الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَكَلِّمًا قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى كَلَامُهُ أَمْرًا وَقَبْلَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا سُمِّيَ أَمْرًا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَسْمِيَتِهِ نَهْيًا وَخَبَرًا وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي لَمْ يَزَلْ مُخْبِرًا وَلَمْ يَزَلْ نَاهِيًا ثُمَّ يُقَالُ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَعْنًى خَفِيٌّ مُشْكِلٌ مُتَنَازَعٌ فِي وُجُودِهِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْخَفِيَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِينَ نَقَلُوا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام أَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَاَلَّذِينَ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى الْخَفِيَّ الْمُشْكِلَ الَّذِي لَيْسَ يُتَصَوَّرُ بِحَالٍ أَوْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِشِدَّةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى نَقْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى ثُبُوتِ مَعْنًى لَا يَفْهَمُونَهُ وَنَقَلُوا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ وَيَقُولُ وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَى لَفْظِ الْكَلَامِ وَالْقَوْلِ فَإِنَّ هَذَا أَيْضًا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ وَإِذَا بَطَلَ الْقِسْمَانِ عَلَى أَنَّ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَنَقَلَهُ أَهْلُ التَّوَاتُرِ عَنْ الْمُرْسَلِينَ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ كَلَامًا دُونَ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ وَعَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَبِمِثْلِ هَذَا الْوَجْهِ يَبْطُلُ أَيْضًا مَذْهَبُ الْجَهْمِيَّةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّ كَوْنَ الْكَلَامِ يَكُونُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ مِمَّا لَا تَعْرِفُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ أَنَّهُ يَكُونُ كَلَامًا لِلْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ أُثْبِتَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِأَدِلَّةٍ خَفِيَّةٍ مُشْكِلَةٍ وَإِذَا كَانَ أَهْلُ التَّوَاتُرِ نَقَلُوا أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ إرَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى عُلِمَ أَنَّ التَّوَاتُرَ وَالْإِجْمَاعَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ حُرُوفِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِ كَلَامُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ.
[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ يُقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ اشْتَهَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ]
الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ اشْتَهَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ اتِّفَاقُ السَّلَفِ، عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ جَعَلَهُ مَخْلُوقًا خَلَقَهُ اللَّهُ كَمَا خَلَقَ سَائِرَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَمَا يَقُولُهُ الْجَهْمِيَّةُ، حَتَّى قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ لِرَجُلٍ أَتَدْرِي مَا يُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ يُرِيدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَكَلَّمُ وَمَا الَّذِينَ قَالُوا إنَّ لِلَّهِ وَلَدًا بِأَكْفَرَ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ لِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا لِلَّهِ وَلَدٌ شَبَّهُوهُ بِالْأَحْيَاءِ وَاَلَّذِينَ قَالُوا لَا يَتَكَلَّمُ شَبَّهُوهُ بِالْجَمَادَاتِ وَأَنْتُمْ فَلَا رَيْبَ أَنَّ كُلَّمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ إنَّهُ مَخْلُوقٌ، لَا تُنَازِعُونَهُمْ فِي أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يَقُولُونَ هُوَ مَخْلُوقٌ بَلْ تَقُولُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا إنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَاَلَّذِي قَالَ هَؤُلَاءِ إنَّهُ مَخْلُوقٌ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا
أَوْ لَا يَكُونَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَهُمْ ضَالِّينَ حَيْثُ حَكَمْتُمْ جَمِيعًا بِخَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا لَمْ يَجُزْ ذَمُّ مَنْ قَالَ إنَّهُ مَخْلُوقٌ وَلَا عَيْبُهُ بِذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ جَعَلَ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ مَخْلُوقًا، وَلَا أَنَّهُ جَعَلَ كَلَامَ اللَّهِ فِي الْمَخْلُوقِ وَلَا أَنَّهُ جَعَلَ الشَّجَرَةَ هِيَ الْقَائِلَةَ إنَّنِي أَنَا اللَّهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا السَّلَفُ مَذْهَبَ الْجَهْمِيَّةِ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ مَنْ قَالَ إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَا يَنْبَغِي، لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ: مَنْ قَالَ إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا كَمَا زَعَمُوا فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى بِأَنْ يَخْلُدَ فِي النَّارِ إذْ قَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى وَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا مَخْلُوقٌ وَقَوْلُ {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] فَقَدْ ادَّعَى مَا ادَّعَى فِرْعَوْنُ فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى بِأَنْ يَخْلُدَ فِي النَّارِ، مِنْ هَذَا وَكَلَامِهِمَا عِنْدَهُ مَخْلُوقٌ وَوَافَقَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَاسْتَحْسَنَهُ وَغَايَةُ مَا يُعَابُ بِهِ عِنْدَكُمْ أَنَّهُ نَفَى عَنْ اللَّهِ مَعْنًى آخَرَ يُثْبِتُونَهُ لَهُ، ذَلِكَ الْمَعْنَى أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَتَصَوَّرُونَهُ لَا الْمُعْتَزِلَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْكُمُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُومَ بِالشَّجَرَةِ وَلَا غَيْرِهَا، حَتَّى تَكُونَ الشَّجَرَةُ هِيَ الْقَائِلَةُ لَهُ، وَالسَّلَفُ لَمْ يَعِيبُوهُمْ بِهَذَا، وَلَا قَالُوا لَهُمْ مَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ مَخْلُوقٌ، لَكِنَّ ثَمَّ مَعْنًى آخَرُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَلَا قَالُوا هَذَا الَّذِي قُلْتُمْ إنَّهُ مَخْلُوقٌ هُوَ مَخْلُوقٌ. لَكِنَّهُ لَيْسَ هُوَ بِكَلَامِ اللَّهِ وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي قَالُوا هُوَ مَخْلُوقٌ هُوَ مَخْلُوقٌ، كَمَا قَالُوا لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُ اللَّهِ مَعْنًى آخَرُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ السَّلَفَ مُخْطِئُونَ ضَالُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ إمَّا تَضْلِيلُكُمْ الْمُعْتَزِلَةُ أَوْ تَضْلِيلُ السَّلَفِ، وَالثَّانِي مُمْتَنِعٌ، فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ يُؤَيِّدُ هَذَا.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: وَهُوَ أَنَّ الْأُمَّةَ إذَا اُخْتُلِفَ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي صَدْرِ الْأُمَّةِ إلَّا قَوْلُ السَّلَفِ وَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ أَنَّ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ بَاطِلٌ لِلْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ مِنْهَا أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ بِالتَّوَاتُرِ عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُمْ إذَا وَصَفُوا اللَّهَ بِالْكَلَامِ وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ لَا أَنَّ الْكَلَامَ يَكُونُ مَخْلُوقًا لَهُ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا كَمَا يَقُولُونَ كَلَامُ اللَّهِ مِثْلُ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَيُعْلَمُ