الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَهُ إنَّمَا هُوَ الْمُطَلِّقُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَدْ شَارَطَتْهُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ مُشَبَّهَةٌ بِالشَّاةِ وَالشَّاةُ لَا تَسْتَعِيرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَعَارُ لَهَا، وَلِهَذَا لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، وَهُمَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَعَارُ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةَ إنَّمَا صَدَرَتْ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْمَسْلَكُ الثَّانِي سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُحَلِّلِ فَقَالَ لَا إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ]
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: مَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ ثِنَا ابْنُ مَرْيَمَ، أَنْبَأَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُحَلِّلِ، فَقَالَ: لَا إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ وَلَا اسْتِهْزَاءٍ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ يَذُوقُ الْعُسَيْلَةَ» وَرَوَاهُ ابْنُ شَاهِينِ فِي غَرَائِبِ السُّنَنِ، وَالدُّلْسَةُ مِنْ التَّدْلِيسِ، وَهُوَ الْكِتْمَانُ وَالتَّغْطِيَةُ لِلْعُيُوبِ، وَالْمُدَالَسَةُ الْمُخَادَعَةُ، يُقَالُ فُلَانٌ لَا يُدَالِسُكَ، أَيْ لَا يُخَادِعُك، وَلَا يُخْفِي عَلَيْك الشَّيْءَ فَكَأَنَّهُ يَأْتِيَك فِي الظَّلَامِ، وَالدَّلَسُ بِالتَّحْرِيكِ الظُّلْمَةُ، وَذَلِكَ لَا مَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ فَقَدْ دَلَّسَ مَقْصُودَهُ الَّذِي يُبْطِلُ الْعَقْدَ، وَكَتَمُ النِّيَّةَ الرَّدِيَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَادِعِ الْمُدَالِسِ الَّذِي يَكْتُمُ الشَّرَّ وَيُظْهِرُ الْخَيْرَ.
وَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ جَيِّدٌ إلَّا إبْرَاهِيمَ بْنَ إسْمَاعِيلَ فَإِنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ هُوَ صَالِحٌ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ هُوَ ثِقَةٌ، مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ مُصَلِّيًا عَابِدًا صَامَ سِتِّينَ سَنَةً، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةِ الدَّوْرِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ هُوَ صَالِحٌ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ، وَنَكْتُبُ حَدِيثَهُ عَلَى ضَعْفِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَدْلٌ مِنْ الْقَوْلِ فَإِنَّ فِي الرَّجُلِ ضَعْفًا لَا مَحَالَةَ، وَضَعْفُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْحِفْظِ وَعَدَمِ الْإِتْقَانِ لَا مِنْ جِهَةِ التُّهْمَةِ، وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، رَوَى مِنْهَا التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، فَمِثْلُ هَذَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِلِاعْتِبَارِ بِهِ، وَقَدْ جَاءَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ يُوَافِقُ هَذَا.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثِنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ؛ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِغَيْرِ
عِلْمِهِ، وَلَا عِلْمِهَا فَأَخْرَجَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فَتَزَوَّجَهَا لِيُحَلِّلَهَا لَهُ. فَقَالَ: لَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ:«لَا حَتَّى يَنْكِحَهَا مُرْتَغِبًا لِنَفْسِهِ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مُرْتَغِبًا لِنَفْسِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» .
وَهَذَا الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ احْتَجَّ بِهِ، وَلَوْلَا ثُبُوتُهُ عِنْدَهُ لَمَا جَازَ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْنِدَهُ.
وَإِذَا كَانَ التَّابِعِيُّ قَدْ قَالَ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثَبَتَ عِنْدِي كَفَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، عَنْ صَحَابِيٍّ أَوْ عَنْ تَابِعِيٍّ آخَرَ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ يَسْهُلُ الْعِلْمُ بِثِقَةِ الرَّاوِي. وَمُوسَى بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، هَذَا ثِقَةٌ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ، وَرَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ ثِقَةٌ.
وَذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ ثِقَةٌ. وَنَاهِيَك بِمَنْ يُوَثِّقُهُ هَذَانِ مَعَ صُعُوبَةِ تَزْكِيَتِهِمَا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَخْرَجَهُ وَأَمَّا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ وَيُعْرَفُ بِالرَّاوِي مِنْ مَشَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ فَهَذَا الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ جَيِّدَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. ثُمَّ الْحَدِيثَانِ إذَا كَانَ فِيهِمَا ضَعْفٌ قَلِيلٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ضَعْفُهُمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ سُوءِ الْحِفْظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إذَا كَانَا مِنْ طَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَضَّدَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا مَحْفُوظًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. يُؤَيِّدُ ذَلِكَ هُنَا: أَنَّ عُمَرَ أَكْثَرُ عِلْمِهِ مِنْ جِهَةِ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ الْمُسْنَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَدِيثِ أَصْلٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنْ يَكُونَ ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ حَفِظَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ كَمَا رَوَاهُ عُمَرُ مُرْسَلًا، لَا سِيَّمَا وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفُتْيَاهُ تُوَافِقُ هَذَا
، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ امْرَأَةٌ تَزَوَّجْتهَا أُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا لَمْ يَأْمُرْنِي وَلَمْ يَعْلَمْ. قَالَ: لَا إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ إنْ أَعْجَبَتْكَ أَمْسَكْتَهَا وَإِنْ كَرِهْتَهَا فَارَقْتَهَا، قَالَ وَإِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ سِفَاحًا، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التَّغْلِبِيُّ وَالْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَاللَّفْظُ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى إسْنَادِهِ ثُمَّ وَقَفْت عَلَى إسْنَادِهِ، رَوَاهُ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا هَذَا السَّائِلُ عَنْ غَيْرِهِ مُؤَامَرَةً مِنْهُ أَتَحِلُّ