الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة حين زادت الأمطار وخيف الضرر ثم أقلعت واستبشر الناس]
27 -
خطبة حين زادت الأمطار وخيف الضرر ثم أقلعت واستبشر الناس الحمد لله اللطيف المنان، الرؤوف الرحيم الرحمن، ذو الكرم الواسع والجود، والخير المتتابع الممدود.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له المعبود، الواحد الأحد الفرد الصمد المقصود، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خير مرسل وأشرف مولود. اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم في الصدور والورود.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى لعلكم ترحمون، واذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون، واشكروه على تتابع فضله لعلكم تكرمون. أنعم عليكم بهذا الغيث الغزير، وأسبغ عليكم بهذا الكرم الواسع الكثير، فلم يزل يتابعه حتى رويت الأراضي وامتلأت الغدران، حتى إذا خشي الناس منه الضرر والطغيان، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت من الخوف والهموم والأحزان - أمره المولى أن يقلع عنكم بلطفه وإحسانه، ونشر
عليكم رحمته برأفته وحنانه، فأصبح الناس بهذا وبهذا مستبشرين، وبنزوله ثم بإقلاعه فرحين، فكانت النعمة في إمساكه كالنعمة في إنزاله، فلم يزل العبد يتقلب بنعم ربه في كل أحواله. فاشكروا ربكم شكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا، وتوسلوا بنعمه وإحسانه إلى طاعته واتباع رضوانه. فمن شكر الله بقلبه ولسانه وعمله فليبشر بالمزيد، ومن قابل النعم بالغفلة والمعاصي فالعقاب شديد. والعباد في غاية الضعف والفقر والاضطرار، ولا ثبات لهم على حالة ولا قوة ولا اصطبار. إذا تباطأ الغيث يئسوا وقنطوا، وإذا تتابع عليهم قلقوا وجزعوا، فعليهم أن يلجأوا في أمورهم كلها إلى المولى، ويسألوه اللطف في مواقع القدر والقضاء، فتعرضوا لألطاف المولى بالتضرع والدعاء، واقصدوه في حالة السراء والضراء.
«دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فشكى إليه الضرر، فقال يا رسول الله: هلكت الأموال، وجاعت المواشي، وتقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال:"اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا". قال أنس: فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، حتى نشأت سحابة من وراء سلع مثل الترس، فانتشرت وأمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس من الجمعة إلى الجمعة.
ثم دخل رجل وهو يخطب في الجمعة الأخرى، فقال يا رسول الله: هلكت الأموال، وانقطعت السبل، وتهدمت الأبنية، فادع الله أن يمسكها. فرفع يديه وهو يخطب. فقال:" اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر" فانجاب السحاب عن المدينة، مثل الإكليل، فخرجوا يمشون في الشمس.»
فانظروا هذه الآيات الدالة على كمال قدرة الله وتوحيده، وعلى سعة رحمته وصدق رسوله، {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [الروم: 48] الآيات.