الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في النار وصفتها وأهلها]
16 -
خطبة في النار وصفتها وأهلها الحمد لله الذي جعل النار مثوى للكافرين، وعاقبة المجرمين والمتكبرين والمتجبرين، فهو الحكم العدل شديد العقاب، وأحكم الحاكمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي حذر وأنذر، وأخبر أن جهنم مثوى الظالمين، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أئمة المتقين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا ربكم، واتقوا النار التي أعدت للكافرين، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، فإن الله أخبر أنه لا يصلى النار إلا الأشقى، الذي كذب وتولى، وجمع فأوعى، ونسي المبتدأ والمنتهى، فهي دار من طغى وبغى وتجبر على الخلق وآثر الحياة الدنيا، دار الشقاء الأبدي والعذاب الشديد السرمدي، دار جمع الله فيها للطاغين أصناف العذاب، وأحل على أهلها السخط والسعير والحجاب، دار اشتد غيظها وزفيرها، وتفاقمت فظاعتها وحمي سعيرها، قعرها بعيد،
وعذابها شديد ولباس أهلها القطران والحديد، وطعامهم الغسلين وشرابهم الصديد، يتجرعه المجرم ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان، وما هو بميت فيستريح من التنكيد، يتردد أهلها بين الزمهرير المفرط برده وبين السعير، ويلاقون فيها العنا والشقا، فيا بئس المثوى ويا بئس المصير، ويلقى عليهم الجوع الشديد المفظع، والعطش العظيم الموجع، فيستغيثون للطعام والشراب، فيغاثون من هذا العذاب بأفظع عذاب، يغاثون بماء كالمهل وهو الرصاص المذاب، خبيث الطعم منتن الريح حره قد تناها، إذا قرب من وجوههم أسقط جلدها ولحمها وشواها، وإذا وقع في بطونهم صهرها وقطع أمعاءها، يغلي طعام الزقوم في بطونهم كغلي الحميم، فشاربون عليه من الحميم، فشاربون شرب الإبل العطاش الهيم، هذا نزلهم فبئس النزل غير الكريم، ينادودن مالكا خازن النار:{لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] فيقول {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ - لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: 77 - 78] وينادون مستغيثين بربهم {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ - رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ - قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 106 - 108] فحينئذ ييأسون من كل خير ويأخذون في الزفير والشهيق، وكلما رفعهم اللهب
وأرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم: ذوقوا عذاب الحريق، لا يفتر عنهم من عذابها وهم فيه مبلسون، ويبكون دما بعد الدموع فلا يرحمون، جزاء بما كانوا يكسبون، قد فاتهم مرادهم ومطلوبهم، واعترفوا بذنوبهم وأحاطت بهم ذنوبهم يدعون بالويل والثبور: يا ثبوراه! يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله! واحزننا من فظيعة العذاب والشقا، واكربنا من دار العقاب وتجدد العنا، وافجيعتنا من الخلود في الجحيم ويا عظيم البلا، فمالنا من شافعين، ولا أولياء وأخلاء دافعين، قد نسينا الرحمن في العذاب كما نسيناه وكما جحدنا آياته وجزاءه ولقاه، فوالله إن أفئدتنا لتفتت من قوة العقاب، وإن قلوبنا لتتقطع من الكروب وعظم المصاب، سواء علينا أجزعنا أم صبرنا، فالعذاب دائم وسواء دعونا أو سكتنا فليس لنا مشفق ولا ولي ولا راحم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.