الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَصْلًا بَلْ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. نَعَمْ يَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَلَامًا لِلْمُتَكَلِّمِ وَهَذَا كَاشْتِرَاكِ الْحَيَاتَيْنِ فِي أَنَّ هَذِهِ حَيَاةٌ وَهَذِهِ حَيَاةٌ، وَاشْتَرَاك الْمَوْجُودَيْنِ فِي أَنَّ هَذَا وُجُودٌ وَهَذَا وُجُودٌ وَهَذَا الِاشْتِرَاكُ لَا يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْآخَرَ فِي الْخَارِجِ أَصْلًا، فَكَذَلِكَ مَعَانِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَا تَقْتَضِي أَنَّ إحْدَاهَا هِيَ الْأُخْرَى فِي الْخَارِجِ أَصْلًا وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْفِطْرَةِ الْبَدِيهِيَّةِ وَفَهْمُهُ سَهْلٌ عَلَى مَنْ تَدَبَّرَهُ وَمَنْ جَحَدَ هَذَا كَانَ مِنْ أَظْهَرِ الْجَاحِدِينَ لِلْمَعَارِفِ الْفِطْرِيَّةِ الضَّرُورِيَّةِ وَإِنْ سَقَطَتْ مُكَالَمَةُ أَحَدٍ لِسَفْسَطَتِهِ فَهَذَا أَحَقُّ مِنْ هَؤُلَاءِ بِهَذَا وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِاَلَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ:
[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ قَوْلُهُمْ كَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْكَلَامِ إنَّهُ وَاحِدٌ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقَاتِ]
الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: وَهُوَ قَوْلُهُمْ: كَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْكَلَامِ إنَّهُ وَاحِدٌ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا هُوَ بِلُغَةٍ مِنْ اللُّغَاتِ وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ أَوْ فَارِسِيٌّ أَوْ عِبْرَانِيٌّ لَكِنْ الْعِبَارَاتُ عَنْهُ تَكْثُرُ وَتَخْتَلِفُ فَإِذَا قُرِئَ كَلَامُ اللَّهِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ سُمِّيَ قُرْآنًا وَإِذَا قُرِئَ بِلُغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ أَوْ السُّرْيَانِيَّةِ سُمِّيَ تَوْرَاةً أَوْ إنْجِيلًا فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ أَفْسَدِ مَا يُعْلَمُ فَبَدِيهَةُ الْعَقْلِ فَسَادُهُ، وَهُوَ كُفْرٌ إذَا فَهِمَهُ الْإِنْسَانُ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ يُقْرَأُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَقَدْ يُتَرْجَمُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ أَوْ الْفَارِسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَلْسُنِ وَمَعَ هَذَا إذَا تُرْجِمَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ لَمْ يَكُنْ هُوَ التَّوْرَاةَ وَلَا مِثْلَ التَّوْرَاةِ وَلَا مَعَانِيهِ مِثْلُ مَعَانِي التَّوْرَاةِ وَكَذَلِكَ التَّوْرَاةُ تُقْرَأُ بِالْعِبْرِيَّةِ وَتُتَرْجَمُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَتْ مِثْلَ الْقُرْآنِ وَلَا مَعَانِيهَا مِثْلَ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ الْإِنْجِيلُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُقْرَأُ بِعِدَّةِ أَلْسُنٍ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مَعَانِيهِ لَيْسَتْ مَعَانِيَ التَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ، فَهَلْ يَقُولُ مَنْ لَهُ عَقْلٌ أَوْ دِينٌ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُطْلَقًا إذَا قُرِئَ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ هُوَ الْقُرْآنَ، أَوْ لَيْسَ يَلْزَمُ صَاحِبَ هَذَا أَنْ تَكُونَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إذَا فُسِّرَا بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَا هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ، بَلْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْإِلَهِيَّةُ الَّتِي يَرْوِيهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى مِثْلُ قَوْلِهِ:«يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ» وَقَوْلِهِ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إذَا دَعَانِي» وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ مَأْثُورٌ عَنْ اللَّهِ وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ قُرْآنًا وَلَا مِثْلَ الْقُرْآنِ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى. فَكَيْفَ يُقَالُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إذَا قُرِئَا بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا، وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ
إذَا تُرْجِمَ بِالْعِبْرِيَّةِ أَوْ السُّرْيَانِيَّةِ هَلْ يَقُولُ مَنْ لَهُ عَقْلٌ أَوْ لَهُ دِينٌ إنَّ ذَلِكَ هُوَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُوسَى وَعِيسَى عليهما السلام، وَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ الْمُنَزَّلَ بِالْأَلْسِنَةِ الْمُخْتَلِفَةِ مَعْنَاهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَالْكَلَامِ الَّذِي يُتَرْجَمُ بِأَلْسِنَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ. الْعِلْمُ بِفَسَادِ هَذَا مِنْ أَوْضَحِ الْعُلُومِ الْبَدِيهِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَقَائِلُ هَذَا لَوْ تَدَبَّرَ مَا قَالَ لَعَلِمَ أَنَّ الْمَجَانِينَ، لَا يَقُولُونَ هَذَا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا تُرْجِمَ كَمَا تَرْجَمَتْ الْعَرَبُ كَلَامَ الْأَوَائِلِ مِنْ الْفُرْسِ وَالْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ فَتِلْكَ الْمَعَانِي هِيَ الْمَعَانِي وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَمْ تَخْتَلِفْ بِكَوْنِهَا عَرَبِيَّةً أَوْ فَارِسِيَّةً أَوْ رُومِيَّةً أَوْ هِنْدِيَّةً.
وَكَذَلِكَ لَمَّا تَرْجُمُوا مَا تَرْجَمُوهُ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَنَا وَأُمَمِهِمْ فَتِلْكَ الْمَعَانِي هِيَ هِيَ سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْفَارِسِيَّةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَمَّا قَالَتْهُ الْأُمَمُ قَبْلَنَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِمْ وَهُمْ إنَّمَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَقَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَتِلْكَ الْمَعَانِي هِيَ هِيَ لَمْ يَكُنْ كَوْنُهَا حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ إيمَانًا أَوْ كُفْرًا أَوْ رُشْدًا أَوْ غَيًّا مِنْ جِهَةِ اخْتِلَافِ الْأَلْسِنَةِ بَلْ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَعَانِي هِيَ فِي نَفْسِهَا حَقَائِقُ مُتَنَوِّعَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَعْظَمُ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَلْسِنَةِ وَاللُّغَاتِ بِكَثِيرٍ كَثِيرٍ، وَأَيْنَ اخْتِلَافُ الْمَعَانِي مِنْ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ: اخْتِلَافِ صُوَرِ بَنِي آدَمَ وَأَلْسِنَتِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى اخْتِلَافِ قُلُوبِهِمْ وَعُلُومِهِمْ وَقُصُودِهِمْ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اخْتِلَافَ قُلُوبِهِمْ وَعِلْمِهَا وَإِرَادَتِهَا أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ اخْتِلَافِ صُوَرِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ حَتَّى قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ رَجُلَيْنِ يَا أَبَا ذَرٍّ هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلُ هَذَا» . فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا خَيْرًا مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ جِنْسِ الْآخَرِ وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ قُلُوبِهِمْ، فَاخْتِلَافُ الصُّوَرِ لَا يَبْلُغُ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَهَكَذَا كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ التَّوْرَاةُ، وَاَلَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْقُرْآنُ لَمْ تَكُنْ مُغَايَرَةُ بَعْضِهِ بَعْضًا بِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِ الْأَلْسِنَةِ بِحَيْثُ إذَا تُرْجِمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِلُغَةِ الْآخَرِ صَارَ مِثْلَهُ أَوْ صَارَ هُوَ إيَّاهُ كَمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ، مَعَ التَّرْجَمَةِ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعَانِي لَيْسَتْ هِيَ مَعَانِيَ الْآخَرِ وَلَا مِثْلَهَا بَلْ التَّفَاوُتُ الَّذِي بَيْنَ مَعَانِي هَذِهِ الْكُتُبِ أَعْظَمُ مِنْ التَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ أَلْفَاظِهَا وَاللِّسَانُ الْعِبْرِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَمَعَ هَذَا فَمَعَانِي الْقُرْآنِ فَوْقَ مَعَانِي التَّوْرَاةِ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ. ثُمَّ الْمَسِيحُ إنَّمَا كَانَ لِسَانُهُ عِبْرِيًّا وَإِنَّمَا بَعْدَهُ تُرْجِمَ الْإِنْجِيلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ أَفَنَرَى الْإِنْجِيلَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْعِبْرِيَّةِ هُوَ التَّوْرَاةَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَصْلَانِ عَظِيمَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُرْآنَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ الْعَرَبِيِّ اخْتِصَاصٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُمَاثِلَهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا، أَعْنِي خَاصَّةً فِي اللَّفْظِ وَخَاصَّةً فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى، وَلِهَذَا لَوْ فُسِّرَ الْقُرْآنُ وَلَوْ تُرْجِمَ فَالتَّفْسِيرُ وَالتَّرْجَمَةُ قَدْ يَأْتِي بِأَصْلِ الْمَعْنَى أَوْ يَقْرُبُهُ وَأَمَّا الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يُبَيِّنُ الْمَعْنَى كَبَيَانِ لَفْظِ الْقُرْآنِ فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ أَصْلًا وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الدِّينِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَلَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ، وَلَكِنْ يَجُوزُ تَرْجَمَتُهُ كَمَا يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ قِرَاءَتُهُ بِأَلْفَاظِ التَّفْسِيرِ وَهِيَ إلَيْهِ أَقْرَبُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّرْجَمَةِ بِلُغَةٍ أُخْرَى.
الْأَصْلُ الثَّانِي: إنَّهُ إذَا تُرْجِمَ أَوْ قُرِئَ بِالتَّرْجَمَةِ فَلَهُ مَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ لَا يُمَاثِلُهُ فِيهِ كَلَامٌ أَصْلًا وَمَعْنَاهُ أَشَدُّ مُبَايَنَةً لِسَائِرِ مَعَانِي الْكَلَامِ مِنْ مُبَايِنَةِ لَفْظِهِ وَنَظْمِهِ لِسَائِرِ اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ وَالْإِعْجَازُ فِي مَعْنَاهُ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ كَثِيرٍ مِنْ الْإِعْجَازِ فِي لَفْظِهِ. وقَوْله تَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَكَيْفَ يُقَالُ الْكَلَامُ الْمَقْرُوءُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْمُتَرْجَمِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْكَلَامُ الْمَقْرُوءُ بِالْعَرَبِيَّةِ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ مَعَ أَنَّا بِالْبَدِيهَةِ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ لَا فِي لَفْظٍ وَلَا مَعْنًى فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ إيَّاهُ وَهَلْ يَقُولُ مَنْ لَهُ عَقْلٌ أَوْ دِينٌ يَفْهَمُ مَا يَقُولُ أَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ وَالْكَلَامَ الْمُنَزَّلَ هِيَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَاهَا كَدَلَالَةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَمْ يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَعَ تَنَوُّعِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الصِّفَاتِ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ وَأَمَّا الْكَلَامُ فَيَكُونُ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ لَيْسَ هُوَ مَعْنَى الْآخَرِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُنَا عُمُومَ النَّفْيِ بَلْ مَقْصُودُنَا نَفْيُ الْعُمُومِ فَإِنَّا لَا نُنْكِرُ أَنَّ الْكَلَامَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ يُنَزِّلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نَبِيٍّ بِلُغَةٍ الْمَعْنَى الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى الْآخَرِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَاللَّفْظُ مُخْتَلَفًا، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فَإِنَّا نَحْنُ لَمْ نُنْكِرْ أَنَّ مَعَانِيَ الْأَلْفَاظِ تَتَّفِقُ، لَكِنْ الْمُنْكَرُ أَنْ يُقَالَ جَمِيعُ مَعَانِي أَلْفَاظِ الْكُتُبِ مُتَّفِقَةٌ وَهِيَ مَعْنًى وَاحِدٌ وَأَنَّ مَعْنَى مَا أَنْزَلَ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ هُوَ بِعَيْنِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَأَنَّ جَمِيعَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَمَعْنَى سُورَةِ الدَّيْنِ هُوَ مَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَأَنَّ مَعْنَى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مَعْنَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَمَعْنَى الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَهَذَا لَوْ عُرِضَ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى