الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَعْدُومُ لَمْ يُوصَفْ إلَّا بِمَا وَصَفْت بِهِ الرَّبَّ مِنْ كَوْنِهِ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ كَتَبَ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ جَوَابُهُمَا إلَّا أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَارِجَ الْعَالَمِ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا، فَأَجَابُوا لِمَنْ عَارَضَهُمْ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ بِدَعْوَى الْحُجَّةِ. قُلْت: فَنَظَرُهُ كَذَلِكَ فِي هَذَا الْمُقَامِ، فَإِنَّ كَوْنَ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَعَدُّدَ وَلَا تَغَايُرَ أَصْلًا يَكُونُ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً هُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَذَلِكَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، فَإِذَا قُبِلَ لِلشَّخْصِ، هَذَا الْكَلَامُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ هَلْ يَكُونُ جَوَابُهُ أَنْ يُقِيمَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ بَلْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ بَدِيهَةَ الْعَقْلِ وَضَرُورَتَهُ وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَا يُمَكَّنُ أَحَدٌ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِحَقٍّ فَإِنَّ الْبَدِيهَاتِ لَا تَكُونُ بَاطِلَةً بَلْ الْقَدْحُ فِيهَا سَفْسَطَةٌ وَهُمْ دَائِمًا يُنْكِرُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مُخَالَفَتَهُمْ مَا هُوَ دُونَ هَذَا كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِهِ.
[الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ تَكُونَ أَقَمْت دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ قَدِيمًا وَاحِدًا لَيْسَ بِمُتَغَايِرٍ]
ٍ وَلَا مُخْتَلِفٍ أَوْ لَمْ تُقِمْ فَإِنْ لَمْ تُقِمْ بَطَلَ ذَلِكَ وَإِنْ أَقَمْت دَلِيلًا فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ إذْ لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَدِيهِيَّةِ الضَّرُورِيَّةِ وَالْعِلْمُ بِأَنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَغَايُرٌ وَلَا اخْتِلَافٌ لَا يَكُونُ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةً وَلَا مَوْصُوفًا بِأَوْصَافٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ مُتَضَادَّةٍ هُوَ مِنْ الْعُلُومِ الْبَدِيهِيَّةِ الضَّرُورِيَّةِ، وَالضَّرُورِيُّ لَا يُعَارِضُهُ النَّظَرِيُّ لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ أَصْلُهُ، فَالْقَدْحُ فِيهِ قَدْحٌ فِي أَصْلِهِ وَبُطْلَانُ أَصْلِهِ يُوجِبُ بُطْلَانَهُ فِي نَفْسِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ مُعَارَضَةَ الضَّرُورِيِّ بِالنَّظَرِيِّ يُوجِبُ بُطْلَانَ النَّظَرِيِّ، وَإِذَا بَطَلَ النَّظَرِيُّ الْمُعَارِضُ لِهَذَا الضَّرُورِيِّ لَمْ يَكُنْ أَلْبَتَّةَ دَلِيلًا صَحِيحًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يُقَالَ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ إمَّا قِدَمُهُ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ]
ُ وَأَنْتَ لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا آخَرَ وَالْقِدَمُ لَا دَلِيلَ لَك عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ بِإِيمَانِهِ مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا حُجَّةً عَلَى كَوْنِهِ قَدِيمًا كَالْعِلْمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهُ هَبْ أَنَّهُ قَدِيمٌ فَكَوْنُهُ قَدِيمًا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً وَاحِدَةً فَإِنَّك تَقُولُ إنَّ صِفَاتِ الرَّبِّ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَيَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَدِيمَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ قِدَمُهَا مُوجِبًا لَأَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ هَذِهِ الصِّفَةَ فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبَ قِدَمَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ غَيْرَ النَّهْيِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَيْنَ الْخَبَرِ وَهَلَّا قُلْت فِي أَنْوَاعِ الْكَلَامِ مَا قُلْته فِي الصِّفَاتِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِك.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِك يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى
نَفْيٍ سِوَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ عَلَى النَّفْيِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَلَا عَقْلِيٌّ فَالنَّفْيُ بِلَا دَلِيلٍ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ وَعَدَمُ الدَّلِيلِ عِنْدَنَا لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَطْلُوبِ الَّذِي يُطْلَبُ الْعِلْمُ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْبَدِيهَاتِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ لَك أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ صِفَاتٍ كَثِيرَةً وَلِمَ أَوْجَبْت أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ مَعْدُودًا بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْت مِنْ قِدَمِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَدُّدَهُ إذْ الصِّفَاتُ عِنْدَك مُتَعَدِّدَةٌ وَقَدِيمَةٌ، وَالْمَعْلُومُ أَنَّ الْقَدِيمَ هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ، أَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ مَوْجُودٍ لَا صِفَةَ لَهُ كَمَا هُوَ مُقَدَّرٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُمْ يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا بَطَلَ قَوْلُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ.
الْوَجْهُ الْأَرْبَعُونَ: إنَّ قَوْلَك يُعْقَلُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِقِدَمِهِ الْمَانِعِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَغَايِرًا مُخْتَلِفًا يُقَالُ لَك الدَّلِيلُ عَلَى قِدَمِهِ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْنًى وَاحِدًا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ كَوْنَهُ مَعْنًى وَاحِدًا لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هُوَ النَّهْيَ وَهُوَ الْخَبَرَ وَهُوَ الِاسْتِخْبَارُ وَقَوْلُك بَعْدَ هَذَا بِالدَّلِيلِ الْمَانِعِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَغَايِرًا مُخْتَلِفًا يُقَالُ لَك إذَا لَمْ تُقِمْ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ هَذَا بَلْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ هَذَا فَيُقَالُ فِيهِ مَا يُقَالُ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْإِدْرَاكِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَرَ ثُمَّ هَلْ يُقَالُ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ أَوْ يُخَالِفُ لَهُ أَوْ يُقَالُ لَيْسَ بِغَيْرٍ لَهُ وَلَا مُخَالِفٍ لَهُ أَوْ لَا يُقَالُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا أَوْ يُقَالُ هَذَا بِاعْتِبَارٍ وَهَذَا بِاعْتِبَارٍ وَهَذَا بِاعْتِبَارٍ هَذِهِ مُنَازَعَاتٌ لَفْظِيَّةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَكُلُّ قَوْلٍ يَخْتَارُهُ فَرِيقٌ وَالْمُنَازَعَاتُ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ بِهَا الشَّرِيعَةُ لَا حَاجَةَ بِنَا إلَيْهَا بَلْ الْمَقْصُودُ الْمَعْنَى نَعَمْ إذَا كَانَ اللَّفْظُ شَرْعِيًّا كُنَّا مَأْمُورِينَ بِحِفْظِ حَدِّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: 97] وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَك بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِقِدَمِهِ الْمَانِعِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَغَايِرًا مُخْتَلِفًا دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهَا.
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: إنَّ قَوْلَك عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ يُقَالُ لَك كَوْنُهُ عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ لَا يُسَوِّغُ مَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ امْتِنَاعُهُ كَاجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَكَوْنُ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا تَغَايُرَ فِيهِ وَلَا اخْتِلَافَ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ وَكَوْنِ صِفَةِ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ لَا يُسَوِّغُ هَذَا الْمُمْتَنِعَ.