الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة في الحج]
68 -
خطبة في الحج الحمد لله الذي رتب على حج بيته الحرام كل خير جزيل، وجعل قصده من أجل القربات الموصلة إلى ظله الظليل، ويسر أسبابه وهون الوصول إليه والسبيل، وسهله بلطفه وكرمه غاية التسهيل. وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الجليل. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الخلق في كل خلق جميل، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين، لهم في كل عمل نبيل.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى واغتنموا الفرص إلى حج البيت العتيق، قال تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] وقال صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة. الحجاج والعمار وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم، يالها من
وفادة عظيمة على ملك الملوك وأكرم الأكرمين، وعلى من عنده ثواب الدنيا والآخرة وجميع مطالب السائلين، ليست وفادة على أحد من المخلوقين الفقراء المساكين، وإنما هي وفادة على بيته الذي جعله مثابة للناس وهدى ورحمة للعالمين، قد غنم الوافدون فيها منافع الدنيا والدين، غنموا تكميل إيمانهم وتتميم إسلامهم، ومغفرة ذنوبهم وستر عيوبهم وحط آثامهم، غنموا الفوز برضى ربهم ونيل رحمته وثوابه، والسلامة من سخطه وعقوبته وعذابه، قد وعدوا الثواب على المشقات وما ينالهم من الصعوبات، ووعدوا إخلاف ما أنفقوا أو مضاعفته ورفعة الدرجات، ووعدوا بالغنى ونفي الفقر وغفران الذنوب، وصلاح الأحوال وحصول كل مطلوب ومرغوب، والسلامة من كل سوء ومكروه ومرهوب. يالها من وفادة تشتمل على تلك المواقف العظيمة، والمشاعر الفاضلة الكريمة، وفادة أهلها في مغنم عظيم في كل أحوالهم، وتنوع في طاعة المولى في جميع أعمالهم. إذا أنفقوا ضوعف أجرهم بغير حساب، أو نالهم نصب ومشقة فذلك يهون في طاعة الملك الوهاب، أو تنقلوا في مناسكهم ومواقفهم نالوا به الخير والثواب، فهم في كرم الكريم يتمتعون، وفي خيره وبره المتواصل يرتعون، إذا فرح الوافدون
على الملوك بالعطايا الدنية الفانية، فقد اغتبط هؤلاء الأخيار بالعطايا الجزيلة الباقية، وإذا سارع المترفون إلى المصيف والنزهة في البلاد النائية مع كثرة النفقات، تسابق هؤلاء الصفوة إلى المواقف الكريمة التي وعد أهلها بالخيرات الكثيرة والبركات. فهل يستوي من قدم أغراضه الدنية واتبع هواه، ممن ترك محبوباته وسارع لرضى مولاه؟! {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]