الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في وجوب الاستعداد بالفنون الحربية]
17 -
خطبة في وجوب الاستعداد بالفنون الحربية الحمد لله الذي أمرنا بأخذ العدة للمعتدين، وبإعداد المستطاع من القوة للأعداء الكافرين، وبالاستعداد الكامل لحماية الدنيا والدين، وبالاحتياط من كل وجه لحفظ بلاد المسلمين، نحمده ونستنصره، وهو نعم المولى ونعم المعين، ونستغفره من الخطايا وهو خير الغافرين.
ونشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق المصدوق المصطفى الأمين.
اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وبالتقرب إليه في كل ما يحبه ويرضيه. واعلموا أن القيام بالدين والجهاد فيه قوام الأمور وصلاحها، وأخذ الحذر ومقاومة الأعداء، به كمال الأحوال ونجاحها، فقد أمر الله رسوله بالجهاد في نصوص كثيرة، ورتب عليه خيرات وأجور غزيرة، ومالا يتم
المأمور به من وسائله فهو داخل في المأمور، ومترتب عليه ما فيه من الخيرات والأجور. لا يقوم الجهاد إلا بتعلم العلوم الحربية، والتفنن بالفنون العسكرية، والتدريب على القوة والشجاعة، والحزم في أمور الحرب وعدم الإضاعة. قال الله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60] تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية على- المنبر، وحث الناس على العمل بها وقال:«ألا إن القوة الرمي ثلاث مرات» ، وقال صلى الله عليه وسلم حاثا لأمته على القوة والشجاعة والتدريبات العسكرية ووسائلها:«ارموا واركبوا، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا» .
يا عجبا لنا معشر المسلمين كيف أهملنا هذا الأصل العظيم من أصول ديننا، وكيف ضيعنا هذا الفرض الذي لا تستقيم الأمور إلا به، تجدنا لا نحسن الرمى والركوب ولا فنون الجهاد، وليس عندنا اهتمام بتنظيم الجيوش التي تحمي الدين والبلاد، بهذا يقع التخاذل والضعف والهوان، وبهذا يتسلط علينا الأعداء في كل مكان، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا
يرفعه حتى تراجعوا دينكم» ، أخبر صلى الله عليه وسلم أن الناس إذا اشتغلوا بالدنيا وانكبوا على أسبابها، وأهملوا الاستعداد للجهاد، وأخذ الحذر من عدوهم- وقع في قلوبهم الجبن والوهن والضعف، وسلطت عليهم الأعداء. لقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم. فعلى المسلمين أن يتوبوا إلى ربهم، ويستدركوا أمرهم، ويستعدوا لعدوهم بكل ما استطاعوا من قوة مادية وقوة معنوية. ومن أهم الأمور في هذه الأوقات تعلم النظم الحربية والفنون العسكرية، التي تهيئ للمسلمين جيشا مخلصا منظما مدربا تتم به حماية الدين، ويوقف المعتدين عند حدهم، ويرهب الكافرين، ولا يكونون عالة على غيرهم، عزلا من السلاح والتعاليم النافعة والاجتهاد، فإنه لا تحصل القوة إلا بتنظيم الجيوش وتدريبها على الشجاعة وفنون الحرب والجهاد، ومقاومة الأعداء لحماية الدين والبلاد.
فاجتهدوا- رحمكم الله- في تحقيق هذا الأصل الذي أهملتموه، وتعلموا وعلموا أولادكم هذا الفرض الذي طالما أضعتموه، لعل الله يمدكم بعونه وعنايته، ويحفظكم بلطفه وحفظه ورعايته. قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25]
أخبر الله تعالى أن دين الإسلام إنما يقوم بالعلم الشرعي والجهاد والقوة والسلاح والحديد، فكل واحد منهما يمد الآخر بمعونة العزيز الحميد. أما ترون أهون الأمم حين أهمل المسلمون هذه الأوامر قد استولوا على كثير من أوطانهم، ولا يزالون طامعين فيها؛ إن بقوا على تفرقهم وتخاذلهم وهوانهم. فاتقوا الله عباد الله، وقوموا بهذا. الفرض الذي تنبني عليه جميع الواجبات، وبوسائله ومكملاته من جميع النواحي والجهات. فإن الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الدين، و «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» ، قال تعالى:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104] بارك الله لي ولكم.