الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعَمَلَ وَمَقْصِدَهُ مَسْبُوقٌ بِالْعِلْمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ وَيَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الْقَوْلِيُّ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ عَنْ اللَّهِ فَفِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَفِيهَا اسْمُهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ وَعِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ يَدْخُلُ فِيهَا كَمَالُ الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَكَمَالُ الْخَوْفِ مِنْهُ وَحْدَهُ وَالرَّجَاءُ لَهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ كَمَا يُبَيِّنُ الْقُرْآنُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ التَّوْحِيدِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ رُسُلَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالْقِتَالِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ حَيْثُ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193] .
[الْوَجْهُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ لِلَّهِ كَلِمَاتٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ]
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: إنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ لِلَّهِ كَلِمَاتٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: 115] وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] .
وَقَالَ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] . وَقَالَ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} [الأعراف: 158] . وَقَالَ تَعَالَى: {يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 7] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الشورى: 24] . وَقَالَ: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} [التحريم: 12] . وَكَذَلِكَ تَوَاتَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الِاسْتِعَاذَةُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ.
وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ صَرِيحٌ فِي تَعَدُّدِ كَلِمَاتِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ لَيْسَ كَلَامُهُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا لَا عَدَدَ فِيهِ أَصْلًا، وَهَذَا قَدْ أَوْرَدُوهُ وَذَكَرُوا جَوَابَهُمْ عَنْهُ فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَلَامِ
ابْنُ فُورَكٍ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الَّذِي قُلْتُمْ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ وَسَائِرُ كُتُبِ اللَّهِ شَيْئًا وَاحِدًا وَالرَّبُّ تَعَالَى قَدْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ كَلِمَاتٍ وَقَالَ: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] وَقَالَ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [هود: 119] وَقَالَ: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} [التحريم: 12] .
قُلْنَا: إنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ كَلِمَاتٍ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ كَذَلِكَ وَسَمَّى نَفْسَهُ بِأَسْمَاءٍ كَثِيرَةٍ وَأَثْبَتَهَا فِي التَّنْزِيلِ فَقَالَ: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا» أَفَتَقُولُونَ بِتَعَدُّدِ الْمُسَمَّى لِتَعْدِيدِ الْأَسَامِي، أَوْ تَقُولُونَ الْأَسْمَاءُ تَدُلُّ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ.
فَإِنْ قُلْت التَّسْمِيَاتُ تَتَعَدَّدُ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْكَلَامِ إنَّهُ وَاحِدٌ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا هُوَ بِلُغَةٍ مِنْ اللُّغَاتِ وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ أَوْ فَارِسِيٌّ أَوْ عِبْرَانِيٌّ لَكِنَّ الْعِبَارَاتِ عَنْهُ تَكْثُرُ وَتَخْتَلِفُ، فَإِذَا قُرِئَ كَلَامُ اللَّهِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ سُمِّيَ قُرْآنًا، وَإِذَا قُرِئَ بِلُغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ أَوْ الْفَارِسِيَّةِ سِمِّي تَوْرَاةً وَإِنْجِيلًا كَذَلِكَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ يُوصَفُ بِالْعَرَبِيَّةِ (اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَبِالْفَارِسِيَّةِ خداي بزرك وَبِالتُّرْكِيَّةِ سركوي) وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ وَالتَّسْمِيَةُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ تَكْثُرُ.
وَكَذَلِكَ هُوَ سُبْحَانَهُ مَعْبُودٌ فِي السَّمَاءِ وَمَعْبُودٌ فِي الْأَرْضِ بِعِبَادَاتٍ وَقُصُودٍ مُتَبَايِنَةٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ سُبْحَانَهُ مَذْكُورُ الذَّاكِرِينَ بِأَذْكَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ يُكْتَبُ وَيُقْرَأُ وَيُفَسَّرُ بِقِرَاءَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَذْكَارٍ مُتَفَاوِتَةٍ وَكِتَابَةٍ مُتَبَايِنَةٍ وَقَوْلُهُ:{مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] قَدْ قِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ كَلَامُهُ كَلِمَاتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَائِدِ الْكَلِمَاتِ وَلِأَنَّهُ يَنُوبُ مَنَابَهَا فَجَازَتْ الْعِبَارَةُ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا وَفِي قَرِيبٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الْحَقِّ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} [الحجر: 23] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120] لِأَنَّهُ مَنَابُ أُمَّةٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء: 47] وَالْمُرَادُ مِيزَانٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ مَا تَقَدَّمَتْ الْعِبَارَاتُ وَالدَّلَالَاتُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَفْهُومَاتِ مَعَانِي كَلَامِهِ:
قُلْت: فَهَذَا مَا ذَكَرُوهُ وَمَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَبْطَلْ الْقَوْلِ وَأَفْسَدِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُمْ أَوْرَدُوا سُؤَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَسَائِرُ كُتُبِ اللَّهِ شَيْئًا وَاحِدًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّبَّ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ كَلِمَاتٍ. ثُمَّ جَعَلَ الْجَوَابَ عَنْ الْأَوَّلِ: إنَّ هَذَا مِثْلُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى هِيَ مُتَعَدِّدَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ بِاللُّغَاتِ، وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكُتُبُ مَعَ تَعَدُّدِهَا وَتَنَوُّعِهَا هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَفِي الْفَرْعِ، أَمَّا فِي الْأَصْلِ فَلِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى لَيْسَتْ مُتَرَادِفَةً بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْنَى كُلِّ اسْمٍ هُوَ مَعْنَى الِاسْمِ الْآخَرِ وَلَا هِيَ أَيْضًا مُتَبَايِنَةً التَّبَايُنَ فِي الْمُسَمَّى وَفِي صِفَتِهِ، بَلْ هِيَ مِنْ جِهَةِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمُسَمَّى كَالْمُتَرَادِفَةِ وَمِنْ جِهَةِ دَلَالَتِهَا عَلَى صِفَاتِهِ كَالْمُتَبَايِنَةِ، وَهَذَا الْقِسْمُ كَثِيرٌ وَمِنْهُ أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْمَاءُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَجْعَلُ هَذَا قِسْمًا مِنْ الْمُتَرَادِفِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ مِنْ الْمُتَبَايِنِ قِسْمًا ثَالِثًا قَدْ يُسَمِّيهِ الْمُتَكَافِئُ، وَالْمَقْصُودُ فَهْمُ الْمَعْنَى، فَإِذَا قِيلَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَقِيلَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ وَقِيلَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ: فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّى بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْعِلْمِ، وَالثَّالِثُ بِصِفَةِ الْقُدْرَةِ، وَالرَّابِعُ بِصِفَةِ السَّمْعِ، وَالْخَامِسُ بِصِفَةِ الْبَصَرِ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ لَيْسَ أَحَدُهَا هُوَ الْآخَرَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ هَؤُلَاءِ وَلَا غَيْرُهُمْ فَصِفَاتُ كُلِّ اسْمٍ يَدُلُّ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْآخَرُ مَعَ اتِّفَاقِهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُسَمَّى نَعَمْ وَقَدْ يَدُلُّ الِاسْمُ عَلَى مَعْنَى الْآخَرِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالذَّاتُ تَسْتَلْزِمُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ لَكِنْ دَلَالَةُ اللُّزُومِ لَيْسَتْ هِيَ دَلَالَةَ الِاسْمِ اللُّغَوِيَّةَ وَاللُّزُومُ أَيْضًا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُعَرَّفَ تِلْكَ الصِّفَاتُ مِنْ غَيْرِ الِاسْمِ هُوَ الدَّالُّ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَعَدُّدُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَقْتَضِ تَعَدُّدَ الْمُسَمَّى وَلَكِنْ اقْتَضَى تَعَدُّدَ صِفَاتِهِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا تِلْكَ الْأَسْمَاءُ، وَهَؤُلَاءِ يُنَازِعُونَ فِي تَعَدُّدِ الصِّفَاتِ فِي الْجُمْلَةِ وَمُحَقِّقُوهُمْ لَا يَقُولُونَ إنَّهَا مَحْصُورَةٌ بِعَدَدٍ بَلْ يَقُولُونَ هَذَا الَّذِي عَلِمْنَاهُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ مَا لَا نَعْلَمُهُ، وَإِذَا كَانَتْ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ مُتَعَدِّدَةً وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ هَذَا نَظِيرًا لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ تَكَثُّرِ الْعِبَارَاتِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى الْمُعَبَّرِ عَنْهُ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَلْسُنِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ تَارَةً تَكُونُ