الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في أصول الدين]
26 -
خطبة في أصول الدين الحمد لله المعروف بأسمائه وصفاته، المتحبب إلى خلقه بجزيل هباته.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، المتفرد بالألوهية والوحدانية، المتوحد في العظمة والكبرياء والمجد والربوبية، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أكمل الخلق في مراتب العبودية، وأعلاهم في كل خصلة حميدة، فهو خير البرية، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه الأخيار، وعلى التابعين لهم بالأقوال والأفعال والإقرار.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله خلقكم وأمركم بمعرفته وعبادته، وحثكم على إخلاص الدين وتحقيق طاعته.
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] وقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] وقال:
وذلك أنه يجب علينا أن نؤمن ونعترف أن الله هو الخالق الرازق، المدبر لجميع الأمور، المتفضل على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة، نعم الدنيا ونعم الدين. وأنه الموصوف بسعة الرحمة وشمول الحكمة، والعلم المحيط الشامل. المنعوت بالعظمة والكبرياء والعز الكامل. الحي القيوم الذي لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل على الكمال والتمام. حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. فهو الغني المطلق، ومن سواه إليه فقير، وهو القوي العزيز، ومن سواه عاجز ذليل، وهو الجواد الكريم، فلا غنى لأحد عن كرمه طرفة عين، {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70] ونؤمن أنه الله الذي لا إله إلا هو، فهو ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
فكما أنه لا رب ولا خالق ولا منعم سواه، فليس للعباد إله ومعبود إلا الله. فمن أخلص له الدين في ظاهره وباطنه فهو
الموحد حقا، ومن صرف شيئا من العبادة لغيره فهو المشرك صرفا، قال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72] وقال: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65]
فليس لنا معبود سواه، فلا نستعين إلا به، ولا نعبد إلا إياه، فهو الإله المقصود بالتأله والحب والتعظيم، وهو المقصود لقضاء الحاجات وتفريج الكربات، وكل أمر عظيم {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]
ونؤمن بنزول ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، كما أخبر به الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، مع أنه العلي الأعلى، الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى - اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 7 - 8]
ونؤمن أن المؤمنين يرون ربهم في جنة المأوى، فرؤيته ورضوانه أكبر نعيم يجزل لهم المولى.
ونشهد أن القرآن تنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين،
على قلب النبي الكريم، بلسان عربي مبين، فهو كلام الله حقا منزل غير مخلوق، فهو الهدى والرحمة والشفاء والنور، وعليه المدار في الأصول والفروع والأحكام كلها، وجميع الأمور.
ونشهد أن الله حق، وقوله حق، ووعده حق، ولقاؤه حق، والنبيون حق، ومحمد حق، {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] فيجازيهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فيثيب الطائعين بفضله، ويعاقب العاصين بحكمته وعدله، {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8 - 9]
ونؤمن بجميع ما جاء به الكتاب والسنة من أحوال اليوم الآخر، والشفاعة، والحوض، والميزان، والصراط، وصحائف الأعمال، وما ذكر من صفات الجنة والنار، وصفات أهلهما، كل ذلك حق لا ريب فيه، وكله داخل في الأيمان باليوم الآخر.
والحاصل أننا نؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، إيمانا مجملا شاملا، وإيمانا مفصلا في كتاب ربنا وسنة نبينا.
ونسأله تعالى أن يثبتنا على ذلك، ويميتنا ويحيينا عليه، إنه جواد كريم.