الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في ذكر صفة الجنة وأهلها]
17 -
خطبة في ذكر صفة الجنة وأهلها الحمد لله البر الكريم، الرؤوف الرحيم، ذي الفضل العظيم، والإحسان الشامل الكامل العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العظيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه السالكين للصراط المستقيم.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، فإن الله أعد الجنة للمتقين. {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ - وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ - أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 134 - 136] فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلوب العالمين، فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، ولهم فيها من كل
الثمرات، والفواكه المتنوعة لذيذة الطعم سهلة المنال على المتناولين، وفاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، ظلها ممدود وخيرها غزير غير محدود، وأنهارها تجري في غير أخدود، فتبارك الرب المعبود، دار جل من سواها وبناها، دار طابت للأبرار منازلها المزخرفة وسكناها، دار تبلغ النفوس فيها منيتها ومناها، رياضها الناضرة مجمع الأصفياء المتحابين، وبساتينها الزاهرة نزهة المشتاقين، وخيام اللؤلؤ والدر على شواطئ أنهارها بهجة للناظرين، فيها خيرات الأخلاق حسان الوجوه، قد جمع الله لهن الجمال الباطن والظاهر من جميع الوجوه، أبكارا عربا أترابا، كأنهن اللؤلؤ المكنون، قاصرات الطرف من حسنهن الذي قصر عن وصفه الواصفون، مقصورات في خيام اللؤلؤ، والزبرجد عن رؤية العيون، يتمتع أهلها في كرم الرب الرحيم، وينظرون بأبصارهم إلى وجهه الكريم، فإذا رأوا ربهم تعالى نسوا ما هم فيه من النعيم، ينادي المنادي في أرجاء الجنة مبشرا لأهلها بدوام النعيم سرمدا، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، وإن لكم أن يحل الكريم عليكم رضوانه فلا يسخط عليكم أبدا يتزاور فيها الأصحاب
والأقارب والأحباب، ويجتمعون في ظلها الظليل، ويتعاطون فيها كؤوس الرحيق والتسنيم والسلسبيل، ويتنادمون بأطيب الأحاديث متحدثين بنعم المولى الجليل، قد نزع من قلوبهم الغل والهم والأحزان، وتوالت عليهم المسرات والخيرات والكرم والإحسان، لمثل هذه الدار فليعمل العاملون، وفي أعمالهم الموصلة إليها فليتنافس المتنافسون، فواعجبا كيف نام طالبها؟ وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها؟ وكيف طاب القرار في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟ وكيف قر للمشتاقين القرار دون معانقة أبكارها؟ طريقها يسير على من يسره الله عليه، وهو امتثال الأوامر واجتناب النواهي والتوبة والإنابة إليه.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل واعتقاد، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل واعتقاد، إنك أنت الكريم الجواد.