الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في الفرق بين العلم النافع والعلم الضار]
18 -
خطبة في الفرق بين العلم النافع والعلم الضار الحمد لله الذي جعل العلوم النافعة رافعة لأهلها إلى أعلى الدرجات، كما أن العلوم الضارة هابطة بهم إلى أسفل الدركات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كامل الأسماء والصفات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف المخلوقات. اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرامات.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله وتعلموا ما ينفعكم في الدنيا والدين، قال تعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك علما نافعا، وأعوذ بك من علم لا ينفع» . قسّم صلى الله عليه وسلم العلم إلى نوعين: نوع نافع لأهله في الدنيا والدين، ونوع ضار لحامليه وهابط بهم أسفل سافلين. إنما تعرف العلوم والمعارف بآثارها، وبما يترتب عليها من منافعها أو مضارها. للعلوم النافعة والضارة علامات سأبديها:
العلوم النافعة تطهر القلوب وتزكيها، وتكمل الأخلاق الفاضلة وتنميها، تدعو أهلها إلى الإيمان والرغبة في الخيرات، وتحذرهم من الشرور ومصارع الهلكات، تدعو إلى الإخلاص وخفض الجناح للمؤمنين، وتحمل على التواضع ومحبة الخير لكافة المسلمين.
أما العلوم الضارة: فإنها تدنس النفوس وتدسيها، وتميت الأخلاق الفاضلة ولا تحييها. تحمل أهلها على الكبر والعجب والغرور، وتوجب الأشر والبطر وأنواع الشرور. صاحبها معجب بنفسه، وبعقله الناقص المهين. محتقر لأهل الفضل والخير من المؤمنين. مهدر لحق من له حق وفضل على غيره وعليه، وربما احتقر من سفاهته وسقوط أخلاقه والديه. تعرف هذا النوع من الناس بسيماهم وأحوالهم، وتستدل على سفاهتهم بما يبدو من أفعالهم وأقوالهم. إذا أبدى غيرهم رأيا سديدا قالوا: هذا عقل عتيق سقيم، وقد أعجبوا بعقولهم الفاسدة الداعية لكل خلق ذميم. أما علموا أن العقول لا تزكو ولا تكمل إلا بالوحي والقرآن، ولا تكون عقولا نافعة حتى تغتذي باليقين والإيمان، قال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} [طه: 54] وقال: {لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] وهم أهل العقول الوافية
والأخلاق الزاكية. محال أن توجد عقول تقارب عقل النبي صلى الله عليه وسلم، الذي تستمد منه العقول والآراء، أو عقول أصحابه الكمل النجباء، أو عقول السلف والأئمة الصالحين، الذين أصلحوا بعقولهم ودينهم الدنيا والدين، حسب العقول الكاملة أن تستمد من عقل النبي صلى الله عليه وسلم وآرائه، وتستنير بنور هديه وتوجيهه وإرشاده.
كيف تستقيم العقول إذا أعرضت عن الرشد والهدى والنور، وأقبلت على شهوات الغي والباطل والغرور؟ قال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر: 83]