الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في تزكية النفس]
13 -
خطبة في تزكية النفس الحمد لله الذي فتح لأوليائه أبواب الخيرات، وأسبغ عليهم الهبات الواسعة والمبرات، وخذل المعرضين عنه، فبقيت قلوبهم في الظلم والضلالات.
وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرض والسماوات، الغني بذاته، المغني لجميع المخلوقات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل البريات. اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرامات.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى بإصلاح البواطن والظواهر، وتقربوا إلى ربكم بطيب المقاصد وحسن السرائر. قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9 - 10] وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى - وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15] فعلق الفلاح على من زكى نفسه وطهر قلبه من كل خلق سافل، وذكر اسم ربه فصلى وتحلى بالفضائل، وجعل الخيبة والخسارة على من دس نفسه فغمسها بالرذائل، ما جعل الفلاح لمن زكى نفسه إلا لأنه عظيم، وبحصوله للعبد يتم كل خير عميم. فرحم الله عبدا اعتز بصلاح قلبه فنقاه من مرآة الخلق، وزكاه بالصدق
والإخلاص للحق. نقاه من العجب والتعاظم والتكبر على الناس، وحلاه بحلية التواضع التي هي خير لباس. نقاه من الغش والغل والحقد، وجمله بإرادة الخير والنصح لكل أحد. نقاه من الميل إلى المعاصي، وهو مرض الشهوات، ومن أمراض الشكوك والريب والشبهات، وجمله بالعقل الراجح لفعل الخيرات، والإقلاع المصمم الصادق عن المحرمات، وسعى في العلوم النافعة الجالبة لليقين، وتحصيل الأدلة الصحيحة والبراهين.
فبذلك يتم شفاؤه من الأهواء والأدواء، وبذلك يحصل فلاحه ويستقيم على الهدى، ولا يحصل له ذلك إلا بتوفيق وإعانة من المولى، قال تعالى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21] وكان صلى الله عليه وسلم يتضرع إلى ربه في طلب التقوى وتزكية النفس، من كل رديء فيقول:«اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» . فحقيق بك أيها العبد الجد في تزكية نفسك لتنال الفلاح، وتستعين الله على إصلاح قلبك فإنه الجواد الفتاح، فإن الله لا ينظر إلى الصور والأموال، وإنما ينظر برحمته إلى القلوب الطاهرة وصادق الأعمال.