الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في النهي عن الإسراف في النفقات]
21 -
خطبة في النهي عن الإسراف في النفقات الحمد لله الذي دبر عباده في كل أمورهم أحسن تدبير، ويسر لهم أحوال المعيشة وأمرهم بالاقتصاد ونهاهم عن الإسراف والتقتير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير، اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا طرق الاعتدال والتيسير.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى ودعوا مجاوزة الحد في كل الأمور، واسلكوا طريق الاقتصاد في الميسور والمعسور، فقد قال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] فيدخل في هذا الإرشاد النفقات الواجبة والمستحبات، كما يدخل فيه النوائب التي تنوبكم عند عوارض الحاجات، وقد حدث التوسع الزائد في هذه الأوقات، في الولائم ومحافل النساء وغيرها من الدعوات، وهذا ضرر عظيم، مخالف للشرع والعرف وحسن التدبير، ومضاره شاملة للغني والفقير، فالإسراف مخالف لما أمر به الشارع، فقد جعل الله
الأموال قياما للناس تقوم بها المصالح والمنافع، فمن صرفها في غير وجهها أو تجاوز بها حدها فقد ضيع ما جعله الله قواما حيث صرفها عن المصلحة وصدها، وهذا النوع من النفقة لم يضمن الله للمنفق خلفها ورفدها، ألا وإن الإسراف في النفقات لا يستجيزه أهل العقول الوافية، ولا يبني مكرمة عند ذوي الهمم العالية، ولا يصير له موقع يذكر، ولا معروف وإحسان يشكر، بل نشاهد المدعوين القادح منهم أكثر من المادحين، وذلك ضار لصاحبه ولمن أراد مقابلته من الفاعلين، ألا ترون العاجزين ومن ليس لهم مقدرة يلتزمون ذلك مجاراة للأغنياء القادرين، فلو أن رؤساء الناس التزموا واتفقوا على الاقتصاد لشكروا على ذلك، وكان خيرا لهم ولأهل البلاد، أما تشاهدون أفرادا من الرجال الأبرياء الذين لا يشك في كرمهم وعقلهم إذا سلكوا طريق الاقتصاد اتفق الناس على الثناء عليهم، ويرونه من محاسنهم وإحسانهم إلى الذين يختمون إليهم، وخصوصا في هذه الأوقات التي اشتدت بها المؤنة وارتفعت الأسعار، وصار الواحد إذا جارى الناس في توسعهم حمل ذمته مالا يطيق وتحمل المضار. فلو بذل ذلك في ضروراته وحاجاته، لكان خيرا له من بذله في أمور الست من كمالاته، وقد تشاهدون من يسرف في هذه النفقات
فهو مقصر غاية التقصير في قيامه بما عليه من الواجبات، فانظروا رحمكم الله ماذا يجب عليكم في أموالكم، وما يحسن شرعا وعقلا، واسلكوا هذا السبيل ولا تصغوا لمن يريد غير ذلك أصلا، ولا تضطروا عباد الله بإسرافكم في أمور لا يحبونها ولا تدخلوهم في أحوال ونفقات لا يرتدونها. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.