الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في سؤال العبد عن النعم]
23 -
خطبة في سؤال العبد عن النعم الحمد لله الذي أعطى عباده الأسماع والأبصار والأفئدة لعلهم يشكرون، وأسدى عليهم أصناف النعم وسيحاسبهم عليها وعنها يسألون، فمن استعان بها على طاعة المنعم فأولئك هم المفلحون، ومن صرفها في معاصيه، فأولئك الذين خسروا أنفسهم وأهلهم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختمت به الأنبياء والمرسلون، وبهديه وسيرته يهتدي المهتدون، اللهم صلي وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم في الأقوال والأفعال والحركة والسكون.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله واعرفوا مقدار نعم الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم» . فكلنا معشر المسلمين مسئول عن هذه الخمس، كما أخبر به الصادق في
المقال، فلينظر العبد موقع حاله، وماذا يجيب به هذا السؤال، فمن قال بصدق: يا رب قد أفنيت عمري في طاعتك، وأبليت قوتي وشبابي في خدمتك، ولم أزل مقلعا تائبا عن معصيتك واكتسبت مالي من طرق الحلال واجتنبت المكاسب الردية الموجبة للهلاك والنكال، وأنفقته فيما تحب واجتنبت إنفاقه في الفسوق، ولم أبخل بالزكاة ولا في النفقات الواجبة وآتيت الحقوق، وعلمت الخير ففعلته، وعرفت الشر فتركته، فليبشر عند ذلك برحمة الله وأمانه، والفوز بجنته ورضوانه. ومن قال: قد قضي عمري وشبابي في الذنوب والغفلات، ولم أبال بالمكاسب الخبيثة ولا بالغش والخيانات، وعلمت الخير والشر فلم انتفع بعلمي، ولا أغنت عني معرفتي ولا فهمي. فذلك العبد الذي هلك مع الهالكين، وسلك سبيل الظالمين المعتدين. فيا سوءتاه حين يندب الشاب شبابه، ويفتضح الشيخ إذا قرأ كتابه ويا ندامة المفرطين حين يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا، ويساق المجرمون إلى جهنم وردا، لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا، ينادون مالكا خازن النار:{يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ - لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: 77 - 78] ويقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ - قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 107 - 108] الآيات. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.