الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة حين وضع مكبر الصوت في المسجد واستنكره بعض الناس]
28 -
خطبة حين وضع مكبر الصوت في المسجد واستنكره بعض الناس الحمد لله الذي خلق الخلائق وأحكم، وشرع الشرائع وحلل وحرم، وعلم الإنسان ما لم يكن يعلم.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له في ملكه وتدبيره، ولا ظهير له في إحكام الأشياء وحسن تقديره، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن يفعل الخير ويقوله.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله وأطيعوه. واعرفوا ما أنزل من الحق واتبعوه، فمن عرف الحق واتبعه فهو السعيد، ومن عرف الحق وتركه فهو الشقي الطريد. واعلموا أن الله أمر بتبليغ الدين، ويسر كل سبب يوضح الحق ويبين. فكما أن استعمال الأسلحة القوية العصرية والعناية بها داخل في قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] واستعمال الوقايات والتحصينات عن الأسلحة الفتاكة داخل في قوله تعالى:
{وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 102] والقدرة على المراكب البحرية والجوية والهوائية داخل في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] وجميع ذلك وغيره داخل في الأوامر بأخذ جميع وسائل القوة والجهاد، فكذلك إيصال الأصوات والمقالات النافعة إلى الأمكنة البعيدة من برقيات وتليفونات وغيرها داخل في أمر الله ورسوله بتبليغ الحق إلى الخلق، فإن إيصال الحق والكلام النافع بالوسائل المتنوعة من نعم الله، وترقية الصنائع والمخترعات لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية من الجهاد في سبيل الله.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، ومن ضرورة تقارب الزمان تقارب المكان، وذلك بالوسائل التي قربت المواصلات بين البلدان والسكان، قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]
يتضح بذلك أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق والرشد والصدق، وقال تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقال: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5]
فسبحان من أخرج الآدمي من بطن أمه، لا يعلم شيئا، ولا
يقدر على شيء، وجعل لهم السمع والأبصار والعقول، ويسر لهم كل سبب ينالون به من العلم والعمل كل مأمول.
أليس هذا من أكبر الأدلة على عظمته وتوحيده وسلطانه؟ وعلى شمول رحمته وفضله وإحسانه؟ علمهم العلوم الدينية، حتى صاروا هداة مهتدين، وعلمهم العلوم الكونية، حتى كانوا جهابذة مهرة مخترعين. فمن شكر لمولاه وخضع لجلاله كان ذلك عنوان فضله وكماله، ومن طغى وتمرد على ربه، فيا سوء منقلبه ومآله.