الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في الحث علي الدعاء]
11 -
خطبة في الحث علي الدعاء الحمد لله الذي أمر بالدعاء، ووعد عليه الإجابة، وحث على أفعال الخير كلها، وجعل جزاءها القبول والإثابة، فسبحانه من كريم جواد، رؤوف بالعباد، يأمر عباده بالتقرب إليه بالدعاء، ويخبرهم أن خزائنه ليس لها نفاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة العباد، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه العلماء العبّاد، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم التناد.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وتعرضوا لنفحات المولى في جميع الأوقات، بالدعاء والرجاء، واعلموا أن الدعاء يجلب الخيرات ويستدفع به البلاء، وأنه ما دعى الله داع إلا أعطاه ما سأله معجلا، أو ادخر له خيرا منه ثوابا مؤجلا، وصرف عنه من السوء أعظم منه، كرما منه وإحسانا وتفضلا، وفي الصحيح مرفوعا: «يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم ما لم يعجل " قيل: يا رسول الله: ما الاستعجال؟ قال:
" يقول قد دعوت، وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيتحسر عند ذلك، ويدع الدعاء» ، وفي حديث: «من فتح الله له باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة» ، و «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» [الدعاء] ، هو العبادة " ثم قرأ قوله تعالي: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] الآية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء، ليسأل أحدكم ربه حاجاته كلها، وكيف لا يكون الدعاء مخ العبادة وخالصها؟ وهو من أعظم القرب لرب العالمين، وبه يدرك العبد مصالح الدنيا والدين، وبكثرة الإلحاح فيه على الله ينقطع الرجاء من المخلوقين، ويكمل رجاؤه وطمعه في رحمة أرحم الراحمين، ألا وإن الدعاء ينبئ عن حقيقة العبودية، وقوة الافتقار، ويوجب للعبد خضوعه وخشوعه لربه وشدة الانكسار، فكم من حاجة دينية، أو دنيوية ألجأتك إلى كثرة التضرع واللجأ إلى الله والاضطرار إليه، وكم من دعوة رفع الله بها المكاره وأنواع المضار؟! وجلب بها الخيرات والبركات والمسار، وكم تعرض العبد لنفحات الكريم في ساعات الليل والنهار، فأصابته نفحة منها في ساعة إجابة، فسعد بها، وأفلح والتحق بالأبرار، وكم ضرع تائب فتاب عليه وغفر له الخطايا والأوزار!! وكم دعاه
مضطر فكشف عنه السوء وزال عنه الاضطرار، وكم لجأ إليه مستغيث فأغاثه بخيره المدرار!! فمن وفق لكثرة الدعاء فليبشر بقرب الإجابة، ومن أنزل حوائجه كلها بربه فليطمئن بحصولها من فضله وثوابه، فحقيق بك أيها العبد أن تلح بالدعاء ليلا ونهارا، وأن تلجأ إليه سرا وجهارا، وأن تعلم أنه لا غنى لك عنه طرفة عين في دينك ودنياك، فإنه ربك وإلهك ونصيرك ومولاك، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] الآية.