الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في التوكل على الله والاستعانة به]
20 -
خطبة في التوكل على الله والاستعانة به الحمد لله الذي وعد المتوكلين عليه بالكفاية التامة والمعونة، وهون عليهم الأثقال وحمل عنهم المشقة والمؤنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى الذي خلقكم ورزقكم ورباكم، والذي أطعمكم وكفاكم وآواكم، والذي أنقذكم من الردى وهداكم، وتوكلوا حق التوكل عليه في إصلاح دينكم ودنياكم، واعلموا أن التوكل على الله من لوازم الإيمان، وبه يتحقق للعبد كل خير وبر وامتنان، فأنتم تعلمون أنكم فقراء مضطرون إلى ربكم في كل الأحوال والشئون، والرب هو الفعال لما يريد إذا قضى أمرا قال له كن فيكون، وهو الذي يعلم من مصالحكم مالا تعلمون، ويريد منها مالا تريدون ويقدر على ما ليس عليه تقدرون، فقوموا بالأسباب متوكلين على الله لا على سواه فأدوا أمره، واجتنبوا نهيه طالبين منه أن يعينكم على محبته ورضاه، وقوموا بالأسباب الدنيوية من تجارة أو صناعة أو فلاحة
أو غيرها من الأسباب قائمين بالسبب متوكلين ومعتمدين على مسبب الأسباب، فإنكم إذا اتصفتم بذلك لم تزالوا في عبادة وأعانكم المولى، ويسر لكم الطرق والأبواب، وثلاث كلمات هن روح التوكل والاستعانة، فمن قالها بلسانه مستحضرا لمعناها في قلبه فقد حقق التوكل واستقام بنيانه:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] وحسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، التي هي كنز من كنوز الجنة، توصل العبد إلى كل خير عميم، فمتى علم العبد أنه لا حول لأحد ولا قوة إلا بالله، فاعتمد كل الاعتماد على ربه في جلب مصالح دينه ودنياه، وفي استدفاع المضار والمكاره واثقا بمولاه، عالما أنه النافع الضار، وأنه الواقي للشرور الجالب للمحاب والمسار، وأن الخلق كلهم في غاية الاضطرار إلى ربهم ونهاية الافتقار، فقطع رجاءه وتعلقه بالمخلوقين، وانزل حوائجه وشؤونه كلها بالله رب العالمين، فليبشر بالكفاية التامة وتيسير الأمور، ويا قرة عينه بالحياة الطيبة في كل ما يجري به المقدور، ومن انقطع تعلقه بالله وتعلق بمن سواه خذله ووكله إلى غيره وولاه ما رضيه لنفسه وتولاه، فاتقوا الله عباد الله، وأجملوا في السعي والطلب، وتوكلوا على المسبب
لا على السبب، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2 - 3] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.