ يَكُنْ الرَّسُولُ يُعَلِّمُ أُمَّتَهُ هَذِهِ الْأُمُورَ وَلَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدِّينِ لَمْ يَدْعُ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -

ص: 559

وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعُونَ بَلْ يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُخَالِفُ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي سَمَّاهُ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ تَوْحِيدًا وَلِهَذَا مَا زَالَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ. كَمَا رَوَى الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ فِي ذَمِّ الْكَلَامِ، قَالَ سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ جَابِرًا السُّلَمِيُّ، قَالَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَقِيلِ بْنِ الْأَزْهَرِ الْفَقِيهَ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْمُزَنِيّ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْكَلَامِ، فَقَالَ إنِّي أَكْرَهُ هَذَا بَلْ أَنْهَى عَنْهُ كَمَا نَهَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَلَقَدْ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْكَلَامِ فِي التَّوْحِيدِ قَالَ مَالِكٌ مُحَالٌ أَنْ يُظَنَّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَلَّمَ أُمَّتَهُ الِاسْتِنْجَاءَ وَلَمْ يُعَلِّمْهُمْ التَّوْحِيدَ بِالتَّوْحِيدِ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» فَمَا عُصِمَ بِهِ الدَّمُ وَالْمَالُ فَهُوَ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ ذَلِكَ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيُّ فِي كِتَابِ ذَمِّ الْكَلَامِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الْفُصُولُ فِي الْأُصُولِ.

وَرَوَى أَيْضًا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَمِنْ طَرِيقِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْفَقِيهُ بِمَرْوَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ النَّجِيبِيُّ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ إيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ قِيلَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَمَا الْبِدَعُ، قَالَ أَهْلُ الْبِدَعِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يَسْكُتُونَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.

وَرَوَيَا أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ سَمِعْت شُكْرًا سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْبَصْرِيَّ سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ دَخَلْت عَلَى مَالِكٍ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ لَعَلَّك مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ لَعَنَ اللَّهُ عَمْرًا فَإِنَّهُ ابْتَدَعَ هَذِهِ الْبِدَعَ مِنْ الْكَلَامِ وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ عِلْمًا لَتَكَلَّمَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ كَمَا تَكَلَّمُوا فِي الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ وَلَكِنَّهُ بَاطِلٌ يَدُلُّ عَلَى بَاطِلٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي رَدِّ الْكَلَامِ وَالتَّوْحِيدِ الَّذِي كَانَ تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ مِنْ الْآثَارِ الصَّحِيحَةِ فِي الصِّفَاتِ وَالتَّوْحِيدِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْكِرُوهُ إنَّمَا أَنْكَرُوا الْكَلَامَ وَالتَّوْحِيدَ الْمُبْتَدَعَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ.

ص: 560

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مِسْتَوَيْهِ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ رُسْتُمَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُطِيعٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ نُوحٍ الْجَامِعِ قَالَ قُلْت لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا تَقُولُ فِيمَا أُحَدِّثُ النَّاسَ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالْأَجْسَامِ، فَقَالَ مَقَالَاتُ الْفَلَاسِفَةِ، عَلَيْك بِالْأَثَرِ وَطَرِيقَةِ السَّلَفِ وَإِيَّاكَ وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ.

وَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الْبُخَارِيُّ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْأَحْنَفِ سَمِعْت الْفَتْحَ بْنَ عَلْوَانَ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَجَّاجِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَعَنَ اللَّهُ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ فَإِنَّهُ فَتَحَ لِلنَّاسِ الطَّرِيقَ إلَى الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ مِنْ الْكَلَامِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحُثُّنَا عَلَى الْفِقْهِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْكَلَامِ.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْلِ الحادودي أَنْبَأَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ سَمِعْت الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيّ يَقُولُ شَهِدْت الشَّافِعِيَّ وَدَخَلَ عَلَيْهِ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ فَقَالَ لِبِشْرٍ أَخْبِرْنِي عَمَّا تَدْعُو إلَيْهِ أَكِتَابٌ نَاطِقٌ وَفَرْضٌ مُفْتَرَضٌ وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ وَوَجَدْت عَنْ السَّلَفِ الْبَحْثَ فِيهِ وَالسُّؤَالَ فَقَالَ بِشْرٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسَعُنَا خِلَافُهُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَقْرَرْت عَلَى نَفْسِك بِالْخَطَإِ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْفِقْهِ وَالْأَخْبَارِ يُوَالِيك النَّاسُ عَلَيْهِ وَتَتْرُكُ هَذَا لَنَا نَتَّهِمُهُ فِيهِ فَلَمَّا خَرَجَ بِشْرٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُفْلِحُ.

وَرَوَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُزَنِيّ وَعَنْ الرَّبِيعِ قَالَ الْمُزَنِيّ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ لِلرَّبِيعِ يَا رَبِيعُ اقْبَلْ مِنِّي ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: لَا تَخُوضُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ خَصْمَك النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا تَشْتَغِلْ بِالْكَلَامِ فَإِنِّي قَدْ اطَّلَعْت مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ عَنْ التَّعْطِيلِ، زَادَ الْمُزَنِيّ وَلَا تَشْتَغِلْ بِالنُّجُومِ فَإِنَّهُ يَجُرُّ إلَى التَّعْطِيلِ، وَهَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي يَذْكُرُهُ هَؤُلَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَذَوِيهِ: وَهَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي ذَكَرُوهُ هُوَ التَّعْطِيلُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إلَّا صِفَةً لِلْمَعْدُومِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَيْضًا رَأَيْت بِخَطِّ أَبِي عَمْرِو بْنِ مَطَرٍ يَقُولُ سُئِلَ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ الْكَلَامِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فَقَالَ بِدْعَةٌ ابْتَدَعُوهَا، وَلَمْ يَكُنْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْبَابُ الْمَذَاهِبِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ مِثْلُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي يُوسُفَ يَتَكَلَّمُونَ فِي ذَلِكَ بَلْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ وَيَدُلُّونَ أَصْحَابَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِيَّاكَ وَالْخَوْضَ فِيهِ وَالنَّظَرَ فِي كُتُبِهِمْ بِحَالٍ.

ص: 561

قُلْت: وَقَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ الْمُلَقَّبِ بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ الْكَلَامُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ هُوَ نَظِيرُ مَا نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَهُوَ هَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي ابْتَدَعَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ وَأَتْبَاعُهَا فَإِنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ لَهُ كِتَابٌ مَشْهُورٌ فِي التَّوْحِيدِ يَذْكُرُ فِيهِ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا كِتَابُهُ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ.

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ قُلْت لِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ مَا التَّوْحِيدُ قَالَ تَوْحِيدُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَوْحِيدُ أَهْلِ الْبَاطِلِ الْخَوْضُ فِي الْأَعْرَاضِ وَالْأَجْسَامِ وَإِنَّمَا بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِنْكَارِ ذَلِكَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَبَيَّنَ أَنَّ الْخَوْضَ فِي الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ وَنَفْيَ ذَلِكَ وَجَعْلَ ذَلِكَ مِنْ التَّوْحِيدِ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَكَيْفَ بِمَنْ جَعَلَهُ أَصْلَ الدِّينِ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ.

أَنْبَأْنَا الْأَشْعَثُ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ لِبِشْرِ بْنِ أَحْمَدَ أَبِي سَهْلٍ الْإسْفَرايِينِيّ إنَّمَا أَتَعَلَّمُ الْكَلَامَ لِأَعْرِفَ بِهِ الدِّينَ فَغَضِب وَسَمِعْته قَالَ أَوَ كَانَ السَّلَفُ مِنْ عُلَمَائِنَا كُفَّارًا وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي أَقُولُ أَنَّهُ إذَا نُظِرَ إلَى إسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَسَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَجَمِيعِ الْوُفُودِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يَعْرِفْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّينَ وَبِأَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَدَلَائِلِ الرِّسَالَةِ لَا مِنْ قِبَلِ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ وَلَا مِنْ بَابِ الْبَعْضِ وَالْكُلِّ وَلَا مِنْ بَابِ كَانَ وَيَكُونُ وَلَوْ كَانَ النَّظَرُ فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا فِي الْجِسْمِ وَنَفْيِهِ وَفِي التَّشْبِيهِ وَنَفْيِهِ لَازِمًا مَا أَضَاعُوهُ وَمَا أَضَاعُوا الْوَاجِبَ لَمَّا نَطَقَ الْقُرْآنُ بِتَزْكِيَتِهِمْ وَتَقْدِيمِهِمْ وَلَا أَطْنَبَ فِي مَدْحِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِهِمْ مَشْهُورًا وَمِنْ أَخْلَاقِهِمْ مَعْرُوفًا لَاسْتَفَاضَ عَنْهُمْ وَاشْتَهَرُوا بِالْقُرْآنِ وَالرِّوَايَاتِ.

فَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَنَّ مَا يُدْخِلُهُ هَؤُلَاءِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَالتَّوْحِيدِ مِنْ الْجِسْمِ وَنَفْيِهِ وَالتَّشْبِيهِ وَنَفْيِهِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ لَوْ كَانَ مِنْ الدِّينِ لَمَا أَضَاعَهُ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ وَكَلَامُ عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَطُولُ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا سَمَّاهُ هَؤُلَاءِ تَوْحِيدًا وَجَعَلُوهُ هُوَ نَفْيَ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ابْتَدَعُوهُ لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَلَا أَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ حُذَّاقُهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَوَافَقَهُ فِيهِ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ

ص: 562

مِنْهَاجُ الْقَاصِدِينَ لَمَّا ذَكَرَ الْأَسْمَاءَ الَّتِي عُرِفَ مُسَمَّيَاتُهَا فَذَكَرَ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ وَالتَّوْحِيدَ قَالَ.

وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيُّ مِمَّنْ أَخَذَ أَصْلَ الْكَلَامِ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَخَالَفُوهُمْ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ هَذَا التَّوْحِيدِ الْمُبْتَدَعِ الْمُخَالِفِ لِلتَّوْحِيدِ الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مَا يَقَعُ كَانَ النَّاسُ يُنَبِّهُونَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ سَمِعْت عَدْنَانَ بْنَ عَبْدَةَ النُّمَيْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْت أَبَا عُمَرَ الْبِسْطَامِيَّ يَقُولُ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ أَوَّلًا يَنْتَحِلُ الِاعْتِزَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَتَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا مَذْهَبُهُ التَّعْطِيلُ إلَّا أَنَّهُ رَجَعَ مِنْ التَّصْرِيحِ إلَى التَّمْوِيهِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ فِي رِسَالَتِهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَلَقَدْ حَكَى لِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ الْمَغْرِبِيُّ وَكَانَ فَقِيهًا صَالِحًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْقِيِّ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيِّينَ بِبَرْقَةَ عَنْ أُسْتَاذِهِ خَلَفٍ الْمُعَلِّمِ وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيِّينَ أَنَّهُ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ أَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى الِاعْتِزَال ثُمَّ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ فَرَجَعَ عَنْ الْفُرُوعِ وَثَبَتَ عَلَى الْأُصُولِ.

قَالَ أَبُو نَصْرٍ هَذَا كَلَامُ خَبِيرٍ بِمَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ وَعَوْرَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فِي وَقْتِهِ فِي الْعِرَاقِ فِي الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ هُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ قَالَ فَكُلُّ مُتَكَلِّمٍ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَكُلُّ مُتَكَلِّمٍ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَشْعَرِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أَشْعَرِيٍّ.

وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ: مِنْ مَعَانِي التَّوْحِيدِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَشْعَرِيَّةِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ هُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْمُلْكِ بَلْ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَهُوَ حَقٌّ وَهُوَ أَجْوَدُ مَا اعْتَصَمُوا بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِهِمْ حَيْثُ اعْتَرَفُوا فِيهَا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُرَبِّيهِ وَمُدَبِّرُهُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ يُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ حَيْثُ يَجْعَلُونَ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحْدِثْهَا لَكِنْ مَعَ هَذَا قَدْ رَدُّوا قَوْلَهُمْ بِبِدَعٍ غَلَوْا فِيهَا وَأَنْكَرُوا مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَأَنْكَرُوا مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ فَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي يَقُولُونَ أَنَّهَا مَعْنَى اسْمِ اللَّهِ الْوَاحِدِ وَهِيَ التَّوْحِيدُ وَفِيهَا مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي خُولِفَ بِهَا

ص: 563

الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ مَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهِ.

وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] . فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِلَهَ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ إلَهٌ غَيْرُهُ فَلَا يُعْبَدُ إلَّا إيَّاهُ كَمَا قَالَ فِي السُّورَةِ الْأُخْرَى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51] وَكَمَا قَالَ: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا} [الإسراء: 22] . إلَى قَوْلِهِ: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 39] .

وَكَمَا قَالَ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ - إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ - أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 1 - 3] وَكَمَا قَالَ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] .

وَالشِّرْكُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ إنَّمَا هُوَ عِبَادَةُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ كَعِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْكَوَاكِبِ أَوْ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ أَوْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ تَمَاثِيلِهِمْ أَوْ قُبُورِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ فِي هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي التَّوْحِيدِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إشْرَاكًا وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38] .

وَقَالَ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64]{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 66] وَقَالَ

ص: 564

تَعَالَى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46] وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص: 4]{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]{وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: 6]{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ} [ص: 7] .

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ - وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 35 - 36] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ يَسْأَلُهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَيَقُولُونَ اللَّهُ وَهُمْ مَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ وَيُشْرِكُونَ بِهِ وَيَقُولُونَ لَهُ وَلَدٌ وَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَكَانَ الْكُفَّارُ يُقِرُّونَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَهُوَ نِهَايَةُ مَا يُثْبِتُهُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ إذَا سَلِمُوا مِنْ الْبِدَعِ فِيهِ وَكَانُوا مَعَ هَذَا مُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل: 36] .

فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ بِهَذَا التَّوْحِيدِ بَعَثَ جَمِيعَ الرُّسُلِ وَأَنَّهُ بَعَثَ إلَى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا بِهِ وَهَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَلَا مِنْ الْآخِرِينَ دِينًا غَيْرَهُ قَالَ تَعَالَى:

ص: 565

{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ - قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 83 - 84]{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] فَدِينُ اللَّهِ أَنْ يَدِينَهُ الْعِبَادُ وَيَدِينُونَ لَهُ فَيَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ وَيُطِيعُونَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْإِسْلَامُ لَهُ فَمَنْ ابْتَغَى غَيْرَ هَذَا دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] فَذَكَرَ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ الْمَلَائِكَةِ وَأُولِي الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ.

وَالْإِلَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ فَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ فِي اللَّهِ أَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا يَعْبُدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ مُشْرِكٌ بِرَبِّهِ مُتَّخِذٌ مِنْ دُونِهِ إلَهًا آخَرَ فَلَيْسَتْ الْإِلَهِيَّةُ هُوَ الْخَلْقَ أَوْ الْقُدْرَةَ عَلَى الْخَلْقِ أَوْ الْقِدَمَ كَمَا يُفَسِّرُهَا هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدَعُونَ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ إذْ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ شَهِدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَكُونُوا يَشُكُّونَ فِي أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ فَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْإِلَهِيَّةَ لَكَانُوا قَائِلِينَ إنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَهَذَا مَوْضِعٌ عَظِيمٌ جِدًّا يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهُ لِمَا قَدْ لُبِّسَ عَلَى طَوَائِفَ مِنْ النَّاسِ أَصْلُ الْإِسْلَامِ حَتَّى صَارُوا يَدْخُلُونَ فِي أُمُورٍ عَظِيمَةٍ هِيَ شِرْكٌ يُنَافِي الْإِسْلَامَ لَا يَحْسِبُونَهَا شِرْكًا وَأَدْخَلُوا فِي التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ أُمُورًا بَاطِلَةً ظَنُّوهَا مِنْ التَّوْحِيدِ وَهِيَ تُنَافِيهِ وَأَخْرَجُوا مِنْ الْإِسْلَامِ وَالتَّوْحِيدِ أُمُورًا عَظِيمَةً لَمْ يَظُنُّوهَا مِنْ التَّوْحِيدِ وَهِيَ أَصْلُهُ فَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَجْعَلُونَ التَّوْحِيدَ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ وَالرَّأْيِ وَاعْتِقَادِ ذَلِكَ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَمَلِ وَالْإِرَادَةِ وَاعْتِقَادِ ذَلِكَ بَلْ التَّوْحِيدُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَوْحِيدِ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْعِبَادَةِ وَهُوَ تَحْقِيقُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَنْ يَقْصِدَ اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ وَيُرِيدَهُ بِذَلِكَ دُونَ مَا سِوَاهُ وَهَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَتَضَمَّنُ أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ سَالِمًا فَلَا يُشْرِكُهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَهُ وَهَذَا هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ دُونَ مَا سِوَاهُ وَسُورَةُ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] تُفَسِّرُ ذَلِكَ

ص: 566