الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في تفسير قوله إن الله يأمر بالعدل]
9 -
خطبة
في تفسير قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] إلخ الحمد لله الذي جعل القرآن تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة للمؤمنين، وجمع فيه أصول الدين وفروعه، وأصلح به الدنيا والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الخلق وسيد المرسلين، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله بامتثالكم لأوامره، واجتنابكم لمناهيه، وتوددوا إليه بالتقرب إليه، واتباع مراضيه، فقد جمع الله الخير في آية واحدة من كتابه، وهي قوله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] فتأملوا كيف جمعت كل مأمور، ونهت عن كل شر ومحظور، أمر الله فيها بالعدل الذي قامت به الأرض والسماوات، وصلحت الأمور واستقامت به الموجودات، أكبر العدل القيام بالعبودية، وتحقيق التوحيد، وأعظم الظلم الشرك بالله، واتخاذ العديل به والتنديد، ومن
العدل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والقيام بشرائع الدين، والقيام بحق الوالدين، والأقارب والجيران، والمعاملين، ومن العدل القيام بالقسط في الأحكام والولايات، بأن يكون الناس كلهم عندك سواء، البعداء والأقرباء، والأعداء وأهل المودات، ومن العدل معاملة الناس بالوفاء، والصدق والإنصاف، وأن تعطيهم ما لهم عليك كاملا كما تستوفي حقك بلا نقص ولا إجحاف. فـ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ - الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ - وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ - أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ - لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين: 1 - 5] ومن العدل القيام على نفسك والأقربين والأبعدين وأن لا يضلك الهوى عن طريق الشرع والدين، ومن العدل أن تساوي بين زوجاتك في النفقة، والكسوة والعشرة، فعل أهل الكمال، وأن لا تفضل بعض أولادك على بعض في عطية أو بر أو وصال، وأمر تعالى بالإحسان في عبادته، وذلك بمراقبته وخوفه ورجائه، والإخلاص له في الأقوال والأعمال، وبالإحسان إلى عباد الله، بالنصح، والتعليم، وبذل الجاه والمال، ومن الإحسان بذل المعروف والعفو عن المسيئين ولين الكلام وطلاقة الوجه وحسن الخلق مع المسلمين كافة، ومن الإحسان إكرام الجيران وإيتاء
ذي القربى، ولهذا خصه الله بالذكر لشرفه ومصلحته العظمى، ومن الإحسان الرفق بالمماليك والخدم والبهائم، وأن لا يشتمهم ولا يحملهم ما لا طاقة لهم به، فعل المسرف الظالم، ونهى في الآية عن الفحشاء، وهي الكبائر من الجرائم، كالقتل والزنا والربا، والغش وسائر العظائم، وكذلك الرياء والكبر والسخرية بالخلق فإن ذلك من أشنع المآثم، وزجر عن منكرات الأخلاق، والأعمال والأهواء والأدواء، وعن البغي على الخلق، في أنفسهم وأموالهم، وأعراضهم، فالباغي لا بد أن يصرعه بغيه، وتكون له العاقبة الوخيمة السوء. من الله علي وعليكم بالعدل والإحسان، وجنبنا الفواحش والمنكرات والعدوان، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم.