الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ إلَى الْعِلْمِ وَالتَّمْيِيزِ وَلِهَذَا لَمَّا أَرَادَ حَاذِقُ الْأَشْعَرِيَّةِ الْمُسْتَأْخِرِينَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ أَنْ يَحُدَّ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ تَعَقَّبَ حُدُودَ النَّاسِ بِالْإِبْطَالِ وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ الْحَدِّ أَوْ أَنَّهُ يُعْرَفُ بِالتَّقْسِيمِ وَالتَّمْثِيلِ قَالَ هُوَ صِفَةٌ جَازِمَةٌ قَائِمَةٌ بِالنَّفْسِ يُوجِبُ لِمَنْ قَامَ بِهِ تَمْيِيزًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي النَّفْسِ مَعْنًى لِلْخَبَرِ غَيْرُ الْعِلْمِ فَهَذَا الْحَدُّ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَمَّا قَسَمَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ الْعِلْمَ إلَى تَصَوُّرٍ وَتَصْدِيقٍ وَجَعَلُوا التَّصَوُّرَ هُوَ الْعِلْمُ بِالْمُفْرَدَاتِ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ تَصَوُّرِهَا وَالتَّصْدِيقَ الْعِلْمَ بِالْمُرَكَّبَاتِ الْخَبَرِيَّةِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَسَمَّوْا الْعِلْمَ بِذَلِكَ تَصْدِيقًا وَجَعَلُوا نَفْسَ الْعِلْمِ هُوَ نَفْسَ التَّصْدِيقِ وَلَوْ كَانَ فِي النَّفْسِ تَصْدِيقٌ لِتِلْكَ الْقَضَايَا الْخَبَرِيَّةِ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ لَوَجَبَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ بِهَا وَتَصْدِيقِهَا وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ وَالتَّصْدِيقَ قَدْ يَعْتَقِدُهُ الْإِنْسَانُ فَيَعْقِلُهُ وَيَضْبِطُهُ وَيَلْتَزِمُ مُوجِبَهُ وَقَدْ لَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا يَعْقِلُهُ وَلَا يَضْبِطُهُ وَلَا يَلْتَزِمُ مُوجِبَهُ فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالثَّانِي هُوَ الْكَافِرُ.
إذَا كَانَ ذَلِكَ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ اللَّهِ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا عَقَلَهُ وَاعْتَقَدَهُ أَيْ ضَبَطَهُ وَأَمْسَكَهُ وَالْتَزَمَ مُوجِبَهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا كَانَ عَالِمًا بِهِ فَلَفْظُ الْعَقْدِ وَالِاعْتِقَادِ شَبِيهٌ بِلَفْظِ الْعَقْلِ وَالِاعْتِقَالِ وَمَعْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا يُجَامِعُ الْعِلْمَ تَارَةً وَيُفَارِقُهُ أُخْرَى فَمِنْ هُنَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ فِي النَّفْسِ خَبَرًا غَيْرُ الْعِلْمِ وَلَفْظُ الْعَقْدِ وَالْعَقْلِ لَمَّا كَانَ جَارِيًا عَلَى مَنْ يُمْسِكُ الْعِلْمَ فَيَعِيهِ وَيَحْفَظُهُ تَارَةً وَيَعْمَلُ بِمُوجِبِهِ كَانَ مُشْعِرًا بِأَنَّهُ يُوصَفُ بِذَلِكَ تَارَةً وَبِضِدِّهِ تَارَةً وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْعِلْمِ وَعَنْ مُوجِبِهِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ اللَّفْظُ فِيمَنْ يُمْسِكُ بِمَا لَيْسَ بِعِلْمٍ، وَمِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ امْتَنَعَ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِالِاعْتِقَادِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَارِقَهُ عِلْمُهُ وَلَا يَعْتَقِدَ مَا لَيْسَ بِعِلْمٍ فَوَصْفُهُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وَصْفِهِ بِضِدِّ الْعِلْمِ، وَلَفْظُ الْفِقْهِ وَلَفْظُ الْفَهْمِ كِلَاهُمَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمًا مَسْبُوقًا بِعَدَمِهِ وَهَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ مُمْتَنِعٌ.
[الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ إنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي إثْبَاتِ أَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ وَلَا الْإِرَادَةَ]
َ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِأَمْرِ الِامْتِحَانِ وَخَبَرِ الْكَاذِبِ، يُقَالُ فِي ذَلِكَ لَا رَيْبَ أَنَّ الْكَاذِبَ الْمُخْبِرَ يُقَدِّرُ فِي نَفْسِهِ الشَّيْءَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ وَيُخْبِرُ بِهِ بِلِسَانِهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ هُوَ تَقْدِيرُ الْعِلْمِ، فَإِنَّ الْخَبَرَ الصِّدْقَ الَّذِي يَعْلَمُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ صِدْقٌ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ الْعِلْمَ الْمُطَابِقَ لِلْخَارِجِ، فَالْمُخْبِرُ الْكَاذِبُ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ
قَدَّرَ فِي نَفْسِهِ تَقْدِيرًا مُضَاهِيًا لِلْعِلْمِ فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْمَوْجُودِ مَعْدُومًا وَالْمَعْدُومِ مَوْجُودًا فِي الْأَذْهَانِ وَاللِّسَانِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ فَمَعْنَى خَبَرِهِ هُوَ عِلْمٌ مُقَدَّرٌ لَا عِلْمٌ مُحَقَّقٌ، لِأَنَّ مُخْبِرَ الْخَبَرِ فِي الْخَارِجِ لَهُ وُجُودٌ مُقَدَّرٌ لَا وُجُودٌ مُحَقَّقٌ، وَالْمُقَدَّرُ لَيْسَ بِمُحَقَّقٍ لَا فِي الذِّهْنِ وَلَا فِي الْخَارِجِ، لَكِنْ لَمَّا قَدَّرَ هُوَ أَنَّهُ عَالِمٌ قَدَّرَ أَيْضًا وُجُودَ الْمُخْبِرِ فِي الْخَارِجِ، وَالْمُسْتَمِعُ لَمَّا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ وَحُسْبَانَهُ صَادِقٌ، وَأَنَّ لِمَا قَالَهُ حَقِيقَةٌ لَمْ يَظُنَّهُ مُقَدَّرًا بَلْ حَسِبَهُ مُحَقَّقًا، وَكُلُّ اعْتِقَادٍ فَاسِدٍ تَقْدِيرَاتٌ ذِهْنِيَّةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْخَارِجِ، وَهِيَ أَخْبَارٌ وَاعْتِقَادَاتٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عُلُومًا، لَكِنْ هِيَ فِي الصُّورَةِ مِنْ جِنْسِ الْمُحَقَّقِ كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْكَاذِبِ مِنْ جِنْسِ لَفْظِ الصَّادِقِ وَخَطَّهُ مِنْ جِنْسِ خَطِّهِ فَهُمَا مُتَشَابِهَانِ فِي الدَّلَالَةِ خَطًّا وَلَفْظًا وَعَقْدًا، فَكَذَلِكَ أَمْرُ الْمُمْتَحَنِ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِطَالِبٍ وَلَا مُرِيدٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ مُقَدَّرٌ لِكَوْنِهِ طَالِبًا مُرِيدًا لِأَنَّهُ يُظْهِرُ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ الْمَأْمُورِ وَامْتِثَالِهِ مَا يُظْهِرُ بِتَحْقِيقِهِ ثُمَّ إظْهَارُ ذَلِكَ هُوَ مِنْ بَابِ الْمَعَارِيضِ، قَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يَجُوزُ، مِثْلُ أَنْ يَفْهَمَ الْمُتَكَلِّمُ لِلْمُسْتَمِعِ مَعْنًى لَمْ يُرِدْهُ الْمُتَكَلِّمُ وَاللَّفْظُ قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ فَمَعْنَاهُ فِي نَفْسِهِ هُوَ الَّذِي لَا يَفْهَمُهُ الْمُسْتَمِعُ وَمَفْهُومُ الْمُسْتَمِعِ شَيْءٌ آخَرُ وَكَذَلِكَ الْمُمْتَحِنُ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ فِي نَفْسِهِ طَلَبٌ مُقَدَّرٌ وَإِرَادَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَمِعِ طَلَبٌ مُحَقَّقٌ وَإِرَادَةٌ مُحَقَّقَةٌ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بَاطِنَ الْأَمْرِ، وَكَذَلِكَ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ عِنْدَ الْكَذَّابِ هُوَ مَا اخْتَلَقَهُ وَالِاخْتِلَاقُ هُوَ التَّقْدِيرُ وَهُوَ مَا قَدَّرَهُ فِي ذِهْنِهِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَعِنْدَ الْمُسْتَمِعِ هُوَ مَا يَجِبُ أَنْ يُعْنَى بِاللَّفْظِ مِنْ الْمَعَانِي الْمُحَقَّقَةِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَنْتُمْ قَرَّرْتُمْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَشْهُورَ الَّذِي تَتَدَاوَلُهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى دَقِيقٍ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ، وَهَذَا حَقٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَكَلُّمَ النَّاسِ بِاللَّفْظِ الَّذِي لَهُ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي فَهْمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى خِطَابًا وَسَمَاعًا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَفْهَمُهُ إلَّا بَعْضُ النَّاسِ بِدَقِيقِ الْفِكْرَةِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ اللَّفْظِ يَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ بِدُونِ فِكْرَةٍ دَقِيقَةٍ وَقَدْ مَثَّلُوا ذَلِكَ بِلَفْظِ الْحَرَكَةِ هَلْ هُوَ اسْمٌ لِكَوْنِ الْجِسْمِ مُتَحَرِّكًا أَوْ لِمَعْنًى يُوجِبُ كَوْنَهُ مُتَحَرِّكًا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَظْهَرَ الْأَسْمَاءِ وَمُسَمَّيَاتِهَا هُوَ اسْمُ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ وَالنُّطْقِ وَمَا يَتَفَرَّعُ مِنْ ذَلِكَ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِخْبَارِ إذْ أَظْهَرُ صِفَاتِ