المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الوجه الثامن عشر أوجب الله النصيحة والبيان في المعاملات خاصة] - الفتاوى الكبرى لابن تيمية - جـ ٦

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى إبْطَالِ التَّحْلِيلِ] [

- ‌نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ حَرَامٌ بَاطِلٌ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ]

- ‌[الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ بُطْلَانُ الْحِيَلِ وَأَدِلَّةُ التَّحْرِيمِ]

- ‌[الْوَجْهُ الْأَوَّلُ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي لَمَّا قَالَ الْمُنَافِقُونَ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَخْبَرَ اللَّه عَنْ أَهْل الْجَنَّة الَّذِينَ بَلَاهُمْ فِي سُورَة نُون]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ قَالَ اللَّه وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ]

- ‌[الْوَجْه السَّادِسُ قَوْل النَّبِيّ مَنْ أَدَخَلَ فَرَسًا بَيْن فَرَسَيْنِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبَيِّعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّامِنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَ الْيَهُودُ]

- ‌[الْوَجْهُ التَّاسِعُ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ خَمْرًا]

- ‌[الْوَجْهُ الْعَاشِرُ قَالَ صلى الله عليه وسلم لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا]

- ‌[الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قَالَ صلى الله عليه وسلم إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّ الْمَقَاصِدَ وَالِاعْتِقَادَاتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْعَادَاتِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ الْحِيلَة تَصْدُرُ مِنْ رَجُلٍ كَرِهَ فِعْلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ لَيْسَ كُلُّ مَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ حِيلَةً]

- ‌ أَقْسَامِ الْحِيَلِ

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ الْحِيَلَ مَعَ أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا أُحْدِثَتْ بِالرَّأْيِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُفْقَدُ مِنْ الدِّينِ الْأَمَانَةُ]

- ‌[الْوَجْه الثَّامِن عَشْر أوجب اللَّه النَّصِيحَة وَالْبَيَان فِي الْمُعَامَلَات خَاصَّة]

- ‌[الْوَجْه التَّاسِع عَشْر اسْتَعْمَلَ الرَّسُول رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَة]

- ‌[الْوَجْهُ الْعِشْرُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى إلَيْهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ إذَا تَأَمَّلْت عَامَّةَ الْحِيَلِ وَجَدْتهَا رَفْعًا لِلتَّحْرِيمِ]

- ‌[الْوَجْه الرَّابِع وَالْعُشْرُونَ أَنْ اللَّه وَرَسُوله سَدّ الذَّرَائِع الْمُفْضِيَة إلَى الْمَحَارِم]

- ‌[الطَّرِيقُ الثَّانِي إبْطَالُ التَّحْلِيلِ فِي النِّكَاحِ] [

- ‌الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الْوَاشِمَةَ وَالْمَوْشُومَةَ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِي سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُحَلِّلِ فَقَالَ لَا إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ]

- ‌[الْمَسْلَك الثَّالِث التَّحْلِيل لَوْ كَانَ جَائِزًا لَكَانَ النَّبِيّ يَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ طلق ثَلَاثًا]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[الْمَسْلَك الْخَامِس قَالَ اللَّه بَعْد الطَّلَاق مَرَّتَانِ وَبَعْد الخلع فَإِن طلقها]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّادِسُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ]

- ‌[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ أَنَّهُ قَصَدَ بِالْعَقْدِ غَيْرَ مَا شُرِعَ لَهُ الْعَقْدُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّ جَوَازَ التَّحْلِيلِ قَدْ أَفْضَى إلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ]

- ‌[كِتَابٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الطَّوَائِفِ الْمُلْحِدَةِ وَالزَّنَادِقَةِ] [

- ‌خِطْبَة الْكتاب]

- ‌[أَوْجُهٍ الرد عَلَيَّ الْمعَارضين]

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْوَقْفِ وَاللَّفْظِ]

- ‌[فَصْلٌ قَالُوا وَلَا نَقُولُ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَرْفٌ وَصَوْتٌ قَائِمٌ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ]

- ‌[الْأَصْلُ التَّاسِعُ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْبَحْثِ عَنْ مَحِلِّ النِّزَاعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي كَوْنِهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا وَإِثْبَاتِ قِدَمِ كَلَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ وَاحِدٌ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ إنَّ هَذَا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ إثْبَاتَ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يُقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّ النَّفْسَ الَّذِي هُوَ الْقَلْبُ يُوصَفُ بِالنُّطْقِ]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ إنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي إثْبَاتِ أَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ وَلَا الْإِرَادَةَ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّ ثُبُوتَ الْكَلَامِ لِلَّهِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ يُقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ اشْتَهَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّلَاثُونَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَحْكُوا عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالذَّاتِ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ إذَا جَاءَ أَنْ تَجْعَلُوا هَذِهِ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ حَقِيقَةً وَاحِدَةً]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ إنَّهُمْ قَدْ ذَكَرُوا حُجَّتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ تَكُونَ أَقَمْت دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ قَدِيمًا وَاحِدًا لَيْسَ بِمُتَغَايِرٍ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يُقَالَ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ إمَّا قِدَمُهُ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ إنَّ قَوْلَك عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ إنْ عَنَيْت بِهِ أَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ اللَّهِ لَيْسَتْ كَحَقِيقَةِ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْكَلَامَ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ وَسَائِرَ الصِّفَاتِ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصِّفَاتِ الْمَخْلُوقَةِ]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ إنَّك اعْتَمَدَتْ فِي كَوْنِ الْكَلَامِ مَعْنًى وَاحِدًا قَدِيمًا]

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ قِيَاسُك الْوَحْدَةَ الَّتِي أُثْبِتهَا لِلْكَلَامِ عَلَى الْوَحْدَةِ الَّتِي أُثْبِتهَا لِلْمُتَكَلِّمِ قِيَاسٌ لِلشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ أَنْ يُقَالَ كَوْنُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ كَوْنَ الْقَدِيمِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمُنْقَسِمٍ وَلَا مُتَبَعِّضٍ]

- ‌[الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ نَفْيُ الْقِسْمَيْنِ جَمِيعًا عَنْ كَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَمْسُونَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْمَوْصُوفِ شَيْئًا وَاحِدًا لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ أَنْ يُقَالَ مَا تَعْنِي بِقَوْلِك كَمَا يَعْقِلُ مُتَكَلِّمٌ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ كَمَا يَعْقِلُ مُتَكَلِّمٌ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ وَاَلَّذِي أَوْجَبَ كَوْنَهُ ذَلِكَ قِدَمُهُ]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ إنَّ هَؤُلَاءِ الْمُثْبِتِينَ لِلْحُرُوفِ الْقَدِيمَةِ قَالُوا مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ اجْتِمَاعَ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ وَالرُّؤْيَةِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا]

- ‌[الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الْقَوْل بِالتَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَالتَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ فِي كَلَام اللَّه]

- ‌[الْوَجْهُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ لِلَّهِ كَلِمَاتٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مَعَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ قَوْلُهُمْ كَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْكَلَامِ إنَّهُ وَاحِدٌ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقَاتِ]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ إنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي الْجَوَابِ عَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ إنَّهُ قَدْ احْتَجَّ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى إمْكَانِ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ وَاحِدًا]

- ‌[الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ كَانَ الْبَارِي عَالِمًا بِالْعِلْمِ الْوَاحِدِ بِجُمْلَةِ الْمَعْلُومَاتِ غَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ مَا شُكَّ فِيهِ يُقْطَعُ فِيهِ بِالِامْتِنَاعِ]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِ الْقَائِلِينَ إنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ]

- ‌[بَابٌ فِي ذِكْرِ كَلَامِ الْأَشْعَرِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيِّ نَفْسِهِ وَطَبَقَتِهِ]

الفصل: ‌[الوجه الثامن عشر أوجب الله النصيحة والبيان في المعاملات خاصة]

أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَدُخُولَهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] وَدُخُولَهُمْ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

وَهَذَا الْوَجْهُ مِمَّا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه قَالَ: عَجِبْت مِمَّا يَقُولُونَ فِي الْحِيَلِ وَالْأَيْمَانِ يُبْطِلُونَ الْأَيْمَانَ بِالْحِيَلِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] وَقَالَ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ وَأَمْرُ هَذِهِ الْحِيَلِ، وَاسْتِقْصَاءُ هَذَا يَطُولُ. وَإِنَّمَا الْقَصْدُ التَّنْبِيهُ - وَتَمَامُ هَذَا فِي:

[الْوَجْه الثَّامِن عَشْر أوجب اللَّه النَّصِيحَة وَالْبَيَان فِي الْمُعَامَلَات خَاصَّة]

الْوَجْهِ الثَّامِنَ عَشَرَ

وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً وَفِي الدِّينِ عَامَّةً النَّصِيحَةَ وَالْبَيَانَ، وَحَرَّمَ الْخِلَابَةَ وَالْغِشَّ وَالْكِتْمَانَ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ:«بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، فَكَانَ مِنْ نُصْحِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً، ثُمَّ زَادَهُ أَضْعَافَ ثَمَنِهِ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ يُسَاوِي ذَلِكَ وَأَنَّ صَاحِبَهُ مُسْتَرْسِلٌ» ، وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ،

ص: 150

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ.

فَإِذَا كَانَتْ النَّصِيحَةُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَاجِبَةً وَغِشُّهُ حَرَامًا، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُحْتَالَ لَيْسَ بِنَاصِحٍ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ غَاشٌّ لَهُ، بَلْ الْحِيلَةُ أَكْبَرُ مِنْ تَرْكِ النُّصْحِ وَأَقْبَحُ مِنْ الْغِشِّ، وَهَذَا بَيِّنٌ يَظْهَرُ مِثْلُهُ فِي الْحِيَلِ الَّتِي تُبْطِلُ الْحُقُوقَ الَّتِي ثَبَتَتْ. أَوْ تَمْنَعُ الْحُقُوقَ أَنْ تَثْبُتَ. أَوْ تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِيَجِبَ، وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَّا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَالصِّدْقُ يَعُمُّ الصِّدْقَ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَالْبَيَانُ يَعُمُّ بَيَانَ صِفَاتِ الْمَبِيعِ وَمَنَافِعِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ وَالْكِتْمَانُ، وَإِذَا كَانَ الصِّدْقُ وَالْبَيَانُ وَاجِبَيْنِ فِي الْمُعَامَلَةِ مُوجِبَيْنِ لِلْبَرَكَةِ. وَالْكَذِبُ وَالْكِتْمَانُ مُحَرَّمَيْنِ مَاحِقَيْنِ لِلْبَرَكَةِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحِيَلِ أَوْ أَكْثَرَهَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِوُقُوعِ الْكَذِبِ، أَوْ الْكِتْمَانِ أَوْ تَجْوِيزِهِ، وَأَنَّهَا مَعَ وُجُوبِ الصِّدْقِ، أَوْ وُقُوعِهِ لَا تَتِمُّ.

مِثَالُ ذَلِكَ إذَا احْتَالَ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً بِأَلْفٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ نَسِيئَةً، أَوْ يَبِيعَهَا بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ نَسِيئَةً ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا بِأَلْفٍ نَقْدًا، فَإِنْ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَصْدُقَ الْآخَرَ، كَانَ الْوَفَاءُ بِهَذَا وَاجِبًا، فَيَلْزَمُ فَسَادُ الْعَقْدِ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ لَازِمٌ فِي الْعَقْدِ أَبْطَلَ الْعَقْدَ بِالْإِجْمَاعِ. وَإِنْ جُوِّزَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْلُفَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَقَدْ جُوِّزَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكْذِبَ صَاحِبَهُ وَهُوَ رُكُوبٌ لِمَا حَرَّمَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْكَذِبِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]، وَإِنَّمَا كَذَّبَهُمْ إخْلَافُ قَوْلِهِمْ:{لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75] . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي عَزْمِ أَحَدِهِمَا أَنْ لَا يَفِيَ لِلْآخَرِ بِمَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ. فَإِنْ جَازَ كَتْمُ هَذَا وَتَرْكُ بَيَانِهِ فَهُوَ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ. وَإِنْ وَجَبَ إظْهَارُهُ لَمْ تَتِمَّ الْحِيلَةُ فَإِنَّ الْآخَرَ لَمْ يَرْضَ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْآخَرَ يَفِي لَهُ.

ص: 151

ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ وَكِتْمَانِ الْعُيُوبِ فِي الْبُيُوعِ كَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شِمَاسَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إلَى ابْنِ شِمَاسَةَ وَابْنُ شِمَاسَةَ قَدْ وَثَّقُوهُ وَخَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إلَّا أَخْبَرَهُ» .

وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَ مَا فِيهِ وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بَيَّنَهُ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلِابْنِ مَاجَهْ: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتٍ مِنْ اللَّهِ وَلَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» . وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ قُلْتُ: بَلَى فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا: «هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِلَفْظِ:، وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ وَقَالَ فِي الْحِيَلِ «وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَيْعُ الْمُسْلِمِ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ» ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" بَيْعُ الْمُسْلِمِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُوجَبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ. وَأَنَّ اشْتِرَاطَهُ بَيَانٌ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ وَتَوْكِيدٌ لَهُ.

فَهَذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَيَّنَ أَنَّ مُجَرَّدَ سُكُوتِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَنْ إظْهَارِ مَا لَوْ عَلِمَهُ الْآخَرُ لَمْ يُبَايِعْهُ مِنْ الْعُيُوبِ وَغَيْرِهَا إثْمٌ عَظِيمٌ وَحَرَّمَ هَذَا الْكِتْمَانَ وَجَعَلَهُ مُوجِبًا لِمَقْتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنْ كَانَ السَّاكِتُ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَصِفْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ، إنَّمَا ذَاكَ، لِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ فَيَبْنِي الْآخَرُ الْأَمْرَ عَلَى مَا يَظُنُّهُ مِنْ الظَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يَصِفْهُ الْآخَرُ بِلِسَانِهِ وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْغُرُورِ لَهُ وَالتَّدْلِيسِ عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغُرُورَ بِالْكَلَامِ وَالْوَصْفِ إثْمٌ فَإِذَا غَرَّهُ بِأَنْ يُظْهِرَ لَهُ أَمْرًا ثُمَّ لَا يَفْعَلُهُ مَعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ فِي الْغُرُورِ وَالتَّدْلِيسِ.

وَأَيْنَ السَّاكِتُ مِنْ النَّاطِقِ.، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ إثْمًا.

ص: 152

وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلُ أَنْ يُنْشِئَ عَقْدَ بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيُؤْمَرُ بِإِقْرَارٍ وَلَا يُبَيَّنُ لَهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ فَيُقِرُّ إقْرَارًا يُلْزَمُ بِمُوجَبِهِ وَيَكُونُ مُوجَبُهُ مُخَالِفًا لِمَقْصُودِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. أَوْ يَأْمُرُهُ بِتَسْمِيَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ، ثُمَّ يُصَادِقُ عَلَى نِصْفِهِ بِدِينَارٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يُبَيِّنُ لَهُ مَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا مِنْ وُجُوبِ رَدِّ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ فَأَيْنَ هَذَا الْغُرُورُ وَالتَّدْلِيسُ مِنْ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ عَنْ بَيَانِ حَالِ السِّلْعَةِ؟

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّصْرِيَةِ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّصْرِيَةَ مُجَرَّدُ فِعْلٍ يَغْتَرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَدْ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوْجَبَ الْخِيَارَ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَالِ فَكَيْفَ بِالْغُرُورِ بِالْأَقْوَالِ؟ وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْحِيَلِ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ هُنَا زَعَمُوا لَيْسَ لِوُجُودِ عَيْبٍ، وَلَا لِفَوَاتِ صِفَةٍ وَهُوَ جَارٍ عَلَى قِيَاسِ الْمُحْتَالِينَ، لَكِنَّ الْحِيَلَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ إظْهَارَ الصِّفَاتِ بِالْأَفْعَالِ كَإِظْهَارِهَا بِالْأَقْوَالِ. بَلْ مُجَرَّدُ ظُهُورِهَا كَمُجَرَّدِ ظُهُورِ السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُحْتَالِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَوْصَفَ السِّلْعَةَ عَرَّضَ فِي كَلَامِهِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُ كَيْفَ الْجَمَلُ يَقُولُ احْمِلْ مَا شِئْت وَيَنْوِي عَلَى الْحِيَلِ وَيُقَالُ لَهُ كَمْ تَحْلُبُ فَيَقُولُ فِي أَيِّ إنَاءٍ شِئْتَ فَيَقُولُ كَيْفَ سَيْرُهُ فَيَقُولُ الرِّيحُ لَا تَلْحَقُ فَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ رَجَعَ إلَيْهِ فَيَقُولُ مَا وَجَدْتُ فِيمَا بِعْتنِي شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فَيَقُولُ مَا كَذَبْتُكَ، وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَأَدْخَلَهَا فِي كَلَامِهِ مَنْ احْتَجَّ لِلْحِيَلِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا كَذِبٌ أَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْمِزَاحَ مَعَهُ لَا حَقِيقَةَ الْبَيْعِ، وَإِلَّا فَمَنْ عَمِلَ مِثْلَ هَذَا فَقَدْ قُدِحَ فِي دِيَانَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا أَعْظَمُ فِي الْغَرَرِ مِنْ التَّصْرِيَةِ.

فَإِنَّ الْقَوْلَ الْمُفْهِمَ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ ظُهُورِ حَالٍ لَمْ يَصِفْهَا وَلَا يَلِيقُ مِثْلُ هَذَا بِذِي مُرُوءَةٍ فَضْلًا عَنْ ذِي دِيَانَةٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «نَهَى عَنْ النَّجْشِ» وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ لِلْمُشْتَرِي وَخَدِيعَتِهِ، «وَنَهَى عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ» وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْرِيرِ الْبَائِعِ أَوْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي، وَنَهَى أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، أَوْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، أَوْ يَخْطُبَ

ص: 153

عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، أَوْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا أَوْ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَقَالَ:«دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» .

وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْمُسْلِمِ وَتَرْكِ إضْرَارِهِ بِكُلٍّ إلَّا أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ أَذًى، وَعَلَى الْمَنْعِ مِنْ نَيْلِ الْغَرَضِ بِخَدِيعَةِ الْمُسْلِمِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْحِيَلِ يُنَاقِضُ هَذَا، وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْحِيَلِ لَا يَمْنَعُونَ بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَلَا تَلَقِّيَ السِّلَعَ. طَرْدًا لِقِيَاسِهِمْ، وَمَنْ أَخَذَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا أَخَذَ بِهَا عَلَى مَضَضٍ؛ لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ قِيَاسِهِ، وَمُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ لِلسُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ.

وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ مِثْلُ التَّلَقِّي وَالنَّجْشِ وَالتَّصْرِيَةِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْخِلَابَةُ جَمَعَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَجَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ بَيَّنَ تَحْرِيمَ الْخِلَابَةِ مُطْلَقًا فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ: بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ» .

وَهَذَا نَصٌّ فِي تَحْرِيمِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخِلَابَةِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ - وَالْخِلَابَةُ الْخَدِيعَةُ وَيُقَالُ الْخَدِيعَةُ بِاللِّسَانِ وَفِي الْمَثَلِ إذَا لَمْ تَغْلِبْ فَاخْلِبْ أَيْ فَاخْدَعْ وَرَجُلٌ خَلَّابٌ أَيْ خَدَّاعٌ - وَامْرَأَةُ خَلِبَةٌ أَيْ خَدَّاعَةٌ وَالْبَرْقُ الْخَلْبُ وَالسَّحَابُ الْخَلْبُ الَّذِي لَا غَيْثَ مَعَهُ كَأَنَّهُ يَخْدَعُ مَنْ يَرَاهُ - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» وَهَذَا الشَّرْطُ مِنْهُ مُوَافِقٌ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِاشْتِرَاطِهِ الْعَدَاءَ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ.

يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ» ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ الْخِلَابَةَ الَّتِي هِيَ الْخَدِيعَةُ الْمُحَرَّمَةُ لَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ مَعْرُوفًا بَلْ يَكُونُ شَرَطَ شَيْئًا لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخْدَعُ وَالْخَدِيعَةُ حَرَامٌ، وَلِأَنَّهُ قَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِغُلَامَيْنِ شَابَّيْنِ: تَبَايَعَا وَقُولَا لَا خِلَابَةَ» ، وَقَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ

ص: 154

إبْرَاهِيمَ مَوْلَى صَخْرِ بْنِ رُهْمٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَبَايَعُوا وَقُولُوا لَا خِلَابَةَ» فَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا دَلَائِلَ عَلَى صِدْقِهِ فَثَبَتَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ مَشْرُوعٌ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ يُخَالِفُ مُطْلَقَ النَّقْدِ لَمْ يُؤْمَرْ بِاشْتِرَاطِهِ كُلُّ وَاحِدٍ كَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ وَاشْتِرَاطِهِ الرَّهْنَ، وَالْكَفِيلَ، وَصِفَاتٍ زَائِدَةٍ فِي الْعُقُودِ عَلَيْهِ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ رِبًا» وَحَدِيثُ التَّلَقِّي يُوَافِقُ هَذَا الْحَدِيثَ. فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ الْخِلَابَةَ وَهِيَ الْخَدِيعَةُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخِلَابَةِ فِي الْبَيْعِ وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنْ عَمَّ ذَلِكَ لَفْظًا وَمَعْنًى فَلَا كَلَامَ، إنْ كَانَ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ الْخِلَابَةَ فِي الْبَيْعِ فَالْخِلَابَةُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ وَالْأَقْوَالِ وَفِي الْأَفْعَالِ بِمَنْزِلَةِ الْخِلَابَةِ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ فِي اعْتِبَارِ الشَّارِعِ وَهَذَا الْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، بَلْ الْخِلَابَةُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ قَدْ تَكُونُ أَعْظَمَ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ وَقِيَاسِ الْأَوْلَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْحِيَلُ خِلَابَةٌ إمَّا مَعَ الْخَلْقِ أَوْ مَعَ الْخَالِقِ، مِثْلَ مَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحِيَلِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ أَعْرَابِيٍّ مَاءً بِثَمَنٍ غَالٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ وَكَانَ مَعَهُ سَوِيقٌ مَلْتُوتٌ بِزَيْتٍ فَقَالَ لَهُ أَتُرِيدُ أَنْ أُطْعِمَك سَوِيقًا؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَطْعَمَهُ فَعَطِشَ الْأَعْرَابِيُّ عَطَشًا شَدِيدًا وَطَلَبَ أَنْ يَسْقِيَهُ تَبَرُّعًا أَوْ مُعَاوِضًا فَامْتَنَعَ إلَّا بِثَمَنِ جَمِيعِ الْمَاءِ فَأَعْطَاهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ بِشَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إطْعَامَهُ ذَلِكَ السَّوِيقَ مُظْهِرٌ أَنَّهُ مُحْسِنٌ إلَيْهِ وَهُوَ يَقْصِدُ الْإِسَاءَةَ إلَيْهِ مِنْ أَقْبَحِ الْخِلَابَاتِ ثُمَّ امْتِنَاعُهُ مِنْ سَقْيِهِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ حَرَامٌ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَعْرَابِيَّ أَسَاءَ إلَيْهِ بِمَنْعِهِ الْمَاءَ إلَّا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ جَائِزًا لَمْ تَجُزْ مُعَاقَبَتُهُ عَلَيْهِ.

وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مَجَّانًا أَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الثَّانِي أَنْ يَسْقِيَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ، وَلَوْ أَنَّهُ اسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَائِرَ الْمَاءِ أَوْ تَرَكَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ مِقْدَارَ ثَمَنِ الشَّرْبَةِ الَّتِي شَرِبَهَا هُوَ لَكَانَ، أَمَّا أَنْ يَأْخُذَ مَاءً إلَّا شَرْبَةً وَاحِدَةً وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ كُلَّهُ بِصُورَةٍ يَظْهَرُ لَهُ فِيهَا أَنَّهُ مُحْسِنٌ وَقَصْدُهُ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الْخِلَابَةُ الْبَيِّنَةُ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَبِاضْطِرَارٍ يُعْلَمُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحِيَلِ أَوْ أَكْثَرَهَا أَوْ عَامَّتَهَا مِنْ الْخِلَابَةِ وَهِيَ حَرَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ.

وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ إذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ

ص: 155

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلِي نَبِيٌّ إلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتَنٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا تَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ وَمَنْ بَايَعَ إمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُعْطِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، فَهَذِهِ الْوَظَائِفُ الثَّلَاثُ الَّتِي جَمَعَهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:«إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ» .

وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» وَذَلِكَ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ وَالْإِتْلَافَ اللَّذَيْنِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَّى بِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: «وَلْيَأْتِ إلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ» وَهَذَا الْقَدْرُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَهُ بِالْإِيمَانِ وَبِالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ فِي سِيَاقِ مَا يُنَجِّي مِنْ النَّارِ وَيُوجِبُ الْجَنَّةَ وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ فِي الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا غَايَةُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُسْأَلُ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَيُنَجِّي مِنْ النَّارِ إنَّمَا يَذْكُرُ الْوَاجِبَاتِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَأْتِ إلَى النَّاسِ مَا يَجِبُ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ بَلْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا يَحْتَالُ عَلَيْهِ لَكَرِهَهُ أَوْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُ وَرُبَّمَا اتَّخَذَهُ عَدُوًّا أَعْنِي الْكَرَاهَةَ الطَّبِيعِيَّةَ إنْ كَانَ قَدْ يُحِبُّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْمَثُوبَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ لَيْسَتْ

ص: 156