الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الطَّوَائِفِ الْمُلْحِدَةِ وَالزَّنَادِقَةِ] [
خِطْبَة الْكتاب]
ِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ فِي آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسَبْعُمِائَةٍ، جَاءَ أَمِيرَانِ رَسُولَانِ مِنْ عِنْدِ الْمَلَإِ الْمُجْتَمِعِينَ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَمَنْ مَعَهُمْ، وَذَكَرَا رِسَالَةً مِنْ عِنْدِ الْأُمَرَاءِ، مَضْمُونُهَا طَلَبُ الْحُضُورِ وَمُخَاطَبَةُ الْقُضَاةِ لِتَخْرُجَ وَتَنْفَصِلَ الْقَضِيَّةُ، وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ خُرُوجُك، وَأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُخْتَصَرًا وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَقُلْت سَلِّمْ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَقُلْ لَهُمْ لَكُمْ سَنَةٌ وَقَبْلَ السَّنَةِ مُدَّةٌ أُخْرَى تَسْمَعُونَ كَلَامَ الْخُصُومِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَإِلَى السَّاعَةِ لَمْ تَسْمَعُوا مِنِّي كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ، فَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ عَدُوًّا آخَرَ لِلْإِسْلَامِ وَلِدَوْلَتِكُمْ لَمَا جَازَ أَنْ تَحْكُمُوا عَلَيْهِ حَتَّى تَسْمَعُوا كَلَامَهُ، وَأَنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ كَلَامَ الْخُصُومِ وَحْدَهُمْ فِي مَجَالِسَ كَثِيرَةٍ، فَاسْمَعُوا كَلَامِي وَحْدِي فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ نَجْتَمِعُ وَنَتَخَاطَبُ بِحُضُورِكُمْ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَقَلِّ الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] . فَطَلَبَ الرَّسُولَانِ أَنْ أَكْتُبَ ذَلِكَ فِي وَرَقَةٍ فَكَتَبْته فَذَهَبَا ثُمَّ عَادَا، وَقَالَا: الْمَطْلُوبُ حُضُورُك لِتُخَاطِبَك الْقُضَاةُ بِكَلِمَتَيْنِ وَتَنْفَصِلَ
وَكَانَ فِي أَوَائِلِ النِّصْفِ مِنْ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ جَاءَنَا هَذَانِ الرَّسُولَانِ بِوَرَقَةٍ كَتَبَهَا لَهُمْ الْمُحَكَّمُ مِنْ الْقُضَاةِ، وَهِيَ طَوِيلَةٌ طَلَبَتْ مِنْهُمْ نُسَخًا فَلَمْ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ حَقِيقَةً وَلَا تَشْبِيهَ. قُلْتُ: فِي خَطِّي وَخَاطَبَنِي بِخِطَابٍ فِيهِ طُولٌ قَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَنَدِمُوا عَلَى كِتَابَةِ تِلْكَ الْوَرَقَةِ وَكَتَبُوا هَذِهِ، فَقُلْت: أَنَا لَا أَحْضُرُ إلَى مَنْ يَحْكُمُ فِي بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَبِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَيَفْعَلُ بِي مَا لَا تَسْتَحِلُّهُ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى، كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ، وَقُلْت لِلرَّسُولِ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ بِحُضُورِكُمْ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَمْكُرُوا بِي كَمَا مَكَرُوا فِي الْعَامِ الْمَاضِي، هَذَا لَا أُجِيبُ إلَيْهِ، وَلَكِنْ مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْت قَوْلًا بَاطِلًا فَلْيَكْتُبْ خَطَّهُ بِمَا أَنْكَرَهُ مِنْ كَلَامِي وَيَذْكُرُ حُجَّتَهُ، وَأَنَا أَكْتُبُ جَوَابِي مَعَ كَلَامِهِ، وَيُعْرَضُ كَلَامِي وَكَلَامُهُ عَلَى عُلَمَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، فَقَدْ قُلْت هَذَا بِالشَّامِ وَأَنَا قَائِلُهُ هُنَا، وَهَذِهِ عَقِيدَتِي الَّتِي بَحَثْت بِالشَّامِ بِحَضْرَةِ قُضَاتِهَا وَمَشَايِخِهَا وَعُلَمَائِهَا.
وَقَدْ أَرْسَلَ إلَيْكُمْ نَائِبُكُمْ النُّسْخَةَ الَّتِي قُرِئَتْ وَأَخْبَرَكُمْ بِصُورَةِ مَا جَرَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّي، وَالْعُدْوَانِ وَالْإِغْضَاءِ عَنْ الْخُصُومِ مَا قَدْ عَلِمَهُ اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ، فَانْظُرُوا النُّسْخَةَ الَّتِي عِنْدَكُمْ، وَكَانَ قَدْ حَضَرَ عِنْدِي نُسْخَةٌ أُخْرَى بِهَا فَقُلْت: خُذْ هَذِهِ النُّسْخَةَ فَهَذَا اعْتِقَادِي فَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا فَلْيَكْتُبْ مَا يُنْكِرُهُ وَحُجَّتَهُ لِأَكْتُبَ جَوَابِي. فَأَخَذَا الْعَقِيدَةَ وَذَهَبَا ثُمَّ عَادَا وَمَعَهُمَا وَرَقَةٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى كَلَامِي بَلْ قَدْ أَنْشَئُوا فِيهَا كَلَامًا طَلَبُوهُ وَذَكَرَ الرَّسُولُ أَنَّهُمْ كَتَبُوا وَرَقَةً ثُمَّ قَطَعُوهَا ثُمَّ كَتَبُوا هَذِهِ.
وَلَفْظُهَا: " الَّذِي نَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ أَنْ يَنْفِيَ الْجِهَةَ عَنْ اللَّهِ وَالتَّحَيُّزَ وَأَنْ لَا يَقُولَ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَرْفٌ وَصَوْتٌ قَائِمٌ بِهِ، بَلْ هُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ إشَارَةً حِسِّيَّةً، وَنَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا عِنْدَ الْعَوَامّ، وَلَا يَكْتُبُ بِهَا إلَى الْبِلَادِ، وَلَا فِي الْفَتَاوَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا. فَلَمَّا أَرَانِي الْوَرَقَةَ كَتَبْتُ جَوَابَهَا فِيهَا مُرْتَجِلًا مَعَ اسْتِعْجَالِ الرَّسُولِ.