الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في معرفة الله وتوحيده]
47 -
خطبة في معرفة الله وتوحيده الحمد لله الذي أوجب على العباد معرفته بأسمائه وصفاته، وأسبغ عليهم نعمه وأمرهم أن يستدلوا بآياته، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا يلجأ العبد إلا إليه في كل مهماته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف برياته، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه مدى الدهر وأوقاته.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله وأنيبوا إليه، واستغفروه من جميع الذنوب، ثم توبوا إليه، فإنه الودود الغفور لمن لجأ إليه، وتعرفوا إليه بمعرفة أسمائه وصفاته، وتحببوا إليه بطاعته والثناء عليه وذكر آلائه، فإنه الرب العظيم، الذي ملأت عظمته قلوب أوليائه، وحنت إلى وداده ومحبته أفئدة أصفيائه، موصوف بصفات الكمال، منعوت بنعوت الجلال والجمال، منزه عن العيوب والنقائص والمثال، هو كما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله، وفوق ما يصفه أحد من الخلق في كل الأحوال، حي لا يموت، قيوم لا ينام، عليم لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، بصير يرى دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء
على الصخرة الصماء، سميع يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، تمت كلماته صدقا وعدلا، وجلت صفاته أن تقاس بصفات خلقه شبها ومثلا، وتعالت ذاته أن تشبه شيئا من الذوات أصلا، ووسعت الخليقة أفعاله حكمة ورحمة وعدلا، وعم البرية جوده ومواهبه رحمة وإحسانا وفضلا، لخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الثناء والمجد، أول ليس قبله شيء، آخر ليس بعده شيء، ظاهر ليس فوقه شيء، باطن دونه شيء، أسماؤه كلها أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد، ونعوته أوصاف كمال وجلال وجمال وتحميد، كل شيء من مخلوقاته دال عليه، ومرشد للعقول إلى الوصول إليه، لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، ولا ترك الإنسان سدى ولا عاطلا، وإنما خلق الخلق لقيام توحيده وعبادته، وأسبغ عليهم نعمه ليتوسلوا بشكره إلى كرامته، تعرف إلى عباده بأنواع التعرفات، وصرف لهم الآيات ونوع الدلالات، ودعاهم إلى محبته من جميع الأبواب، ومد بينه وبينهم من عهده أقوى الأسباب، فأتم عليهم نعمه السابغة، وأقام عليهم حجته البالغة، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، فتبارك الله الملك الجواد، وتعالى من شمل خيره جميع العباد.
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من المخلوقات، ولو كان فيهما إله غير الله لفسدت الأرض والسماوات، ملجأ المضطرين، وملاذ المستجيرين، وغياث المستغيثين، ومجيب دعوات الداعين، وقرة عيون المحبين، وأنيس المستوحشين، وهو الغني عن جميع العالمين، ميسر الأمور، وشارح الصدور، ومحكم الأحكام والمقدور، ومدبر المخلوقات ومصرف الدهور، اضمحلت في عظمته وكبريائه عظمة الملوك والعظماء، وتلاشت لديه مقدرة الأقوياء، وعلوم العلماء، وافتقرت إليه جميع الخليقة في كل شئونها الأغنياء منهم والفقراء، من توكل عليه كفاه، ومن دعاه أجابه، وأفاض عليه عطاياه، ومن اعتز به أسعده وتولاه، ومن انتصر به نصره على عداه، ومن اتقاه جعل له مخرجا وفرجا، وسهل أمور دينه ودنياه. ماله {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى - اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 7 - 8] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.