الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِنْسَانِ إلَى أَنْوَاعِهِ وَانْقِسَامِ جِنْسِ الْمَوْجُودِ إلَى الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَكَذَلِكَ جِنْسُ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهِمَا إلَى الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ وَالتَّبْعِيضُ لَيْسَ هَذِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فِي الْعَالَمِ فَإِنَّ هَذَا نَفْيٌ لِلْقِسْمَةِ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ وَذَاكَ نَفْيٌ لِلْقِسْمَةِ عَنْ كُلِّيٍّ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ كُلِّيًّا بِحَالٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إنْسَانٌ كُلِّيٌّ يَنْقَسِمُ، وَلَا وُجُودُ كُلٍّ يَنْقَسِمُ، وَلَا عِلْمٌ أَوْ كَلَامٌ كُلِّيٌّ يَنْقَسِمُ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْيَ هَذَا وَإِنْ قَصَدَ نَفْيَهُ فَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ عَاقِلٌ لَا فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِ وَلَا فِي كَلَامِ الْخَالِقِ فَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ كَلَامٌ كُلِّيٌّ هُوَ بِعَيْنِهِ يَنْقَسِمُ إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ بَلْ إنْ كَانَ أَمْرًا لَمْ يَكُنْ نَهْيًا وَإِنْ كَانَ نَهْيًا لَمْ يَكُنْ أَمْرًا وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْكُلِّيِّ الْمَقْسُومِ أَنْ يُقَالَ اسْمُهُ عَلَى أَنْوَاعِهِ وَأَقْسَامِهِ فَيُسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ إنْسَانًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْكَلَامِ كَلَامًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْعُلُومِ أَنَّهُ عِلْمٌ وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ الْفَرْقُ الَّذِي يَذْكُرُهُ النَّاسُ لِمُتَعَلِّمِ الْعَرَبِيَّةِ فِي أَوَّلِ التَّعْلِيمِ فَيَقُولُونَ مَنْ قَالَ الْكَلَامُ يَنْقَسِمُ إلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ فَإِنَّهُ يُرِيدُ قِسْمَةَ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ وَأَبْعَاضِهِ.
وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ تَقْسِيمَ الْجِنْسِ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْكَلِمَةُ تَنْقَسِمُ إلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ فَإِنَّ الْجِنْسَ إذَا قُسِّمَ إلَى أَنْوَاعِهِ أَوْ أَشْخَاصِ أَنْوَاعِهِ أَوْ النَّوْعُ إذَا قُسِّمَ إلَى أَشْخَاصِهِ كَانَ اسْمُ الْمَقْسُومِ صَادِقًا عَلَى الْأَنْوَاعِ وَالْأَشْخَاصِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِأَقْسَامٍ لَهُ وَسَوَاءٌ أَرَادَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ فَأَيُّ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ أَرَادَ فَإِنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ نَوْعَيْهَا لَا يَكُونُ هَذَا الْقِسْمُ هُوَ هَذَا الْقِسْمَ فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ الْكَلَامَ الْكُلِّيَّ الْمُنْقَسِمَ إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ الْأَمْرُ فِيهِ هُوَ النَّهْيُ وَلَا أَنَّ الْكَلَامَ الْمَوْجُودَ الْمُعَيَّنَ الْمُنْقَسِمَ إلَى أَبْعَاضِهِ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَوْ الِاسْمُ وَالْفِعْلُ وَالْحَرْفُ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ هُوَ النَّهْيُ وَالِاسْمُ فِيهِ هُوَ الْحَرْفُ فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوهُ مِنْ الْقِسْمَيْنِ كَانَ قَوْلُهُمْ مُخَالِفًا لِلْبَدِيهَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ الْعُقَلَاءِ.
[الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ نَفْيُ الْقِسْمَيْنِ جَمِيعًا عَنْ كَلَامِ اللَّهِ]
الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: إنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ نَفْيُ الْقِسْمَيْنِ جَمِيعًا عَنْ كَلَامِ اللَّهِ فَإِنَّ الْمَعْقُولَ فِي الْكَلَامِ سَوَاءٌ قُدِّرَ كُلِّيًّا أَوْ مَوْجُودًا مُعَيَّنًا أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ أَمْرٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ خَبَرٌ فَإِذَا أُرِيدَ قِسْمَةُ الْكُلِّ قَبْلَ الْكَلَامِ وَالْقَوْلُ يَنْقَسِمُ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ مَوْجُودًا وَالنَّهْيُ مَوْجُودًا وَكِلَاهُمَا يُقَالُ لَهُ كَلَامٌ وَيُقَالُ لَهُ قَوْلٌ وَأَمَّا كَلَامٌ هُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ فَهَذَا لَا يَكُونُ وَإِذَا أُرِيدَ قِسْمَةُ الْكُلِّيِّ قِيلَ هَذَا الْكَلَامُ
الْمَوْجُودُ مِنْهُ مَا هُوَ أَمْرٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ نَهْيٌ وَهُمْ يَقُولُونَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بَعْضُهُ أَمْرًا وَبَعْضُهُ نَهْيًا وَلَا بَعْضُهُ خَبَرًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَبْعَاضِ لَهُ وَلَا بَعْضَ لَهُ وَلَا هُوَ أَيْضًا كُلِّيًّا يَنْقَسِمُ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ غَيْرَ النَّهْيِ بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مَعْنًى وَاحِدٌ مَوْجُودٌ فِي الْمَوْصُوفِ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ.
وَأَمَّا الْمَوْصُوفُ فَإِنَّ ظُهُورَ انْتِفَاءِ الْقِسْمَةِ الْأُولَى عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ وُجُودًا كُلِّيًّا يَنْقَسِمُ إلَى الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَالْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ بِعَدَمِهِ إذْ الْكُلِّيُّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَقَوْلٌ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَكُونُ خَالِقًا وَيَكُونُ مَخْلُوقًا وَقَدِيمًا وَمُحْدَثًا أَيْ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ هُوَ الْخَالِقُ وَبَعْضُ أَنْوَاعِهِ الْمَخْلُوقُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْخَالِقَ الْقَدِيمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
نَعَمْ الزَّنَادِقَةُ الْإِلْحَادِيَّةُ يَقُولُونَ إنَّ الرَّبَّ هُوَ الْوُجُودُ وَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ وَهَذَا قَوْلُ الْقُونَوِيِّ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَنْقَسِمُ إلَى حَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ وَأَرْوَاحٍ وَأَجْسَامٍ لَكِنْ لَا يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ وَخَالِقٍ وَمَخْلُوقٍ بَلْ الْوُجُودُ الْكُلِّيُّ الْمُطْلَقُ هُوَ الْوَاجِبُ الْخَالِقُ وَهَذَا قَوْلٌ بِتَعْطِيلِ الصَّانِعِ وَجُحُودِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّهُ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ الثَّابِتُ لِلْوَاجِبِ الْمُتَمَيِّزُ بِنَفْسِهِ عَنْ الْمُمْكِنِ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا قَالَهُ لِكَوْنِهِ لَا يَثْبُتُ الْوَاجِبُ مُتَمَيِّزًا عَنْ الْمُمْكِنِ بِنَفْسِهِ فَإِذَا لَزِمَهُ ثُبُوتُ وَاجِبٍ مُتَمَيِّزٍ لَزِمَ تَنَاقُضُهُ وَمَعَ هَذَا فَهُمْ مِنْ أَكْثَرِ الْخَلْقِ تَنَاقُضًا وَهُمْ مُخْلِطُونَ تَخْلِيطًا عَظِيمًا مَعَ اشْتِرَاكِهِمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَظْلَمِ الْخَلْقِ مِنْ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَالتَّعْطِيلِ فَلَا يَبْعُدُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إذَا فَرَّقُوا بَيْنَ تَجْلِيَةِ الذَّاتِيِّ وَتَجْلِيَةِ الْأَسْمَاءِ فَقَدْ يَقُولُونَ التَّجَلِّي الذَّاتِيُّ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْأَسْمَائِيُّ هُوَ الْمُمْكِنُ وَيَقُولُونَ هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ الْمَقُولُ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَقُولُونَ هُوَ نَفْسُ الْوُجُودِ وَأَنَّ الْمَوْجُودَاتِ أَبْعَاضُهُ وَأَجْزَاؤُهُ لَا أَنْوَاعُهُ.
وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوهُ مَوْجُودًا لَكِنْ جَعَلُوهُ هُوَ الْمَخْلُوقَاتِ بِعَيْنِهَا وَالْأَوَّلُونَ لَمْ يَجْعَلُوهُ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ لَكِنْ جَعَلُوهُ الْمُطْلَقَ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مُعَيَّنًا لَا مُطْلَقًا، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ هَلْ لِلْمُمْكِنَاتِ أَعْيَانٌ ثَابِتَةٌ فِي الْعَدَمِ سِوَى وُجُودِهِ أَمْ هُوَ عَيْنُ الْمُمْكِنَاتِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْفُصُوصِ مِنْهُمْ وَالثَّانِي قَوْلُ أَتْبَاعِهِ كَالْقُونَوِيِّ وَالتِّلْمِسَانِيّ وَغَيْرِهِمَا.
لَكِنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَإِنْ أَضَلَّ طَوَائِفَ مِنْ أَذْكِيَاءِ النَّاسِ وَعِبَادِهِمْ وَوَقَعَ تَعْظِيمُهُمْ فِي نُفُوسِ طَوَائِفَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ وَالْمُلُوكِ تَقْلِيدًا وَتَعْظِيمًا لِقَوْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِقَوْلِهِمْ فَكُلُّ مُسْلِمٍ بَلْ كُلُّ عَاقِلٍ إذَا فَهِمَ قَوْلَهُمْ حَقِيقَةً عَلِمَ أَنَّ الْقَوْمَ جَاحِدُونَ لِلصَّانِعِ مُكَذِّبُونَ بِالرُّسُلِ وَالشَّرَائِعِ مُفْسِدُونَ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِمْ فَإِنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ لَا تَقُولُ بِهَذَا وَحَاشَاهَا مِنْ هَذَا، بَلْ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَكْفِيرًا وَمُحَارَبَةً لِمَنْ هُوَ أَمْثَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَمِنْ الْفَلَاسِفَةِ لَيْسَ بِمُنْقَسِمٍ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ أَظْهَرُ فَسَادًا عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُرَادُهُمْ بَلْ يُرِيدُونَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ مُتَمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ وَقَدْ يَقُولُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ كَابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ إنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ لَا أَجْزَاءُ حَدٍّ وَلَا أَجْزَاءُ كَمٍّ، وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَلَا بَعْضٌ كَالْجِسْمِ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّهُ مَوْجُودٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْمُمْكِنَاتِ وَلَكِنْ يَقُولُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ فِيهِ مَا يُوجِبُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ قَوْلَ أُولَئِكَ الِاتِّحَادِيَّةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَيَصِفُهُ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ الَّتِي لَا تَنْطَبِقُ إلَّا عَلَى الْمَعْدُومِ كَالْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ لَكِنَّ لَازِمَ قَوْلِ النَّاسِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ قَوْلِهِمْ الَّذِي قَصَدُوهُ.
وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَجْمَعُونَ بَيْنَ إثْبَاتِ الْبَارِي وَنَفْيِهِ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ بِهِ وَإِنْكَارِهِ وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَمَّا أُولَئِكَ الِاتِّحَادِيَّةُ فَمَعَ تَنَاقُضِهِمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ وَالتَّبْعِيضُ مُنْتَفِيَةً عَنْهُ فَقَوْلُهُمْ إنَّهُ وَاحِدٌ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ وَاحِدٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ مَوْجُودٌ لَا بَعْضَ لَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَمِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِالْمُتَكَلِّمِ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَنْقَسِمُ أَيْ لَيْسَ مِنْهُ مَا هُوَ أَمْرٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ نَهْيٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ خَبَرٌ بِحَيْثُ يَكُونُ لَيْسَ هَذَا هُوَ هَذَا بَلْ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ هُوَ النَّهْيُ وَهُوَ الْخَبَرُ وَالْبَارِي عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ أَيْ لَيْسَ بِجِسْمٍ ذِي أَبْعَاضٍ وَأَحَدُ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِنَفْيِ هَذَا التَّبْعِيضِ أَنْ لَوْ كَانَ بَعْضُ الْكَلَامِ يَقُومُ بِبَعْضٍ وَبَعْضُهُ يَقُومُ بِبَعْضٍ آخَرَ فَيُقَالُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ تَبَعُّضِ الْمَوْصُوفِ نَفْيُ تَبَعُّضِ الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ بَلْ إذَا قِيلَ إنَّ الْكَلَامَ حَقَائِقُ فَكُلُّ حَقِيقَةٍ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ قِيَامًا مُطْلَقًا كَمَا تَقُومُ بِهِ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ